مقابلات

مسؤول موريتاني سابق: الربيع العربي لم ينتصر لكنه لم يُهزم

غلام: تقزّم دورنا إبان فترة الأنظمة العسكرية حتى أصبحنا محل طمع من البعض كي نكون مجرد تابع لا مبادر

قال النائب السابق لرئيس البرلمان الموريتاني، محمد غلام الحاج الشيخ، إن "ثورات الربيع العربي لم تنتصر حتى الآن، لكنها لم ولن تُهزم، وإن جذوتها ستظل متقدة حتى تتحقق تطلعات شعوبنا في التغيير المنشود".

وأكد، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "الأزمات التي أدت إلى اندلاع ثورات الربيع العربي لا تزال قائمة، بل تراكمت أكثر، وبالتالي فكل العوامل التي قد تؤدي إلى الانفجار المستقبلي في تكاثف وازدياد"، لافتا إلى أن "الثورات لا تزال متجددة"، ومُذكّرا بما وصفها بتقلبات الثورة الفرنسية وغيرها.

ونفى غلام الإقرار بوجود "العبودية" كظاهرة في بلاده من الناحية الواقعية، لأنها "لم تعد موجودة عمليا خاصة في أعقاب صدور قانون تجريم العبودية عام 2015".

واستدرك بالقول: "لكن الإرث الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لظاهرة العبودية ما زال موجودا، وهناك مخلفات للاسترقاق بينما لا يوجد رق بالمعنى المتعارف عليه، بل إن هنالك الأثر النفسي الذي يتأثر به المستعبَد والمستعبِد، وليس من السهل أن يتغير خلال فترة محدودة أو تمحى آثاره سريعا".

وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة:

نعيش أجواء الذكرى الحادية عشرة لاندلاع ثورات الربيع العربي.. ما رأيكم في مَن يقول إن الربيع العربي كان كارثة على الشعوب؟

مَن يقول بهذا المنطق هو جاهل بالتاريخ، وجاهل بواقع شعوبنا. أعتقد أن الشعوب العربية مل من صبرها الصبر، وأنها ثارت على أوضاع وأسباب لا تزال قائمة، بل تراكمت أكثر، وأن الأزمات التي أدت أصلا إلى الثورات لا تزال قائمة، وكل العوامل التي قد تؤدي إلى الانفجار المستقبلي في تكاثف وازدياد. ونقول إن ثورات الربيع العربي لم تنتصر حتى الآن، لكنها في نفس الوقت لم ولن تُهزم، وستظل جذوتها متقدة حتى تتحقق تطلعات شعوبنا في التغيير المنشود.

والثورة الفرنسية ظلت قرابة التسعين عاما؛ فقد قُتل الملك، ثم بعد ذلك أُعيد بعض الملوك الآخرين، ثم جاء نابليون ودخل في غزواته، والثورة نفسها شنقت رئيس وزرائها الأول، وشنقت أصدقاءها من بني عمومة الملك ثم يتغنى الجميع اليوم بالثورة الفرنسية لأنها نجحت، رغم أن نجاحها تم بعد حوالي 90 سنة حتى أقامت الجمهورية الفرنسية التي تتعدد في أشكالها حتى الساعة، وبالتالي فإنه حتما سينتصر الربيع العربي ولو بعد حين.

كيف تنظرون لموجة التطبيع الجديدة التي اجتاحت العالم العربي مؤخرا؟

سر الانهيار يكمن في الهشاشة وفقدان السند الشعبي؛ فليس لدينا دول حقيقية أو حكومات ومؤسسات حقيقية، الجميع يعلم أن جامعة الدول العربية لديها قوانين، ولجان للمقاطعة، ولديها ما أدبت به أنور السادات على سبيل المثال؛ ففي الثمانينيات عندما اجتمع العرب وطردوا مصر من الجامعة العربية، ونقلوا مقرها إلى تونس، فهل كان حكام العرب آنذاك مجانين؟ وبعد ذلك عندما قرروا لا صلح، إلا على أساس كذا وكذا إلى آخره، أين قانون الجامعة العربية الذي يرفض التطبيع؟ فجأة نتحلل من القوانين والمواثيق ومن كل المعاهدات، ويصبح التطرف الصهيوني اعتدالا محبوبا ومنهجا متبعا، نتنياهو يُقبل في الجبين، والتطرف الذي يقوده أمثال ترامب تتكوم حوله دائرة (الاعتدال العربي)، هذا يريك هشاشة الحكام الذين يحكمون هذه الشعوب المغلوبة على أمرها.

