نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لأستاذ العلوم السياسية في جامعة جون هوبكنز، ياشا مونك، قال فيه إن جو بايدن أكد من أول يوم ترشح فيه للرئاسة أن مهمته لم تكن أقل من إنقاذ الجمهورية الأمريكية.
وقال في فيديو إطلاق حملته: "إن القيم الأساسية لهذه الأمة، ومكانتنا في العالم، وديمقراطيتنا ذاتها.. على المحك".
وقصد بايدن التأكيد على التهديد الذي شكله الرئيس السابق دونالد ترامب على المؤسسات الديمقراطية الأمريكية. لكن قلق الرئيس الأمريكي بشأن الديمقراطية كان بمثابة الإطار الطبيعي لسياسته الخارجية.
اقرأ أيضا: ترامب يهاجم بايدن: نفوذ أمريكا في عهده تراجع لأدنى مستوى
وقالت المجلة: "في بيئة دولية كان فيها المستبدون يكتسبون ثقة بالنفس بسرعة، وكانت الكثير من الديمقراطيات الكبرى الأخرى تواجه ديماغوجيين محليين، فقد جعل بايدن الكفاح من أجل الحفاظ على القيم الديمقراطية مبدأ مرشدا لرئاسته".
وكتب بايدن في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" بينما كان لا يزال مرشحا: "انتصار الديمقراطية والليبرالية على الفاشية والاستبداد، أوجد العالم الحر. لكن هذا الصراع لم يحدد ماضينا فقط. بل إنه سيحدد مستقبلنا".
وعلقت بالقول إن طموح إدارته لن يكون أقل من "إعادة تعزيز الديمقراطية إلى جدول الأعمال العالمي".
ولهذه الغاية، كان سيعقد بسرعة "قمة عالمية للديمقراطية لتجديد الروح والهدف المشترك لدول العالم الحر" - قمة افتراضية ستنعقد هذا الأسبوع.
وأوضحت أنه من السابق لأوانه إصدار حكم نهائي بشأن ما إذا كان بايدن على المسار الصحيح للوفاء بالوعود الطموحة التي قطعها كمرشح، فهو لم يكمل العام في منصبه بعد. ولا يزال العديد من الذين عينهم في انتظار موافقة الكونغرس. كما أن جائحة كوفيد-19 المستمرة جعلت من الصعب على الإدارة إنجاز أي شيء يتجاوز إدارة الكوارث. ولكن مع اقتراب رئاسة بايدن من الذكرى السنوية الأولى، فقد حان الوقت لإجراء تقييم أولي.
اقرأ أيضا: الأيديولوجيا مقابل البراجماتية في السياسة الخارجية الأمريكية
وحتى الآن، لم تفعل إدارة بايدن سوى القليل نسبيا لاحتواء الطموحات المتزايدة للأنظمة الاستبدادية من روسيا إلى الصين. لم تنجح في تقليل الخطر الذي يشكله القادة الشعبويون على البلدان الديمقراطية من المجر إلى الهند. وهي بعيدة كل البعد عن المساعدة في استعادة الثقة العالمية بفكرة الديمقراطية.
وقالت: "تعود أسباب هذا الفشل إلى ظروف موضوعية ليس لبايدن عليها إلا القليل من التحكم. لا يستطيع الرئيس وكبار مسؤوليه فعل الكثير بشأن مكانة أمريكا المتضائلة في العالم ولا العودة العالمية للحكم الأوتوقراطي ولا الحاجة إلى متابعة أهداف السياسة الخارجية المتنافسة التي هي أيضا ذات أهمية حقيقية، ولا أكاذيب دونالد ترامب حول الانتخابات أو استمرار سيطرته على الحزب الجمهوري. مع ذلك يجب محاسبة الإدارة".
وتاليا النص الكامل:
خلال العام الماضي، أصبح من الواضح تماما أن العمل كالمعتاد لن يفعل بايدن الكثير لمساعدته على الوفاء بوعوده بشأن الديمقراطية. للمضي قدما، يجب إما الالتزام باستراتيجية أكثر طموحا، أو التوقف عن التظاهر.
كرئيس، أعرب ترامب مرارا عن إعجابه بالديكتاتوريين من عبد الفتاح السيسي في مصر إلى فلاديمير بوتين. على الرغم من أن إدارته اتخذت بعض الإجراءات الصارمة لكبح جماح الديكتاتوريات التي رأت أنها منافسة جادة، مثل الصين، إلا أن التأثير العام لفترة ولايته كان تشجيع الحكام المستبدين. وإذا كان الطغاة في الغالب في موقف دفاعي في التسعينيات، فإنهم يتمتعون الآن بعودة مذهلة. كما كتبت في صفحات مجلة فورين أفيرز الربيع الماضي، “إن قصة العقدين الماضيين ليست مجرد قصة ضعف ديمقراطي، بل إنها أيضا قوة سلطوية".
