أما "الفقيد" فهو الشاب السكندري
خالد سعيد، وأما "الصفحة الموؤودة" فتلك الصفحة التي كانت تحمل اسم "كلنا خالد سعيد" في العالم الافتراضي، واليوم لم يعد لها وجود! وأما القراءة فكانت في عام 2018، أثناء بحثي لفهم ما جرى في
مصر، قبيل يناير 2011 وما بعده.. والبحث يبدأ من حيث يجب أن نبحث، لا من حيث نريد أن نبحث.. والبداية كانت من صفحة "كلنا خالد سعيد" على فيسبوك.. فهي التي مهدت لانتفاضة
25 يناير، ودعت إليها، وحشدت لها.. وهي التي عيَّنت مناسبتها، وتاريخها، وساعتها، بل وحددت نقاط التجمع، وخطوط سير المنتفضين في ذلك اليوم المشهود..
ولقد صُدِمتُ حين بحثت في الشبكة العنكبوتية عن الصفحة، أثناء إعداد هذه السلسلة للنشر لنسخ عنوانها، فلم أجدها! ما يعني أن الصفحة قد وُئِدت، عن سابق قصد وتصميم، وترتب على هذه الجريمة الشنعاء محو يوميات واحد من أهم الأحداث الكبرى التي عاشتها مصر خلال المائتي سنة الأخيرة!
إن مجرد وجود صفحة "كلنا خالد سعيد" على الإنترنت، كان يشكل (بحق) خطورة حقيقية على نظام الانقلاب في مصر، حتى وإن لم تعاود النشر!.. وعلى ما يبدو أن سلطة الانقلاب قد تنبهت (أو تلقت تنبيها) إلى ذلك.. فهذه الصفحة ما أنشئت (كما قال منشئوها) إلا للمطالبة بـ"حق" الشاب خالد سعيد، ضحية التعذيب على يد عناصر من شرطة الإسكندرية.. فما بالنا اليوم وقد بات الاعتقال والتعذيب والقتل (في مصر) روتينا يوميا تمارسه سلطة الأمر الواقع بحق المواطنين، من كل الفئات والأعمار، ومن مختلف التيارات السياسية والفكرية!
صُدِمتُ حين بحثت في الشبكة العنكبوتية عن الصفحة، أثناء إعداد هذه السلسلة للنشر لنسخ عنوانها، فلم أجدها! ما يعني أن الصفحة قد وُئِدت، عن سابق قصد وتصميم، وترتب على هذه الجريمة الشنعاء محو يوميات واحد من أهم الأحداث الكبرى التي عاشتها مصر
هنا، تجدر الإشارة إلى أن الناشط وائل غنيم كان آخر من كتب على صفحة "كلنا خالد سعيد"، عند ظهوره المفاجئ في عام 2019، بعد غياب دام نحو خمس سنوات، في محاولة مستميتة منه (تطوعا أو تكليفا) لفض الشباب عن المقاول الفنان محمد علي، على إثر دعوته المصريين للنزول إلى الشوارع في 20 أيلول/ سبتمبر 2019، وقد لاقت هذه الدعوة استجابة لدى قطاع لا يستهان به من المصريين، الأمر الذي ولّد انطباعا لدى هذا القطاع بأن
السيسي قد يرحل (وقتذاك) في أية لحظة، بينما رأى آخرون أن تلك الدعوة كانت في إطار صراع الأجنحة داخل المؤسسة العسكرية على نصيب الأسد من السلطة، وما محمد علي إلا واجهة "شعبوية" لواحد من هذه الأجنحة!
كابوس يناير
لا يستطع الجنرال المنقلب إخفاء قلقه وخوفه الدائمين من تكرار أحداث يناير 2011 التي صنعها الشعب المصري بدعوة من صفحة "كلنا خالد سعيد".. لذا، فهو دائم التحذير من تكرارها.. فرغم قبضته الأمنية المميتة، وإسرافه في التنكيل بكل مَن يعارضه، بغض النظر عن خلفيته الفكرية وانتمائه السياسي، ورغم إغلاقه المجال السياسي العام، وحظره كل المواقع التي تتعرض لسياسته الفاشية، إلا أن "كابوس يناير" يطارده طوال الوقت، ويخشى وقوعه في أية لحظة.. فكل أسباب انتفاضة يناير ودوافعها ليست قائمة فحسب، بل تزداد (كل يوم) تفاقما وبشاعة!
ففي 31 كانون الثانيم يناير 2018
قال الجنرال المنقلب بلغته الركيكة المعهودة، في انفعال ظاهر ما نصه: "احذروووا.. هه.. الكلام اللي حصل من سبع تمان سنين، مش هيتكرر تاني في مصر.. هه.. هو اللي منجحش ساعتها هتنجَّحوه د الوقت؟!.. لا لا لا.. دا إنتو باين عليكو متعرفونيش صحيح!.. متعرفونيش صحيح!.. لا والله.. والله أمنِك واستقرارك يا مصر تمنه حياتي أنا.. وحياة الجيش.. محدش يفكر يا جماعة يدخل معانا في الموضوع ده؛ لإن أنا مش سياسي!.. أنا مش سياسي بتاع الكلام!.. لا.. عمري م اتكلمت بالطريقة ديّت.. لكن واضح إن الناس مش واخدة بالها.. إحنا م بنمشِّيش البلد ونبنيها بالكلام.. البلد دي عشان ترجع كده تاني.. ربنا وحده اللي يعلم هي رجعت كده إزاي.. وأي حد يفكر ويقرب منها.. لاااا.. لاااا.. أنا حقول للمصريين انزلوا تاني.. انزلوا تاني إدوني تفويض قدّام الأشرار.. أي أشرار.. هقول للمصريين تاني.. تاني".
