اعتدتُ في مطلع كل عام أن أكتب ما أتمناه لوطني وأمتي، وما فيه خير البشرية جمعاء، وبالرغم من أن ما أكتبه كل عام لا أرى له مردوداً عند الحكام (رؤساء/ أمراء/ ملوك) لإصلاح بلدانهم، إلا أن واجب النصيحة يبقى قائما أملا في الاستجابة ولو ببعضٍ من كل. إن ما أقدمه في هذه السطور لا يخرج عن إطار الممكن والمتاح والمقدور عليه، وليس من باب الخيال أو السراب.
ولما كانت أعمار الأمة الإسلامية بين الستين والسبعين، وقليل من يجاوز ذلك، فقد صرت من هذا القليل، وربما لا يكون هناك متسع من العمر لكتابة نصائح أخرى، فتكون هذه الورقة بمثابة الوصية التي أتركها بين يدي كل من يطالع من المسئولين، سائلاً المولى عز وجل أن يوفقهم إلى العمل بالنافع منها ما أمكنهم ذلك.
وأبدأ - مستعينا بالله - بالشأن المصري:
- إعلاء كلمة الله تعالى فوق الجميع، فلا يصدر تشريع إلا وهو موافق للكتاب والسنة، ولا يبقى قانون مخالف إلا ويتم إبطاله وتعديله، على أن يتم ذلك تحت إشراف الأزهر الشريف.
- وقف العمل بالنظام الربوي في البنوك، والتحول بحزم إلى النظام الإسلامي (المرابحة والمضاربة والقرض الحسن) تجنبا للوقوع تحت طائلة الآية: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا، إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"، وقوله تعالى: "يمحق الله الربا ويربي الصدقات".
- أن تتم المصالحة المجتمعية، ورد الحقوق لأصحابها، وتفريغ السجون من كافة النزلاء السياسيين، وعودة المعارضين بالخارج مع إسقاط كافة التهم عنهم، لأن توحيد الجبهة الداخلية ينعكس إيجابا على معدلات الإنتاج والنمو والتقدم.
- تعديل كافة القوانين المنظمة للانتخابات النيابة والمحليات والجمعيات الخيرية والمراكز الحقوقية والأحزاب السياسية بشكل يسمح بالمزيد من الحريات، ويحقق التمثيل الصحيح للإرادة الشعبية.
- تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية وتقديمها للمواطن بأسعار مناسبة للظروف الصعبة التي يعيشها المواطن محدود الدخل.
- إعادة النظر في ما تفرضه الدولة من ضرائب ورسوم وتمغات مبالغ فيها حيث أصبحت خارج قدرات المواطن، مع البحث عن مصادر تنموية جديدة لتمويل عجز الموازنة ورفع القدرات الاقتصادية.
- إعادة طرح قضية سد النهضة على مجلس الأمن مرة أخرى، لوجود تقارير دولية عديدة حول سلامة السد وعدم قدرته على تحمل المخزون الكبير من المياه، وهو ما يمثل خطورة على سلامة دولتي المصب إذا ما حدث انهيار في جسم السد (لا قدر الله).
- أن يقوى تحالف "مصر/ تركيا / قطر" لما في ذلك من مصلحة استراتيجية للجميع، وهو أكثر أمانا واستقرارا من أي تحالفات أخرى تفتقد للصراحة والشفافية.
- أن تتم الاستفادة من كافة الكفاءات الوطنية (موالية- معارضة) وإتاحة الفرصة لكل صاحب فكرة تعود بالنفع على الوطن، مع قبول النصيحة من الجميع، والعمل بالحسن منها.
- أن تستغني الحكومة عن الفريق الإعلامي المحسوب عليها، والذي أضر بها كثيرا، وتقديم وجوه إعلامية جديدة تتمتع بالصدق والموضوعية والمهنية، والبعيدة كل البعد عن أجواء التحريض والإثارة وبث الفرقة والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
- أن يقتصر دور جهاز الخدمة الوطنية على سد العجز والنقص، وتحقيق التكامل مع القطاع الخاص، وليس بمزاحمته على النحو الذي يضر بالعاملين فيه.
