قضايا وآراء

في أية سياقات سياسية وأمنية تأتي جريمة مخيم البرج الشمالي؟!

1300x600
لم يكد يتعافى مخيم البرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور جنوب لبنان، من تبعات الحادث المؤسف جراء حريق نشب في مسجد أبي بن كعب بسبب تماس كهربائي، وأدى إلى استشهاد الفلسطيني حمزة شاهين وعدد من الإصابات في صفوف اللاجئين، بالإضافة إلى خسائر مادية خاصة في ما يتعلق بأنابيب الأوكسجين المخصصة لمواجهة فايروس كورونا في المخيم.. لم ينته هذا المشهد المحزن في مخيم البرج الشمالي، حتى ارتكبت "قوات الأمن الوطني الفلسطيني" التابعة مباشرة للسلطة الفلسطينية في رام الله، جريمة بحق المخيم وأهله.

ثلاثة شهداء من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان ارتقوا برصاص "الأمن الوطني" خلال تشييع جثمان الشهيد حمزة شاهين في المخيم؛ بمشاركة حشود كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين وقادة الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية.

وفق متابعاتي وقراءتي لحيثيات الجريمة ووفق ما نشر من بيانات رسمية ومقاطع للاعتداء على الجنازة وشهادات المشاركين فيها، نستطيع القول بأنها جريمة مكتملة الأركان في التخطيط المسبق وتبييت النية والاستعداد لارتكاب جريمة القتل العمد بحق المشيعين، وربما تذهب أبعد من ذلك إلى استهداف قادة الفصائل الفلسطينية المتواجدين في الجنازة.

في أية سياقات يمكن قراءة هذه الجريمة البشعة بحق شعبنا الفلسطيني في مخيمات لبنان عامة ومخيم البرج الشمالي خاصة؟ فالجريمة قبل أن تستهدف حركة حماس وأنصارها، هي استهداف للفلسطينيين في لبنان والسلم والوحدة الوطنية.

من الواضح أن جريمة قوات الأمن الوطني الفلسطيني في مخيم البرج الشمالي، يوم الأحد (12 كانون الأول/ ديسمبر 2021)، تأتي ضمن سياق تحريضي ضد حركة حماس بشكل خاص، والمقاومة الفلسطينية بشكل عام.

كما أنها نتاج وامتداد لسياسات سلطة أوسلو في قمع واستهداف كل من يعارض السلطة ويرفض التنسيق الأمني مع الاحتلال، ويتبنى خيار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبهذه المقاومة فإنه يوسع دائرة التأييد الشعبي الفلسطيني له، فيما تتقلص رقعة التأييد الفلسطيني الشعبي للسلطة الفلسطينية.

لذا من الواضح أن السلطة الفلسطينية تدرك حجم التأييد الفلسطيني الشعبي الكبير والمهم داخل فلسطين وفي مخيمات الشتات لفصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، وتبدي هذه السلطة تخوفا من نمو هذه الظاهرة الوطنية لدى شعبنا الفلسطيني، والتي تنذر بفشل سياسات السلطة في الحفاظ على مقاليد الحكم والتفرد بالقرار الوطني الفلسطيني.

أستند في كلامي السابق إلى السياقات التالية، والتي تتطلب مراجعة وعودة بنا قليلا إلى الوراء، لتسليط الضوء على بعض المراحل التي كانت انطلاقا لارتكاب مثل هذه الجريمة، والتي ربما تكون ضمن مخطط متواصل لسلطة رام الله باستهداف المقاومة الفلسطينية والتحريض عليها في مخيمات لبنان على وجه التحديد.

فقد أثارت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى لبنان العام الماضي (2020)؛ حفيظة السلطة الفلسطينية وحركة فتح، بسبب ما حققته هذه الزيارة من حضور قوي لحركة حماس والقضية الفلسطينية على مستوى اللقاءات السياسية التي عقدها هنية مع الجهات اللبنانية المختلفة.

والأمر الثاني، الحفاوة والاستقبال الكبير الذي قوبل به هنية من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية والفصائل والهيئات، وخاصة في مخيم عين الحلوة والذي يعتبر عاصمة الشتات الفلسطيني.

كما أثارت مشاهد تجول هنية في أزقة المخيمات الفلسطينية وسط هتافات الأهالي للمقاومة وحركة حماس؛ الخشية لدى سلطة محمود عباس من نجاح حماس في توسعة نفوذها والتأييد لها في الشارع الفلسطيني في لبنان.

وهذا يفسر الانتقادات والاتهامات المتبادلة بين قيادات السلطة وحركة فتح، عن دورها في مخيمات لبنان ومدى تدني شعبية حركة فتح لدى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

كذلك قبل حريق مخيم البرج الشمالي أطلقت حركة حماس في مخيمات لبنان حملة إغاثية لدعم اللاجئين الفلسطينيين، في ظل الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة التي يعشها لبنان والتي انعكست على المخيمات التي تعاني أساسا من الفقر والبطالة وقلة الرعاية الصحية.

