تفاجأ الشارع الأردني، صباح الخميس، بالأخبار التي تداولتها مواقع أمريكية وعبرية، حول قرب الإعلان عن مشروع أردني إماراتي إسرائيلي كبير، لمقايضة الطاقة بالمياه، بينما لزم الناطقون الإعلاميون في عمّان وأبوظبي الصمت.
ونقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن المسؤولين الإسرائيليين تأكيدهم أن مسؤولين أردنيين وإماراتيين وإسرائيليين، يستعدون لتوقيع اتفاق لبناء مزرعة ضخمة للطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية، وذلك لتزويد "إسرائيل" بالطاقة، مقابل أن تبني الأخيرة محطة لتحلية المياه على ساحل البحر الأبيض المتوسط لتوفير المياه للأردن.
وأوضح أن مزرعة الطاقة الشمسية ستبنى من قبل شركة "مصدر" للطاقة البديلة، المملوكة للحكومة الإماراتية، ويُتوقع أن يبدأ تشغيلها بحلول عام 2026، على أن تنتج 2 بالمئة من طاقة الاحتلال بحلول عام 2030، مقابل أن يدفع الاحتلال 180 مليون دولار سنويا لتقسيمها بين الحكومة الأردنية والشركة الإماراتية.
ووفق مصادر إعلامية عبرية؛ فإن وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار، ستوقع الاتفاق عن الجانب الإسرائيلي، إلى جانب وزير المياه والري الأردني محمد النجار، ومسؤول ملف المناخ في الإمارات الشيخ سلطان الجابر، والمبعوث الأمريكي لشؤون المناخ جون كيري.
وأشارت المصادر إلى أن "الأردن ينوي شراء نحو 200 مليون متر مكعب من المياه المحلية، وهي ضعفا الكمية التي يبتاعها الأردن اليوم من إسرائيل، علما بأنه سيدفع ثمنها بالكهرباء".
وأثار هذا الإعلان تساؤلات حول أبعاد الاتفاق وأثره على العلاقة بين الاحتلال والأردن، وكيف يمكن أن يستغله الاحتلال إقليميا لصالحه في المستقبل؟ وما هي طبيعة الدور الإماراتي المعول عليه إسرائيليا حاليا وفي المستقبل؟ وما مدى مشروعية وقانونية هذه الاتفاقات التي توقعها الحكومات بعيدا عن الإرادة الشعبية أو أخذ موافقة البرلمان المنتخب؟
اختراق صهيوني وكسر للإرادة الشعبية
يرى المحلل السياسي الناشط في مقاومة التطبيع، هشام البستاني، أن "هذا الاتفاق يعزز اختراق الكيان الصهيوني المهيمن في المنطقة، من خلال بوابات المشاريع الاستراتيجية الكبرى المتعلقة بالطاقة والمياه".
وقال لـ"عربي21" إن هذه المشاريع تربط مباشرة الهيمنة الصهيونية ليس بالمجموعات الحاكمة في المنطقة فقط، بل وتصل بتأثيراتها العضوية والعميقة إلى الشعوب نفسها، بعد أن فشلت بشكل ذريع كل محاولات التطبيع الشعبية على مدار عقود، مضيفا أن "هذه المشاريع جاءت لتجبر الناس غصبا عنهم، على الارتباط بالصهاينة والخضوع لهيمنتهم؛ بإخضاع أبجديات حياتهم اليومية للتحكم الصهيوني".
وتابع البستاني: "بدأ هذا بصفقة الغاز التي تولد (بحسب مصادر شركة الكهرباء الوطنية) 40 بالمئة من كهرباء الأردن على الأقل، ويحول مقابلها ما قيمته 10 مليارات دولار من جيوب المواطنين الأردنيين غصباً عنهم؛ لدعم الإرهاب الصهيوني بشكل مباشر، والخضوع لابتزازه في الوقت نفسه".
ولفت إلى أن "اتفاقية وادي عربة وضعت أمن مياه الأردن بيد الصهاينة، واتفاقية استيراد الغاز وضعت أمن الطاقة والكهرباء في الأردن بيدهم أيضا، واليوم يتوسع هذا الربط المزدوج باتفاقية تجمع الطاقة والمياه في مشروع عملاق واحد ثلاثي الأطراف، أردني- إماراتي- صهيوني، يثبت هذه التبعية وذلك الارتباط".
وأوضح البستاني أن هذا الارتباط العميق بين المجموعات الحاكمة العربية والمشروع الصهيوني صار واضحا، إذ أن المشاريع الاستراتيجية الكبرى لا تمر إلا إن دخل الصهاينة على خطها، مستشهدا بمشاريع ناقل البحرين (تحلية مياه البحر الأحمر) وشبكة الكهرباء العربية، "ليصل الأمر اليوم إلى مشاريع الطاقة الشمسية الكبرى المرتبطة بالماء".
وأشار إلى أن "هذه الحالة التطبيعية الإجبارية التي تفرضها الحكومات على الشعوب؛ هي في جانب منها كسر للإرادة الشعبية، وإخضاع لها بالقوة"، مبينا أن "هذا يعني اكتمالا لتحول كيانات المنطقة العربية المحيطة بالصهاينة من دول طوق إلى كيانات ممرات عبور واستهلاك ودمج للصهاينة".
وحول مشروعية وقانونية هكذا اتفاقات، بعيدا عن إرادة الشعوب، أو دون أخذ موافقة مجالسها البرلمانية المنتخبة؛ قال الفتياني إن "سؤال الشرعية والقانونية لا يعني شيئا في بلاد لا متسع فيها لممارسات دول القانون والدستور".