التغيير الخطابي الذي أحدثه بايدن على هذه الجبهة واضح اليوم. لم يعد هناك أي سبب يدعو العالم للتساؤل عما إذا كانت القيادة الأمريكية الحالية تقف إلى جانب الديمقراطية أو الديكتاتورية. بينما استمرت الإدارة في التعاون بشأن المصالح المشتركة مثل مكافحة الإرهاب، فقد نأت بنفسها عن القادة الاستبداديين في دول مثل روسيا والسعودية. حتى في التعامل مع الصين، كان البيت الأبيض صريحا بشكل لافت للنظر. وفي ما يتعلق بمواضيع تتراوح من وضع هونغ كونغ إلى معاملة الأقليات العرقية في البلاد، فقد دافعت، على الرغم من المعارضة القوية من بكين، عن الحرية وحقوق الإنسان بشكل لا لبس فيه.
واتخذت الإدارة بعض الخطوات المهمة التي تتجاوز الخطاب عندما يتعلق الأمر بالمنافسين الاستبداديين الرئيسيين. لقد احتفظت ببعض السياسات التجارية التقييدية التي اعتمدتها إدارة ترامب وأبرمت اتفاقية أمنية ثلاثية مهمة مع أستراليا والمملكة المتحدة تهدف إلى مواجهة الصين. ولكن بشكل عام، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت إدارة بايدن ستعزز الخطاب الصارم بشأن المستبدين بأفعال قادرة في الواقع على إبقاء سلطتهم تحت السيطرة. فقد تخلت، على سبيل المثال، بهدوء عن مقاومتها لخط أنابيب نورد ستريم 2 المثير للجدل، والذي سيمنح روسيا مزيدا من النفوذ على وسط أوروبا. والأسوأ من ذلك، أنها أثبتت حتى الآن أنها غير قادرة على ردع بوتين عن تصعيد التهديدات ضد (ما تبقى من) وحدة أراضي أوكرانيا. وبالمثل، فإن سياسة بايدن تجاه الصين لم تنجح في منع جيش البلاد من القيام باستفزازات خطيرة في مضيق تايوان.
وأدت الطريقة الفوضوية التي انسحبت بها أمريكا من أفغانستان إلى تقويض الحرب ضد الاستبداد.. كانت هذه نكسة كبيرة لأجندة بايدن الديمقراطية لثلاثة أسباب: أولا، أنشأت حركة طالبان بالفعل نظاما استبداديا صريحا؛ وثانيا، أضر أسلوب الانسحاب بمصداقية أمريكا؛ وثالثا، أثارت بعض خطابات الإدارة خلال الصيف، والتي تظاهرت بشكل فعال بأن الأمريكيين لا يدينون للأفغان الذين قاتلوا إلى جانبهم لمدة 20 عاما بشيء، تساؤلات حول قيمة الالتزامات الأمريكية. أدى ذلك إلى زعزعة الثقة الدولية في رغبة أمريكا وقدرتها على الوقوف إلى جانب شركائها الاستراتيجيين في ساعة الحاجة - ليس فقط في أوروبا ولكن أيضا في الهند واليابان وغيرها.
هناك الآن شعور متزايد بالقلق بشأن المستقبل بين العديد من رجال الدولة وواضعي السياسات في البلدان المتحالفة بشكل وثيق مع أمريكا. ويبدو أن المغزى العام هو أن "الوجه الطيب" لأمريكا قد عاد، على الأقل في الوقت الحالي. لكن يبدو أن العديد من أقرب شركائها يتساءلون: هل الوجه الطيب لأمريكا جيد بما فيه الكفاية؟
لم يكتف ترامب بالثناء على بعض أكثر الحكام استبدادا في العالم فحسب، بل بدا أحيانا أنه يأمل أيضا في أن يحذو المزيد من القادة الأجانب حذوهم. وطوال فترة ولايته، عمل على تقويض الأجزاء الرئيسية من الهيكل المؤسسي للغرب، مثل الناتو والاتحاد الأوروبي. وفي العديد من البلدان، بدا أنه يتحالف مع القادة الذين كانوا عازمين على تقويض المؤسسات الديمقراطية في بلدانهم، مثل ناريندرا مودي في الهند أو فيكتور أوربان المجري. حتى في الوطن، كان يمارس ما يدعو إليه، ساعيا إلى تسييس المؤسسات المستقلة ومقاومة القيود العرفية على سلطته.