- الحفاظ على ما بقي من القطاع العام من المصانع والشركات الرئيسية وتشغيل المتوقف منها لتوفير احتياجات السوق، مع حل مشكلات العمال وصرف كل مستحقاتهم.
- أن يتم تعويض كل من نُزعت ملكيتهم للمنفعة العامة بما يتناسب مع حجم الضرر، على أن يكون النزع في أضيق الحدود.
- أن تستمر الحكومة في الضرب على أيدي المفسدين والمرتشين والمستولين على المال العام، والعمل على استعادة أموال مصر المنهوبة بالخارج.
- أن تتحول السجون إلى مراكز مفتوحة لعلاج الأمراض النفسية والإدمان، والجذام وتأهيل أطفال الشوارع، وذلك بعد تفريغها من السجناء السياسيين، ويتم ذلك تحت إشراف وزارتي الصحة والتضامن الاجتماعي.
- أن أرى معارضة وطنية نشطة بنّاءة، تسدد وتقارب، وتنتقد بموضوعية، وتطور من أدائها، وتطرح البدائل والحلول لمشكلات الوطن والمواطن.
- أن أشاهد حكومة وطنية، رحيمة بالمواطن ترشد الإنفاق، وتتوقف عن الاستدانة إلا في حالة شراء القوت الضروري، فلا تحمل الأجيال القادمة أعباء ديونها الكثيرة.
- أن تهتم الحكومة بشبكة العلاقات الإنسانية والاجتماعية بنفس درجة اهتمامها بشبكة الطرق والكباري، لكون ذلك يصب في صالح تماسك الجبهة الداخلية.
الشأن العربي:
- أن تستعيد الأمة العربية (22 دولة/400 مليون نسمة) مكانتها اللائقة كقوة إقليمية، مع تفعيل دور الجامعة العربية وتحقيق التكامل الاقتصادي وتوحيد المواقف السياسية وحل المنازعات الداخلية في إطار من الحق والعدل، واحترام إرادة الشعوب.
- الوفاء بما تم الاتفاق عليه بتشكيل الفيلق العربي للدفاع عن أمنها القومي، مع دعم الهيئة العربية للتصنيع لتوفير احتياجات الدول من العدة والعتاد والصناعات المفيدة
- تخلّص حكام العرب من التبعية للغرب، وتحرير القرار السياسي من أي قيود تعرقل مسيرة التقدم والنهضة وحماية المصالح.
- الدعم الكامل للقضية الفلسطينية باعتبارها القضية المحورية للأمة، والوقوف المشرف إلى جوار الشعب الفلسطيني البطل الذي يمثل طليعة الأمة في التضحية والفداء.
- المحافظة على الهوية الإسلامية للأمة العربية، فلا تسمح بتلك الممارسات الفجة التي تجرى على أرض الرسالة المحمدية من تلك التي تسمى بهيئة الترفيه والتي أساءت إلى قيمنا وتراثنا، وأصبحت محط انتقاد واستهجان عامة أهل الإسلام.
- إغلاق ملف التجاوزات في حقوق الإنسان لدى بعض الدول العربية بالإفراج الفوري عن العلماء والسياسيين والنشطاء والكتاب والصحافيين والإعلاميين، كون ذلك في صالح الأمة، حيث يرفع عن كاهلها انتقادات دولية واسعة النطاق.
الشأن الأفريقي:
- أن تحقق القارة الأفريقية الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية مع تنشيط التبادل التجاري بين الدول، وكذا التعاون في مجالات العلوم والتكنولوجيا.
- أن يقوم الاتحاد الأفريقي بالتصدي لحل المشكلات بين الدول الأعضاء، وتأتي في مقدمتها مشكلة سد النهضة، حيث يمثل ملء الخزان خطورة على حياة المواطنين في مصر والسودان، سواء بنقص الحصة المقررة، أو بانهيار مفاجئ لجسم السد، على أن يقتصر على توليد الكهرباء فقط.