وتابع: "هذا يضعنا مباشرة أمام سؤال آليات مقاومة التطبيع المتبعة حتى الآن، والتي نجحت في تعزيز الرفض الشعبي الحازم للتطبيع، لكنها فشلت في وقف التطبيع العضوي الاستراتيجي العميق والهائل القادم من فوق، والمفروض بالقوة".
وقال موقع "أكسيوس" الأمريكي، إن من المتوقع أن توقع الاتفاقية الاثنين المقبل في دبي، بتمويل من الإمارات، واصفا المشروع بأنه "أكبر تعاون إقليمي على الإطلاق بين إسرائيل وجيرانها".
اقرأ أيضا: السلطة ترحب بقرار حق فلسطين في استغلال مواردها الطبيعية
تداعيات على الساحة الأردنية
ولكن المحلل السياسي حازم عياد، شكك بإمكانية توقيع الاتفاق خلال الأيام القليلة القادمة، "فهو مشروع ضخم يحتاج إلى وقت طويل لدراسته"، مشيرا إلى أن المصادر التي تحدثت عن المشروع مصادر إسرائيلية فقط، ولا يوجد أي تأكيد أردني أو إماراتي حوله.
وقال عياد إن الإمارات معنية بأن يكون لها شراكات اقتصادية في الإقليم، وأن تكون فاعلا أساسيا في تدفئة السلام الإسرائيلي الأردني، مضيفا أن "تل أبيب" تعوّل على أبوظبي كثيرا في تحقيق اختراقات تطبيعية للمنطقة العربية.
ولفت إلى أنه "إذا ما تم التوقيع على هذا المشروع؛ فإنه سيؤدي إلى فوضى داخل الطبقة السياسية في الأردن، ونقاش ساخن حول الفوائد الناجمة عنه، عدا عن تعميق حالة الشك وعدم الثقة بين الشارع والدولة الأردنية".
وأضاف عياد أن الاتفاقات الاقتصادية السابقة الموقعة بين الأردن والاحتلال، أوصلت الشارع الأردني إلى قناعة بأن "إسرائيل" هي من يكسب أكثر، دون أن تقدم فوائد ملموسة لا للأردن، ولا للقضية الفلسطينية.
وأكد أن الشعب الأردني ليس معنيا باستقرار الحكومة الإسرائيلية أو عدم استقرارها حتى يُطلب منه أن يقدم الأثمان الاقتصادية مقابل ذلك، مشيرا إلى أن الاتفاق الذي يجري الحديث عنه يُعد كارثة سياسية واقتصادية للأردن، ومن غير المنطق أن تتم مناقشته من خلال ما يطرحه الإعلام الإسرائيلي فقط.
وبيّن عياد أن الأردن كانت له تجربة مريرة في اتفاق الغاز مع "إسرائيل"، والذي كلف الاقتصاد المحلي أرقاما كبيرة، مستهجنا أن يربط الأردن أمنه واستقراره الاقتصادي بأمن الاحتلال الذي يعيش حالة صراع مع الفلسطينيين، "وقد تؤدي أي مواجهة عسكرية بين الطرفين إلى تأثيرات سلبية على إنتاجات الطاقة والمياه في البلاد".
اقرأ أيضا: صفقة بين الاحتلال والأردن.. "الكهرباء مقابل الماء"
استهتار بالسلطة التشريعية
من جهته؛ طالب حزب جبهة العمل الإسلامي، الحكومة الأردنية، بكشف حقيقة الأنباء حول الاتفاق الأردني- الصهيوني- الإماراتي، معتبرا أنه يشكل "اعتداء صارخا على السيادة الأردنية"، و"خروجا عن موقف الشعب الأردني الرافض لكافة أشكال التطبيع"، و"يرهن قطاعات حيوية بيد الاحتلال".
وقال الحزب الأكبر في البلاد، في بيان تلقاه مراسل "عربي21" اليوم الجمعة، إن هذه الاتفاقية مخالفة للدستور، لا سيما المادة 33 منه التي تنص على أن "المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات، أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة؛ لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة، ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما؛ مناقضة للشروط العلنية".
ولفت إلى أن "عدم عرض هذه الاتفاقية على مجلس الأمة يمثل تحدياً للشعب الأردني، واستهتاراً بالسلطة التشريعية وتغولاً صارخاً عليها وعلى الكرامة الوطنية؛ بما يجعلها اتفاقية باطلة قانونياً ودستورياً، مما يتطلب من مجلس النواب الاضطلاع بمسؤولياته الوطنية ومنع هذه الاتفاقية المشؤومة".
ورأى أن الاتفاق يشكل دعما لاقتصاد من جيوب الأردنيين، وتكريسا لسياسة الاستيطان في الضفة الغربية ومخطط تهويدها عبر تزويد المستوطنات بالكهرباء، ويرهن "قطاعات الطاقة والمياه والكهرباء بيد العدو الصهيوني؛ الذي لن يتوانى عن استخدام هذه القطاعات للضغط على الأردن لتمرير مخططاته، وهو ما تحقق في محطات سابقة عبر الضغط في ملف المياه".
وكان الأردن قد وقع "اتفاقية سلام" مع "إسرائيل" عام 1994، فيما عرف باتفاقية "وادي عربة" (صحراء أردنية محاذية لفلسطين)، نصت على إنهاء حالة العداء بين البلدين، وتطبيق أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات بين الدول.
هل دخل الأردن والاحتلال الإسرائيلي مرحلة "السلام الدافئ"؟
العاهل الأردني يلقي "بكرة" الإصلاح في ملعب النواب
ناشطون يرفضون التطبيع الإماراتي مع نظام الأسد (شاهد)