توجّه أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأسبوع المنصرم إلى الولايات المتّحدة الأمريكية، وذلك تلبية لدعوة من الرئيس الأمريكي جون بادين. حظيت الزيارة بأهميّة كبرى لناحية التوقيت والمضمون، حيث أجرى الجانبان خلالها مباحثات رئيسية حول العلاقات الثنائية وبعض الملفات الإقليمية والدولية الساخنة.
على مستوى التوقيت، تأتي الزيارة في ظل تصاعد الأزمة الروسية ـ الأوكرانية التي بدأت تأخذ طابعاً يتجاوز إطارها الإقليمي الى الفضاء الدولي، بالإضافة إلى تعثّر المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية حول الاتفاق النووي، وازدياد الوضع الداخلي في أفغانستان تعقيداً. أمّا على مستوى المضمون، فتعتبر الزيارة بمثابة انتصار دبلوماسي جديد للدوحة، حيث تحوّل الأمير تميم إلى أوّل زعيم خليجي يزور البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن.
استغل بايدن المناسبة ليعلن عن نيّته إبلاغ الكونغرس بتصنيف قطر كحليف رئيسي للولايات المتّحدة الأمريكية خارج حلف شمال الأطلسي. ويعكس هذا التصنيف إيمان واشنطن بأنّ قطر شريك إستراتيجي موثوق. ويمنح هذا التصنيف الدوحة نفوذاً أكبر داخل واشنطن، ويتيح لها بعض الامتيازات، لكنّه يرتّب عليها في نفس الوقت المزيد من المسؤوليات.
وبرز ملف أمن الطاقة والغاز في أوروبا كأحد الملفات الرئيسية على طاولة النقاش بين زعيمي البلدين. وتخشى واشنطن وحلفاؤها أن تقوم موسكو باستخدام الطاقة ـ ولاسيما الغاز ـ كسلاح في الصراع الجاري مع الغرب حول أوكرانيا. وتزود موسكو أوروبا بحوالي 40% من حاجاتها من إمدادات الغاز عبر الأنابيب، وهو ما يجعل العديد من الدول الأوروبية بمثابة رهائن لسياسات موسكو الابتزازية.
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه حالياً، ما علاقة الغاز القطري بالأزمة الروسية ـ الأوكرانية وما هو الدور الذي من الممكن لقطر أن تلعبه في هذا المجال؟
تأتي المباحثات مع قطر في سياق البحث عن بدائل وتعزيز أمن الطاقة الأوروبي في حال قررت موسكو اللجوء الى هذا السيناريو المتطرف خاصّة انّه سبق لها أن إستخدمت في الماضي سلاح الغاز ضد أوكرانيا وعدد من دول أوروبا الشرقية في الماضي للضغط على هذه الدول.
وتعتبر قطر واحدة من الدول القليلة الرائدة في إنتاج وتصدير الغاز المسال في العالم. وتمتلك الدوحة ثالث أكبر إحتياطي مؤكّد من الغاز في العالم والأوّل عربياً. وظلّت قطر منذ العام 2006 وحتى نهاية العام 2021 أكبر مصدّر للغاز المسال في العالم بعد أن تخطّتها الولايات المتّحدة بداية هذا العام مع احتدام التنافس بين ثلاث دول على الصدارة وهي قطر وأمريكا وأستراليا.
إنّ التشاور مع الدوحة بشأن أمن الطاقة الأوروبي هو بحد ذاته رسالة هدفها دفع روسيا إلى التفكير مرّتين قبل القيام بأي إجراء من شأنه أن يعرّض أمن الجميع للخطر. وإذا ما تخلّت روسيا عن خططها، فستكون الخطوة قد وجدت صداها، وستكون الدوحة في جميع الأحوال قد لعبت الدور المحوري الذي لطالما طمحت إلى لعبه على المستوى الإقليمي والدولي.