كما أن التغيير في البيت الأبيض أحدث فرقا ملحوظا، فأصبح واضحا أن أمريكا تفضل القادة السياسيين الذين يسعون جاهدين لإنجاح الناتو والاتحاد الأوروبي. وبقيادة أنطوني بلينكين، أصبحت وزارة الخارجية أكثر نشاطا في انتقاد الاعتداءات على سيادة القانون أو انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان حول العالم، بما في ذلك الديمقراطيات المتراجعة المتحالفة مع أمريكا. فليس هناك شكل في رغبة إدارة بايدن في العمل على "حماية الديمقراطية". ولكن الأقل وضوحا هو ما إذا كانت قد طورت أي استراتيجية جادة لإنجاز هذه المهمة الصعبة.
قد يكون هناك أسباب جعلت محاولات إدارة بايدن لحماية الديمقراطية ضعيفة حتى الآن. إن عودة الاستبداد، على المدى القصير على الأقل، تمنح العديد من الحلفاء الأمريكيين بديلا استراتيجيا حقيقيا للشراكة الوثيقة مع أمريكا، ما يجعلهم أقل عرضة للضغط من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية. وتحتاج أمريكا إلى العمل مع بعض البلدان التي تعاني من أكثر أشكال التراجع الديمقراطي وضوحا لخدمة أهدافها ومصالحها الرئيسية، بما في ذلك تغير المناخ. كما أن العديد من الدول الأجنبية الشريكة لديها شكوك عميقة في أعقاب رئاسة ترامب، ما يجعلها شديدة الحذر - ربما بشكل مفرط - بشأن الدفاع عن المؤسسات الديمقراطية. والأهم من ذلك، أن الإدارة ببساطة لا يبدو أن لديها خطة متماسكة لكيفية إعادة تشكيل حوافز القادة الاستبداديين المحتملين في بلدان مثل بولندا والهند.
تبرز هذه المشاكل بوضوح في الإعداد لقمة الديمقراطية القادمة، حيث تشمل قائمة البلدان المدعوة، قادة يبذلون قصارى جهدهم لتقويض الديمقراطية.. من مودي الهند إلى جاير بولسونارو البرازيل إلى رودريغو دوتيرتي الفلبين. ودولا أكثر استبدادية مثل أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. (أبرز دولتين غير مدعوتين هما تركيا والمجر).
تفسر هذه المشكلات أيضا سبب انخفاض أهداف القمة. لا يمكن لقمة افتراضية لمدة يومين وتضم أكثر من 100 دولة أن تستخلص إجماعا حقيقيا حول كيفية تعزيز الديمقراطية في عصر عودة الاستبداد. ولذا فإنه يستعد بايدن للإعلان عن بعض المبادرات المعقولة حول مواضيع مثل الفساد خلال خطابه. وتأمل الإدارة في الحصول على التزامات مماثلة من الحاضرين الآخرين للقمة.. يبدو أن القمة لا تزيد عن كونها وفاء بوعد انتخابي.
الجانب الثالث الذي فشلت فيه الإدارة حتى الآن في الوفاء بوعدها بتجديد روح الديمقراطية هو المجال الذي يتمتع فيه بايدن بأقل قدر من السيطرة. فقد كان بايدن يأمل بفوز واضح على ترامب في انتخابات 2020 يكون بمثابة توبيخ نهائي لسياسته. لكن انتصار بايدن مع أنه كان بهامش واضح فإنه لم يكن واسعا بما يكفي ليشكل توبيخا نهائيا للترامبية. وبدلا من طرده من الحزب الجمهوري، فيبدو أن ترامب قد شدد قبضته عليه.
كان بايدن محقا في أن الديمقراطية معرضة للخطر في جميع أنحاء العالم وأن العقود القادمة ستثبت أنها حاسمة في تحديد آفاقها المستقبلية. لكن من الواضح أيضا أنه استخف بالعقبات التي تقف في طريق قيام رئيس حسن النية بأي شيء حيال ذلك. ونتيجة لذلك، فإنه قدم وعودا مبالغا فيها إلى حد كبير بشأن المساهمة التي يمكن أن تقدمها إدارته لدعم الديمقراطية.
NYT: روسيا تواصل الاستعداد للحرب الطاحنة على جبهة أوكرانيا
NYT: سياسة ترامب مع إيران تحولت إلى كارثة لأمريكا وإسرائيل
NYT: كوشنر يطمع باستثمار سعودي ويفشل مع قطر والإمارات