حراك سعودي إماراتي لافت في المنطقة.. تناغم أم تنافس؟

شهدت دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، حراكا لافتا للسعودية والإمارات، بدأ مع نهاية الصيف الماضي.

فبعد المصالحة الخليجية في قمة العلا بالسعودية مطلع العام 2021، بدأت الرياض وأبو ظبي بتغيير نهجهما تدريجيا تجاه دول اتسمت علاقتهما بها بالعداء والتوتر.

بادرت الإمارات بإعادة علاقاتها خلال الشهور القليلة الماضية مع تركيا، إيران، سوريا، وقطر، فيما قام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بجولة لافتة إلى دول الخليج الست، مع خطاب أكثر انفتاحا تجاه إيران، وذلك لأول مرة منذ المصالحة الخليجية عام 2017.

وبعد نحو عام على قمة "العلا"، حضر قادة الخليج الثلاثاء إلى الرياض، وقدموا أطروحات أكثر تصالحية، إذ أكد البيان الختامي للقمة على تعزيز مقومات الوحدة الاقتصادية، والمنظومة الدفاعية والأمنية بين دول المجلس، إضافة إلى المحافظة على تجنب الصراعات الإقليمية، مع التأكيد أن أي اعتداء على دولة خليجية يعتبر اعتداء على جميع دول المجلس.

وطالب البيان الختامي إيران بضرورة معالجة برنامجها النووي، لكن دون أي عبارات تحمل طابعا تهديديا.

اقرأ أيضا: اختتام أعمال القمة الخليجية الـ 42.. الأولى بعد المصالحة

جرأة إماراتية
مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد قام بزيارات مفاجئة ومتسارعة بدأها في آب/ أغسطس الماضي، إذ حط الرحال في أنقرة ملتقيا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وممهدا لزيارة أخيه الأكبر ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد نهاية تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي.

زار طحنون بعد ذلك قطر، ومن ثم إيران، منهيا حالة العداء والتوتر العلنية مع الإمارات والتي ظلت لسنوات.

وبالتزامن مع رحلات طحنون المكوكية إلى خصوم الإمارات السابقين، حطّت طائرة وزير الخارجية عبد الله بن زايد في دمشق لأول مرة منذ سنوات، ملتقيا رئيس النظام السوري بشار الأسد.

وبهذه الزيارات، أعادت الإمارات علاقاتها بشكل علني ورسمي مع أربع دول، ووقعت اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات معها.

الأكاديمي العُماني، والباحث في شؤون الخليج والشرق الأوسط، عبد الله باعبود، قال إن الإمارات لها أهداف أبعد من إعادة العلاقات مع دمشق، أبرزها تحجيم دور إيران هناك من خلال محاولة إعادة سوريا إلى البيت العربي.

باعبود، الأستاذ الزائر في جامعة واسيدا في طوكيو باليابان، ورئيس كرسي دولة قطر للدراسات الإسلامية، قال لـ"عربي21" إن الصراع مع تركيا لم يفد الإمارات بل أضرها، وتابع: "وربما توصلت أبو ظبي إلى قناعة بأن تركيا دولة مسلمة سنية والعلاقة معها تسهم في حفظ التوازنات"، منوها إلى أن استعادة الإمارات لعلاقتها مع إيران وتركيا يأتي بالتزامن مع توطيد علاقتها بإسرائيل.

اقرأ أيضا: تحركات إماراتية في المنطقة تظهر تراجعها عن "مغامرات مدمرة"

واقعية سياسية
باعبود قال إن الحراك السياسي السعودي الإماراتي يعود بالمقام الأول إلى الواقعية السياسية التي تولدت لدى القادة في أبو ظبي والرياض.

ولفت إلى أن هذه الواقعية السياسية تولدت لدى قادة في المنطقة بأواخر عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وأوضح باعبود في حديث لـ"عربي21" أن ضرب منشآت نفطية في السعودية من قبل طائرات إيرانية الصنع، لم يحرّك ترامب حينها، ولا حتى القوى العظمى، وبالتالي ولّد قناعة لدى الرياض بعدم جدوى استمرار الصراعات مع دول إقليمية مجاورة.

ولفت باعبود أيضا إلى أن وصول الديمقراطيين برئاسة جو بايدن إلى البيت الأبيض، ساهم في تقليل الاحتقان، ووقف الصراعات.
 
وأضاف أن العامل الاقتصادي ساهم أيضا في الوصول إلى هذه الحالة، فبعد التضرر جراء إغلاقات فيروس كورونا، وجدت السعودية والإمارات أن "استمرار الصراعات أمر مكلف اقتصاديا، إضافة إلى أن نتائج هذه الأزمات لم تكن مرضية."