رغم إغلاقه المجال السياسي العام، وحظره كل المواقع التي تتعرض لسياسته الفاشية، إلا أن "كابوس يناير" يطارده طوال الوقت، ويخشى وقوعه في أية لحظة.. فكل أسباب انتفاضة يناير ودوافعها ليست قائمة فحسب، بل تزداد (كل يوم) تفاقما وبشاعة
أما "اللي منجحش ساعتها" على وجه الحقيقة، فهي أول تجربة ديمقراطية عاشتها مصر لشهور معدودات في تاريخها كله! ولم تنجح هذه التجربة بسبب الانقلاب عليها؛ لأنها جاءت بمرشح الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وليس لأي سبب آخر.
وعلى ذِكر التجربة "اللي منجحتش"، فلعله من المفيد نقل
ما قاله الجنرال المنقلب في 12 كانون الثاني/ يناير الجاري خلال "
منتدى شباب العالم" إذ قال: ".. أنا هخرج خارج السياق خالص.. صحيح.. في يوم.. والكلام ده مسجل في محاضر رسمية.. بدردش معاكو.. فالسفيرة الأمريكية بتقولي في 2011: مين اللي ممكن يحكم مصر؟.. فقلت لها: اللي هيحكم مصر الإخوان المسلمين.. اللي هيحكم مصر إيه؟!.. الإخوان المسلمين.. قالت لي: طب وبعدين؟.. قلت لها: وهيمشوا.. فقالت لي: ليه؟.. قلت لها: الشعب المصري ده لا يُقاد بالقوة.. ميخشش الجامع والكنيسة بالعافية.. ميخشش الجامع والكنيسة إيه؟.. بالعافية.. هو كده.. آآه.. دا اللي حصل"!
مدير مخابرات عسكرية يرفع "تقرير حالة" عن بلده لسفير دولة أجنبية، ويقدم نفسه بديلا للنظام الذي لم يأت بعد! بدعوى أن "الشعب المصري لا يُقاد بالقوة.. ميخشش الجامع والكنيسة بالعافية"!.. فهل قاد محمد مرسي الشعب المصري بالقوة، خلال السنة اليتيمة التي قضاها في الحكم مجردا من أي قوة (جيش وشرطة)؟! وهل أكره مرسي أحدا على دخول الجامع بالعافية؟! وهل فرض مرسي أي مظهر "إسلامي" على الشعب المصري بأي صورة من الصور؟!.. قطعا لا يمكن أن يكون هذا اللقاء قد جرى دون علم المشير طنطاوي، حاكم مصر العسكري وقتئذ، إن لم يكن بتكليف منه..
أليس هذا تخابرا مع دولة أجنبية؟!.. أليس هذا إعداداً للانقلاب على نظام الحكم القادم الذي كان واضحا أنه سيأتي
بإرادة شعبية؟! أليس هذا طلبا صريحا لدعم الانقلاب على الحاكم القادم المنتخب الذي كان واضحا أنه سيكون مرشح الإخوان المسلمين؟!
أليس هذا تخابرا مع دولة أجنبية؟!.. أليس هذا إعداداً للانقلاب على نظام الحكم القادم الذي كان واضحا أنه سيأتي بإرادة شعبية؟! أليس هذا طلبا صريحا لدعم الانقلاب على الحاكم القادم المنتخب
"كلنا خالد سعيد"
عود على بدء.. إن القارئ بعناية لمحتوى "الفقيدة" صفحة "كلنا خالد سعيد" سيجد نفسه أمام ثلاث تساؤلات مركبّة تحتاج إلى إجابة موضوعية هي:
- هل أدار هذه الصفحة وحرر منشوراتها "نشطاء" متعاطفون مع خالد سعيد لأي سبب من الأسباب؟ أم أن الصفحة كان لها أهداف أخرى تتجاوز المطالبة بـ"حق" خالد سعيد؟
- لماذا اختار هؤلاء النشطاء خالد سعيد تحديدا للمطالبة بـ"حقه"، وليس الجندي سليمان خاطر (مثلا) الذي يعتبره المصريون بطلا قوميا، والذي حُكم بالأشغال المؤبدة؛ لقيامة بإصابة وقتل سبعة صهاينة تسللوا إلى نقطة حراسته الحدودية مع فلسطين المحتلة، في عام 1985، ومات في محبسه "مشنوقا" في ظروف غامضة، وليس في مقهى إنترنت، كما في حالة خالد سعيد، أو غيره من الإسلاميين الذين قضوا على يد أجهزة أمن مبارك، وهم كُثر؟.. لماذا؟
- هل كانت هذه الصفحة عملا شبابيا عفويا، أم كانت عملا منظما، سار وفق رؤية ومنهج؟ وإذا كانت الأخيرة، فما رؤية الصفحة؟ وما منهجها؟
في الحلقتين القادمتين (إن شاء الله) سأحاول الإجابة عن هذه التساؤلات..
(يتبع)..
twitter.com/AAAzizMisr