على إثر ذلك، هل انتهت القضية الفلسطينية وتمت تصفيتها؟

لا، أبدا؛ فالقضية الفلسطينية تحكمها أبعاد أخرى تجعلها عصية على أن تُصفى، خاصة في ظل وجود الشعب الفلسطيني العظيم، والذي أدار انتفاضة 1987 وانتفاضة 2000 التي جعلت بعض الدول التي كانت مُطبّعة تُغلق السفارات الصهيونية وتعود عنها، وهو ما نرجوه - بإذن الله تعالى - في المستقبل، ولو اجتمع غدا الشعب الفلسطيني الجبار وقرر الانتفاضة فسوف تُقلب كل الموازين. العامل الآخر الذي يحفظ القضية الفلسطينية هو عامل الأمة، في أفرادها وأشخاصها، وفي مناطق قوتها الدائمة، وهي الشعوب التي تمد فلسطين بالدعم المعنوي والمادي، وأعتقد أن هذه الأمة ما زالت حيّة وموجودة من جاكرتا في الشرق إلى نواكشوط في الغرب، وحتى داخل المجموعات المسلمة المؤثرة داخل الدول الغربية وكذلك البقية الباقية من أحرار العالم.

دائما ما تُطرح مشكلة العبودية في موريتانيا.. هل ما زالت العبودية موجودة بالفعل؟

لا توجد عبودية الآن في موريتانيا من الناحية الواقعية، بأن يكون هنالك عبد يُباع ويُشترى، وإنما هناك مخلفات لآثار جريمة الاستعباد التي كانت موجودة في المجتمع، وكانت قبل ذلك في عدة دول أخرى، وتلك الممارسة لم تعد موجودة عمليا خاصة منذ إقرار قانون تجريم العبودية عام 2015، وكان لي شرف المشاركة في مناقشة إعداد هذا القانون في البرلمان الموريتاني، كما أنه تم تشكيل محاكم ينحصر جهدها فقط في مكافحة الاستعباد، لكن الإرث الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لهذه الظاهرة ما زال موجودا، هناك مؤسسة لديها ميزانية ضخمة، وتم تطويرها في عهد الرئيس الجديد، ولديها موازنة ضخمة بالمعايير المحلية، وهي مؤسسة "تآزر"، وقد تم تأسيسها لسد هذه الثغرة، والارتقاء بهذه الفئات التي تعاني من مخلفات الاسترقاق، والتعبير الأدق دائما هو وجود "المخلفات" وليس ظاهرة الرق.

ولماذا لا تزال هذه القضية تثير خلافات عميقة لديكم حتى الآن؟

أعتقد أن مخلفات هذه القضية تثير أيضا خلافات عميقة داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ فليس من السهل أن يتغير ما اعتاد عليه الناس عقودا أو قرونا خلال سنوات محدودة وتمحى آثاره سريعا؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية بدأ قبل عام 1960 بمائة سنة الصراع حول إرادة الناس ومجال المساواة، وبدأ تأسيس منظمات الحقوق المدنية سنة 1961، كما أننا نجد أن مقاومة المجتمع الغربي للقضاء على الرق مع التقدم التكنولوجي والثقافي والحقوقي كانت أقوى من المقاومة عندنا.

والمجتمع الموريتاني الآن قابل ومستعد لتجاوز الظواهر البائسة، لكن هناك إرث على الأرض، وهذا الإرث سيظل يحتاج مجهودا أوفر وأكبر، وأعتقد أن المشكلة الآن هي مشكلة ثقافية، أما من ناحية القوانين أو الإرادة عند الدولة أو المجتمع فقد تجاوزت الشكل المباشر للاسترقاق، الدولة الموريتانية – أعني المؤسسات - تجاوزت الأقنية المتخلفة والعتيقة، وقد نجح التعليم في إتاحة الفرص والرقي بمن استفادوا منه، كما نجحت الحركات السياسية في الارتقاء بهمة من استفاد من الوعي بذاته وإمكانياته كبشر سوي وسنتجاوز - إن شاء الله تعالى- هذه الآثار لكنها تحتاج إلى مزيد جهد ووعي.

