عاشت
تركيا في الآونة الأخيرة كوارث طبيعية مختلفة، كحرائق الغابات والفيضانات، بالإضافة إلى موجة الجفاف التي تضرب بعض مناطقها وتؤدي إلى انخفاض منسوب
المياه الجوفية. ويرجع خبراء أسباب هذه الكوارث بالدرجة الأولى إلى أزمة تغير المناخ التي تعاني منها كافة دول العالم.
أنقرة تستشعر أهمية تغير المناخ وتأثيراته على تركيا، ولمواجهة هذه الأزمة، صادق البرلمان التركي قبل حوالي شهرين بالإجماع على اتفاقية باريس للمناخ لتدخل حيز التنفيذ بعد ست سنوات من توقيعها. كما أضافت الحكومة التركية إلى اسم وزارة البيئة والتخطيط العمراني عبارة "تغير المناخ"، وأنشأت "رئاسة تغير المناخ" تحت مظلة هذه الوزارة التي أصبحت متابعة تغير المناخ ومكافحة آثاره السلبية من أهم مهامها.
هناك مؤشرات تشير إلى أن تركيا قد تواجه في المستقبل القريب أزمة الجفاف وشح المياه، وتزداد تلك المؤشرات يوما بعد يوم، كازدياد حدوث هبوطات أرضية بسبب انخفاض منسوب المياه الجوفية في محافظة قونيا لتقترب من المناطق المأهولة وتهدد سكانها، بالإضافة إلى تقلص مساحة بحيرات، كبحيرة "طوز" الواقعة في وسط البلاد وهي ثاني أكبر بحيرة في تركيا، والتي تقلصت مساحتها بنسبة حوالي 30 في المائة خلال العقود الأخيرة. ويقول خبراء وباحثون إن البحيرة قد تختفي عن الخريطة تماما بعد سنوات إن لم يتم اتخاذ تدابير لازمة لحمايتها.
سوريا والعراق وإيران من جيران تركيا؛ هي الأخرى تعاني من أزمة الجفاف وشح المياه. إلا أنها بدلا من أن تتخذ التدابير اللازمة، كترشيد الري وبناء السدود، والحيلولة دون هدر المياه والإسراف فيها، تتهم تركيا بأنها تسعى إلى تعطيشها من خلال الاستيلاء على حصتها من مياه نهري دجلة والفرات
سوريا والعراق وإيران من جيران تركيا؛ هي الأخرى تعاني من أزمة الجفاف وشح المياه. إلا أنها بدلا من أن تتخذ التدابير اللازمة، كترشيد الري وبناء السدود، والحيلولة دون هدر المياه والإسراف فيها، تتهم تركيا بأنها تسعى إلى تعطيشها من خلال الاستيلاء على حصتها من مياه نهري دجلة والفرات. ورفعت
إيران إلى الأمم المتحدة شكوى ضد تركيا قبل أكثر من أربع سنوات؛ تزعم أن سد إليسو التركي يهدد بحيرة الحور العظيم بالجفاف، وأنه سيؤدي إلى كارثة بيئية في المناطق المحيطة بالبحيرة، إلا أن أنقرة رفضت ولا تزال ترفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، وتشدد على أنها تعطي جيرانها حصة عادلة من النهرين.
وزير الموارد المائية
العراقي، مهدي رشيد الحمداني، في مؤتمر صحفي عقد في بغداد يوم الاثنين، أكد أن "تركيا تقاسمت الضرر مع العراق عكس إيران التي حوَّلت مجاري
الأنهار"، مشيرا إلى أن ذلك "مخالفة صريحة" وأن العراق سيتخذ "إجراءات دولية بحق الجارة إيران". ومن المؤكد أن هذه التصريحات تبرئ تركيا من تلك الاتهامات الباطلة، وتشير إلى صحة ما تقوله أنقرة.
حكومة إقليم كردستان العراق سبق أن قالت إن إيران "غيرت مجرى نهر الكارون بالكامل، وأقامت ثلاثة سدود كبيرة على نهر الكرخة، بعدما كان هذان النهران يمثلان مصدرين رئيسين لمياه الإقليم والعراق ككل"، مضيفة أن تدفق المياه توقف كليا، وأن "تحويل إيران لمجرى 43 رافدا على المدن والمناطق المحيطة بالنهر سيؤدي إلى تعجيل جفاف الإقليم".
إيران تشهد هذه الأيام مظاهرات شعبية كبيرة في مدينة أصفهان للاحتجاج على شح المياه الذي تعاني منه المنطقة منذ سنوات، بالإضافة إلى جفاف نهر "زاينده" بسبب إهمال الحكومة الإيرانية وسياساتها المائية الخاطئة. وقامت القوات الإيرانية الخاصة بمهاجمة المزارعين المعتصمين على مجرى النهر الجاف، وأحرقت خيامهم، واعتقلت عشرات من المحتجين.
مدينة أصفهان تقع في وسط إيران، كما أن نهر "زاينده" لا يرتبط بأي واحدة من جيرانها. ولا يمكن لطهران أن تتهم هذه المرة تركيا أو غيرها بأنها هي التي تسببت في جفاف النهر، للتنصل من مسؤوليتها أمام الشعب الإيراني. وينسف جفاف نهر "زاينده" هو الآخر الاتهامات التي توجهها إيران إلى تركيا ليل نهار عبر وسائلها الإعلامية، ويؤكد صحة تصريحات المسؤولين الأتراك.
تركيا ليست من الدول الغنية بالمياه، كما يُعتقد، بل هي من الدول التي تعاني من موجة الجفاف وشح المياه. وتشير تقارير إلى أنها مرشحة للتصنيف ضمن الدول الفقيرة مائيا في العقد المقبل، كما أنها قد تنضم إلى الدول التي تعاني بشدة من نقص المياه بحلول عام 2040
تركيا ليست من الدول الغنية بالمياه، كما يُعتقد، بل هي من الدول التي تعاني من موجة الجفاف وشح المياه. وتشير تقارير إلى أنها مرشحة للتصنيف ضمن الدول الفقيرة مائيا في العقد المقبل، كما أنها قد تنضم إلى الدول التي تعاني بشدة من نقص المياه بحلول عام 2040، نظرا لارتفاع عدد سكانها. وبعبارة أخرى، أن تركيا لا تملك قطرة ماء زائدة يمكن أن تستغني عنها.
أزمة المياه التي تعيشها تركيا وجيرانها هي أزمة مشتركة لا تُحل بتوزيع الاتهامات يمينا وشمالا. ومن المؤكد أن تركيا ستحمي أمنها المائي، وحصتها العادلة من مياه الأنهار العابرة للحدود بكل طرق ممكنة. ومن الأفضل لدول المنطقة أن تتكاتف وتتعاون في مكافحة التصحر والجفاف، وتقليل الآثار السلبية التي يتسبب فيها تغير المناخ وغيره من العوامل.
twitter.com/ismail_yasa