هذه الحملة جاءت في الذكرى 34 لانطلاقة حماس وتحت عنوان "حماس يد تقاوم ويد تغيث"، بالتالي يمكن الفهم بأن جريمة مخيم البرج الشمالي تأتي في سياق إفشال هذه الحملة؛ وأي جهود إغاثية لحماس تخدم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وتزيد من التضامن الشعبي مع الحركة في لبنان.

بالإضافة إلى ذلك، الحادثة تمثل رسالة أمنية لحركة حماس للتفكير مليا قبل إقامة أية مهرجانات أو فعاليات في المخيمات الفلسطينية في ذكرى انطلاقتها، والتي من الممكن أن تشهد نفس الإجرام من قبل هذا الجهاز الأمني. فهذه الفعاليات ستعكس حجم حماس في مخيمات لبنان، وهذا ما لا تريده حركة فتح، ومن الواضح أنها وضعت خطة لإضعاف حماس وبدأت بتنفيذها.

هذه واحدة من السياقات التي تقرأ من خلالها جريمة "قوات الأمن الوطني الفلسطيني" في مخيم البرج الشمالي، في إطار استهداف سلطة محمود عباس لحجم التأييد الشعبي الفلسطيني لحركة حماس وأهمية هذه الحركة سياسيا في مخيمات لبنان.

وبالتالي رسالة هذه الجريمة إلى حماس والشعب الفلسطيني في لبنان.. إلى حماس في سياق إضعاف الحركة لدى الفلسطينيين والانقلاب عليها، والرسالة الثانية للاجئين الفلسطينيين بأن تأييدكم لحركة حماس الذي كان واضحا في جنازة الشهيد حمزة شاهين؛ يعني الانفلات الأمني في المخيمات وعليكم أن تختاروا بين هذا وذاك.

في سياق ثان فإن هذه الجريمة تأتي في سياق متصل مع ما يجري في الضفة الغربية المحتلة، من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة أوسلو، من قتل واستهداف للناشطين المعارضين للسلطة، وكذلك الحرب التي تخوضها السلطة ضد حركة حماس ومناصريها في الضفة.

فإن علمنا أن قوات "الأمن الوطني الفلسطيني" في مخيمات لبنان عبارة عن جهاز أمني يتبع مباشرة للأمن في رام الله، ويتلقى عناصره تدريبات عسكرية في مخيم الرشيدية جنوب لبنان على أيدي ضباط من أجهزة أمن رام الله، بالتالي نتحدث عن امتداد طبيعي لسياسة السلطة الإقصائية والتي تستهدف كل من يرفض أوسلو والتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي؛ ويعارض سياسات الاستفراد بالقرار الوطني الفلسطيني.

وهذا استهداف واضح للمقاومة الفلسطينية ومحاولة لقطع الطريق عن أي مشروع مقاوم للاحتلال من لبنان، تماما كما يحدث في الضفة الغربية المحتلة.

نستطيع هنا الربط بين ما جرى في مخيم البرج الشمالي ظهرا، وما حدث في الضفة الغربية مساء من اعتداءات أمن السلطة على الفلسطينيين خلال استقبالهم الأسيرين المحررين محمد عارف في طولكرم، وعبادة قنيص في بيت لحم.

ويمكننا الربط بين الاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة، وبين خسارة حركة فتح للانتخابات المحلية في مدن الضفة الغربية، والقاعدة: خسرنا فسننتقم.

هنا نتحدث عن عقلية انتقامية مريضة ترفض الآخر، وعن نظام فلسطيني ديكتاتوري لا يختلف عن الأنظمة العربية المستبدة التي تقتل معارضيها وتشوه نضالهم المشروع.

في ظل هذه السياقات ما هو المطلوب فلسطينيا؟ نعم أقول فلسطينيا بشكل عام، لأن المخطط السلطوي يستهدف الوجود الفلسطيني في الداخل والخارج.

في البداية الموقف الفلسطيني الموحد في رفض الجريمة، والتأكيد على أمن وسلامة المخيمات الفلسطينية في لبنان، والتركيز على احتياجات شعبنا السياسية والقانونية والإنسانية.

لم يعد من المقبول الصمت على جرائم السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، هذه السلطة الفاقدة للشرعية والتي تتفرد بالقرار الفلسطيني وتقود مشروع تدمير القضية الفلسطينية.

المطلوب حقيقة أن نتحمل جميعنا كشعب فلسطيني وفصائل المقاومة المسؤولية الوطنية والأخلاقية، لسحب الشرعية من هذه السلطة، فهي لا تمثل شعبنا الفلسطيني الذي قدم التضحيات، وهو يستحق قيادة فلسطينية وطنية جديرة بقيادة المشروع الوطني الفلسطيني حتى التحرير والعودة.