ما حقيقة الخلاف بين الرئيسين السابق والحالي؟

الرئيس السابق حاول أن يخرج عن سلوك مَن سبقه من الحكام المغادرين للسلطة، والرئاسة كما تعلم لا تقبل رأسين؛ فالرئيس السابق حاول أن يدير البلد من خلال الحزب الحاكم، ومن خلال التحكم في الأغلبية البرلمانية والبلدية، وأحدث في النظام الأساسي للحزب "زائدة دودية سياسية" سمّاها اللجنة السياسية، بموجبها يتمكن من إدارة الدولة والمؤسسات وهو خارج السلطة، وأعتقد أن أي شخص لا يقبل التدخل في إدارة الحكم عندما يؤول إليه الشأن وينتخبه المواطنون، ولذلك فقد بدأت الأزمة سريعا.. أيضا كانت هناك ملفات في العشرية السابقة من الفساد، والصراع مع كل أحد، تجعل من السهل على أي جهة لا تنسجم مع ولد عبد العزيز أن تفتح هذه الملفات، وقد فُتحت بالفعل فأدهشت المحققين.

أين موقع موريتانيا في محيطها القاري وبُعدها الدولي؟

عندما كان لموريتانيا رئيس مدني يمتلك المشروعية السياسية والشعبية مثل المختار ولد داداه، وكانت بلادنا أقل عددا وعدة كان لنا دور مشرف.. قطعنا العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية العدوان الصهيوني عام 1967، فكانت لدينا - في الستينيات والسبعينيات- استقلالية وكنّا نؤثر في المنطقة الأفريقية، ونتوسط بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي جوزيف تيتو، وكنّا نتدخل بين السعودية ومصر، وكذلك توسطنا بين الصين والقارة الأفريقية.

بينما في العقود الأخيرة مع الأسف فقد تقزّم دورنا إبان فترة الأنظمة العسكرية، حتى أصبحنا محل طمع من البعض كي نكون مجرد تابع لا مبادر.

واليوم يتحرك رئيس الجمهورية الجديد محمد الغزواني بقدر كبير من الثقة في النفس والحكمة في التصرف، وأعتقد أن دور موريتانيا يعود اليوم من خلال إحداث التوازن في علاقاتها الخارجية بعيدا عن منطق التبعية، لذلك فإنك تجد دبلوماسيتنا حاضرة اليوم لتمتص الأزمات وتفتح الآفاق بعيدا عن منطق التأزيم وسياسة الاندفاع في محور على حساب الآخر.

بعد مرور نحو عام على حكمه، هل أنت من المتفائلين بالرئيس الأمريكي جو بايدن؟

لدي تفاؤل حذر، والمسلمون ليسوا في حالة حياد من أي معركة بين طرفين، وأنا كنت أستغرب جدا من الذين يتمنون من أجل التشفي في الحكام العرب.. نريد أن ينجح ترامب مرة ثانية، لأنني أرى أن ترامب كان إنسانا موتورا، ومتطرفا مجنونا، ومهووسا بالمال والعربدة، ولذلك فإنه كان خطرا في سنوات حكمه على العالم العربي عامة والقضية الفلسطينية خاصة؛ فقد باع القدس بيع مَن لا يملك لمَن لا يستحق، وفعل الكوارث، بينما منطق الديمقراطيين، الذي يميل لليبرالية أكثر، قد يحافظ ولو على يسير من منطق التعامل مع الكيانات البشرية المخالفة لأمريكا في القيم والمصالح.

وعندما نتتبع الرؤساء الأمريكان - على الأقل الذين عاصرتهم وحتى الآن – نجد ريغان ضرب ليبيا، وبوش أدار حرب الخليج في 1991، ثم بوش الابن أدار كل هذه الحروب على العراق وأفغانستان، أما الديمقراطيون فلديهم هدوء أكثر، وقابلية للتعامل مع الآخر، والذي أتوقعه أن تكون خطط بايدن أكثر منطقية ومعقولية وأفضل في مراعات حقوق الإنسان ولو قليلا.