وبحسب بعض التقارير، فإنّ قطر قد تستعيد المرتبة الأولى بموازاة مشاريع التطوير التي تجريها. وتريد الولايات المتّحدة حشد أوراق القوّة اللازمة في مجال الغاز لردع موسكو عن التفكير في قطع إمدادات الغاز عن أوروبا على اعتبار أنّ مثل هذا السيناريو سيؤذي موسكو أكثر من الدول الأوروبية التي ستكون قد أمّنت البدائل اللازمة.
وتشير بعض التقارير إلى أنّ الغاز القطري سيكون بديلاً عن الغاز الروسي، لكنّ هذا الانطباع خاطئ وغير واقعي لعدّة أسباب لعل أبرزها أنّ الدوحة لا تستطيع تعويض الغاز الروسي إلى أوروبا في حال قرّرت موسكو قطع كل إمداداتها من الغاز إلى أوروبا. ومعظم واردات الدوحة تذهب إلى شرق وجنوب آسيا على شكل عقود طويلة الأجل. وكانت قطر قد وقّعت العام الماضي أكبر عقد طويل الأجل لتصدير الغاز على الإطلاق وكان من نصيب الصين.
هذه الوقائع تعني أنّ هناك نسبة قليلة من الغاز القطري تباع في السوق مباشرة، وليس باستطاعة هذه النسبة حالياً أن تغطي احتياجات أوروبا في حال قطع كل إمدادات الغاز الروسي عنها، لكن باستطاعتها أن تخفف من احتمال لجوء روسيا إلى هذا السيناريو إذا استطاعت واشنطن حشد كبرى الدول المصدّرة للغاز وعلى رأسها قطر للعمل كمجموعة، وتوجيه الغاز المتاح إلى أوروبا في حال قررت موسكو القطع الكامل لإمداداتها.
لكن إذا كان الأمر كذلك، فما هي أهمّية قطر في هذه الحالة؟ وكيف بالإمكان أن تساهم في احتواء أي أزمة محتملة لإمدادات الطاقة في أوروبا؟ بخلاف السيناريو أعلاه الذي ينطوي على قطع روسيا كامل إمداداتها من الغاز إلى أوروبا، فإنّ الدور القطري سيكون محورياً في الأزمة الروسية ـ الأوكرانية إذا قررت موسكو الذهاب في سيناريو آخر يتضمن الاستهداف المؤقت أو القطع الإنتقائي لإمدادات الغاز إلى بعض الدول الأوروبية.
نظراً للآلام الاقتصادية والخسائر المالية والسياسية التي قد تترتب على قيام روسيا بتقديم كامل إمداداتها من الغاز إلى أوروبا، فقد تفضّل القيام بتعطيل مؤقت لإمداداتها من الغاز إلى بعض الدول الأوروبية المؤثرة الوازنة غرب أوروبا أو الضعيفة والخائفة الواقعة شرق أوروبا. في هذه الحال، ونظراً لقدرات قطر الاستثنائية وموقعها الجغرافي فإنّ باستطاعتها من خلال حصّتها المخصصة للسوق و/أو من خلال تحويل بعض الإمدادات المخصصة للعقود الطويلة الأجل إلى تلبية إحتياجات الدولة أو بعض الدول المستهدفة بالقطع من قبل موسكو أن تحيّد تأثير روسيا في هذه الحالة على المدى القصير سيما إذا انضمت دول أخرى إليها.
في جميع الأحوال، فإنّ التشاور مع الدوحة بشأن أمن الطاقة الأوروبي هو بحد ذاته رسالة هدفها دفع روسيا إلى التفكير مرّتين قبل القيام بأي إجراء من شأنه أن يعرّض أمن الجميع للخطر. وإذا ما تخلّت روسيا عن خططها، فستكون الخطوة قد وجدت صداها، وستكون الدوحة في جميع الأحوال قد لعبت الدور المحوري الذي لطالما طمحت إلى لعبه على المستوى الإقليمي والدولي.
عن روسيا وأوكرانيا والصين وأمريكا وعلاقتنا بالصراع
موقف تركيا من الأزمة الأوكرانية ـ الروسية