أعلنت
إيران أنها أوقفت
تدفق الغاز الطبيعي إلى
تركيا لمدة عشرة أيام، بدءا من 20 كانون الثاني/ يناير، بحجة وجود عطل فني، وتسبب ذلك في أزمة في إنتاج الكهرباء وتزويد المصانع بالطاقة في تركيا، كما أثار علامات استفهام حول صحة التبرير الإيراني وحقيقة خطوة طهران ومدى علاقتها بالتوجه التركي الأخير نحو المصالحة مع دول الخليج.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أجرى السبت اتصالا هاتفيا مع نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، لبحث هذا الملف، بالإضافة إلى
العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، إلا أن الأزمة ما زالت مستمرة، على الرغم من إعلان الجانب الإيراني عن استئناف تدفق
الغاز نحو تركيا. وتشير أنقرة إلى أن إيران لم تلتزم بتعهداتها، وأن كمية الغاز التي ترسلها بعد استئناف التدفق بعيدة عن تلبية شروط اتفاقها مع تركيا، مشددة على أنها ستضطر للجوء إلى التحكيم الدولي في حال واصلت طهران عدم تلبيتها لشروط الاتفاق.
وزير
الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، صرح أن "إيران فشلت في تلبية الشروط المنصوص عليها في عقد توريد الغاز الطبيعي". وتقول تقارير إعلامية إن الوفد التركي الذي قام بزيارة طهران اكتشف أن إيران قطعت الغاز عن تركيا لتلبية الطلبات الداخلية، ما يعني أن "العطل الفني" لم يكن غير كذبة اختلقتها طهران لتبرير خطوتها. وبالتالي، تحتاج أزمة الغاز بين طهران وأنقرة إلى قراءة أخرى للوقوف على أسبابها الحقيقية.
إيران قطعت الغاز عن تركيا لتلبية الطلبات الداخلية، ما يعني أن "العطل الفني" لم يكن غير كذبة اختلقتها طهران لتبرير خطوتها. وبالتالي، تحتاج أزمة الغاز بين طهران وأنقرة إلى قراءة أخرى للوقوف على أسبابها الحقيقية
تركيا أعلنت قبل فترة
برنامجا اقتصاديا جديدا للحيلولة دون تدهور قيمة الليرة التركية، ويعتمد نجاح هذا البرنامج على الإنتاج والتصدير. وفي ظل عملية الإنتاج الجارية على قدم وساق، تحقق الصادرات التركية أرقاما قياسية. ومن المؤكد أن قطع الكهرباء عن المصانع التي كانت تعمل بكامل طاقاتها، في حال استمراره لفترة طويلة، سيؤدي إلى عرقلة عملية الإنتاج وسيشكل ضربة لخطط البرنامج الاقتصادي الجديد، كما سيحرج الحكومة أمام الشعب التركي ليظهرها كحكومة عاجزة عن توفير الطاقة في عز الشتاء.
هناك أمر آخر يرى محللون أنه مرتبط بخطوة طهران الأخيرة، وهو أن أنقرة تسعى في الآونة الأخيرة إلى ترميم علاقاتها مع عدد من دول المنطقة، مثل
الإمارات والسعودية وحتى أرمينيا، وبدأت الجهود المبذولة للمصالحة تؤتي أكلها. وزار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان العاصمة التركية في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، وأعلن الرئيس التركي أنه سيقوم بزيارة كل من الإمارات
والسعودية في فبراير / شباط القادم. كما انطلقت مباحثات تطبيع العلاقات بين أنقرة ويريفان قبل حوالي أسبوعين باجتماع ممثلي البلدين في موسكو.
ويلاحظ المتابعون لشؤون المنطقة وتوازناتها أن كل تلك المصالحات تقلق طهران وتهدد مصالحها. وبالتالي، قد تكون خطوة طهران رسالة إلى أنقرة تعبر عن استيائها من جهود المصالحات الأخيرة عموما، والتقارب التركي الخليجي على وجه الخصوص.
مهما كانت أسباب أزمة الغاز التي أدَّت إلى توتر بين أنقرة وطهران، فإنها تشير بوضوح إلى مدى أهمية الاستقلالية ووجود البدائل في الحصول على الطاقة، وتؤكد أن تركيا بحاجة ماسة إلى تنويع مصادرها، حتى لا تبقى "رهينة" بيد أي دولة تستخدم سلاح الطاقة لابتزازها.
مهما كانت أسباب أزمة الغاز التي أدَّت إلى توتر بين أنقرة وطهران، فإنها تشير بوضوح إلى مدى أهمية الاستقلالية ووجود البدائل في الحصول على الطاقة، وتؤكد أن تركيا بحاجة ماسة إلى تنويع مصادرها، حتى لا تبقى "رهينة" بيد أي دولة تستخدم سلاح الطاقة لابتزازها
تركيا كثفت في السنوات الأخيرة أعمال التنقيب والبحث عن النفط والغاز سواء في برها أو بحرها، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، وأعلنت عن اكتشاف 540 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في البحر الأسود، كما وسَّعت استثماراتها في مشاريع الطاقة المتجددة والطاقة النووية. ومن المتوقع أن تكتمل الوحدة الأولى من محطة "آق قويو" النووية في ربيع 2023، وأن يدخل الغاز الطبيعي المكتشف في البحر الأسود، الخدمة خلال العام القادم. إلا أنها ما زالت بحاجة إلى استيراد النفط والغاز في الوقت الراهن، حتى تصل إلى ذاك الاكتفاء الذاتي المنشود.
الخبير في شؤون الطاقة والمستشار في وزارة الخارجية التركية، جانير جان، يشير إلى تراجع اعتماد تركيا على روسيا وإيران في استيراد الغاز الطبيعي، بشكل ملحوظ خلال 15 سنة، لينخفض إلى 44.65 في المائة من إجمالي واردات تركيا من الغاز الطبيعي في 2020، بعد أن كان 81.9 في المائة في 2005، كما أن نسبة وارداتها من الغاز الإيراني كانت 11 في المائة فقط في 2020، ما يعني أن أنقرة تدرك مدى خطورة هذا الاعتماد على مصالحها القومية وخططها المستقبلية واستقلالية سياستها الخارجية.
twitter.com/ismail_yasa