ونوه إلى أن السعودية رأت أن التفكك الخليجي لم يفدها، بل على العكس من ذلك صب في صالح إيران التي حسنت علاقاتها بدول خليجية.

وأضاف أن ما تقوم به السعودية هو محاولة لاستعادة مكانتها ودورها التاريخي بأنها الدولة الأقوى في المنطقة.

تحجيم للخلافات
بحسب باعبود، فإن الحراك الحاصل الآن في المنطقة يمكن وصفه بـ"تحجيم للخلافات" وليس حلها بشكل مطلق.

وأضاف أن تأثير الأزمات على مستقبل هذه الدول وخططها، دفعها إلى إعادة قراءة المشهد ببعض من النضج السياسي.

وتابع أن "تداعيات الأزمة وآثارها لن تندمل بسهولة، حتى على المستوى الشعبي"، مضيفا أن الإمارات مثلا يهمها الاستقرار، وعدم انعكاس أي آثار لاتفاق نووي محتمل مع إيران بشكل سلبي عليها.

وأوضح أن تقديم أي طرف تنازلات للآخر هو أمر مستبعد، إذ تتفق جميع الدول في المنطقة الآن على ضرورة تسيير العلاقات الدبلوماسية برغم اختلاف التوجهات.

بدوره، قال مدير مؤسسة دراسات دول الخليج في واشنطن جورجيو كافيرو، إن الإمارات تحاول إلى حد ما ضبط سياساتها الخارجية، واتباع سياسة أقل تكلفة في المنطقة.

وأوضح أن هذا لا يعني أن أهداف الإمارات أو مصالحها قد تغيرت، ولكن كانت هناك تغييرات كبيرة في التكتيكات والاستراتيجيات في 2021.

وتحت عنوان "تصفير الخلافات منذ اتفاق العلا"، قال الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد إنه وبعد مرور أحد عشر شهراً منذ توقيع الاتفاق، تتجه المنطقة ككل نحو الأفضل.

وتابع في مقالة نشرها بصحيفة "الشرق الأوسط": "لن يقف قطار المصالحة عند السعودية والإمارات وقطر والبحرين".

وتابع أن "المصالحات المتعددة ستبني سوراً طويلاً لمنع انتقال التوترات الخطيرة على أطراف منطقتنا إلى وسطها. حروب الأطراف بين إيران وأذربيجان، وقبلها أذربيجان وأرمينيا، وكذلك تركيا واليونان، وحديثاً الحرب الأهلية في إثيوبيا. ومع أنها نزاعات منفصلة إلا أنها قد تتغذى على محاور الخلافات العربية وتهددنا".

اقرأ أيضا: تفاصيل جديدة حول لقاء الخبراء السعوديين والإيرانيين بعمّان


تناغم أم تنافس؟
كافيرو قال إنه برغم اصطفاف الإمارات إلى جانب السعودية في قضايا رئيسية، إلا أن أبو ظبي تسلك طريقا خاصا بها في قضايا أخرى.

وأضاف كافيرو في حديث لـ"عربي21"، أن الإمارات تتخذ مواقف لا تتماشى والسياسة السعودية، وفي مقدمتها دعم المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، والذي يسعى إلى فصل جنوب البلاد عن شمالها.

بالإضافة إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، وهي خطوات تسعى من خلالها الإمارات بحسب كافيرو إلى تأكيد نفسها كدولة مستقلة بقراراتها وتحالفاتها.

بدوره، قال عبد الله باعبود إن الدولتين من الممكن أن تقرآ تحركات بعضهما، في إشارة إلى جولة ابن سلمان الخليجية والتي تزامنت مع تطبيع إماراتي للعلاقات مع خصوم الأمس.

ولم يستبعد باعبود أن يكون هناك تنسيق بين الرياض وأبو ظبي بأن تعمل الأولى على توحيد البيت الخليجي، والثانية على تهيئة الأجواء الإقليمية لمصالحة شاملة.

ونوّه باعبود إلى أن "السعودية بحجمها ومكانتها، ليس من السهل أن تتحرك مثل الإمارات كدولة صغيرة ولديها حسابات مختلفة".

وتقول حسابات سعودية وإماراتية إن العلاقة بين البلدين لم يصبها الوهن، متداولين الحديث الودي الذي دار بين ابن زايد وابن سلمان في آخر زيارة لولي عهد السعودية إلى أبو ظبي.

وقال ابن زايد لابن سلمان: "الله لا يفرقنا يا بو سلمان والعلاقات تقوى عند الشدائد"، ليرد عليه الأخير: "وقت الشدة ما شفنا إلا رجال وأنتم ناس قول وفعل والمصير واحد".