- أن تلعب القارة (55 دولة/ مليار وربع المليار نسمة) دوراً مهما على المستوى الدولي، يليق بما فيها من ثروات وخيرات فوق الأرض وتحت الأرض.
- أن تهتم القارة السمراء بملف حقوق الإنسان وتعمل على رفع الظلم عن المظلومين لأسباب دينية أو عرقية أو قومية أو حزبية؛ من خلال الاتحاد الأفريقي الذي ينبغي أن تكون له من الأدوات الرقابية ما يحقق بها هذه المهام.
الشأن الدولي:
- أن يتفهم المجتمع الدولي خطورة شيوع المظالم، واستمرار الحروب، والصراعات على النفوذ، وازهاق الأرواح بلا جريرة، وأن يتصدى من خلال منظماته ومؤسساته وهيئاته لإنهاء ذلك، وفق ما تتمناه الشعوب.
- أن يدرك العالم أجمع عواقب الخروج عن منهج الله في الحكم والإدارة، والتعامل بالربا، وظلم الأقليات، وتغذية الصراعات الدموية، وحصار الشعوب واحتلال الأراضي بالقوة، وارتكاب المحرمات، فلا بد من التوبة والعودة إلى جادة الصواب.
- أن تتوقف كل الدول الطامعة وأصحاب المشروعات الاستيطانية أو التقسيم أو الاحتلال عن التعدي على حقوق الغير، لكون ذلك لن يجدي نفعاً أمام الشعوب اليقظة الواعية.
- أن تعيد الدول الدائنة النظر في معاناة الشعوب الفقيرة من الديون وفوائدها، وأن تتسامح وتسقط كل أو بعض هذه الديون، أو على الأقل تكتفى بتحصيل أصل الدين دون فوائد، فكم هي استفادت كثيرا من وراء هذه القروض!
- أن تستعيد منظمة التعاون الإسلامي (57 دولة/ مليار وتسعة أعشار المليار مسلم) مكانتها اللائقة كثاني أكبر منظمة عالمية، وذلك بتوحيد مواقفها و التعاون في كافة المجالات بين أعضائها، والتصدي بحزم للهجمة الشرسة التي تستهدف الإسلام ورسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم.
- أن تنجح السياسة المالية التركية الجديدة في إرساء معالم النظام الاقتصادي الإسلامي البعيد عن التعامل الربوي بنظام الفائدة، والذي هو سبب الأضرار الفادحة، لكون ذلك سيشجع الدول الإسلامية على الاقتداء بتجربة ناجحة هي من صميم النظام الإسلامي.
- أن تنجح دولة أفغانستان في ثوبها الجديد في تقديم صورة مشرفة لدولة إسلامية حديثة تكون أنموذجاً يحتذى به، ولقد ظهرت منها علامات النضج والوعي والحمد لله.
- أن يتزامن نزع السلاح النووي الإيراني مع نزع السلاح النووي الإسرائيلي وليس قبله، وذلك لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل.
- أتمنى قيام تحالف إقليمي يتصدى للمشروع الصهيوني المتنامي في المنطقة، ويشكل حائط صد في مواجهة النظم المستبدة التي تقهر شعوبها وتفرط في واجباتها الوطنية.
- أتمنى أن تقوم المنظمات والهيئات والمراكز الإسلامية بالتصدي لمحاولات الغرب لتشويه صورة الإسلام في ما يعرف بـ"الإسلاموفوبيا"، ودحض هذه الافتراءات مع توضيح حقيقة الإسلام الحنيف.
وختاماً، أكون قد انتهيت من
أمنياتي قبل مماتي، سائلا المولى سبحانه وتعالى الذي له الخلق والأمر، وبيده ملكوت السماوات والأرض، أن يرفع شأن أمة الإسلام، ويحيي أمجادها، ويولي عليها خيارها، ومن يصلح به أحوالها.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.