قام رئيس الوزراء التركي الأسبق ورئيس حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو، في الأيام الأخيرة، بزيارات لأحزاب المعارضة التي تشكل تحالف الملة الانتخابي، بهدف إقناع قادة تلك الأحزاب بضرورة إعادة تشكيل التحالف المعارض بصيغة جديدة، ليجمع تحت سقفه كافة الأحزاب التي ترغب في إعادة البلاد من جديد إلى النظام البرلماني، بعد إسقاط رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان وحزب العدالة والتنمية في
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر عقدها في صيف 2023.
داود أوغلو يرفض الانضمام إلى تحالف الملة الانتخابي الذي تشكله أربعة أحزاب، وهي حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب السعادة، بالإضافة إلى حزب الشعوب الديمقراطي. إلا أن هذا الرفض ليس رفضا نهائيا، كما هو المفهوم من تصريحاته وما ينقل عنه كتاب مقربون منه، بل يطالب بتشكيل تحالف انتخابي جديد مبني على أسس جديدة ليجمع ستة أحزاب، وهي حزب المستقبل برئاسته، وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، والأحزاب الأربعة التي تشكل تحالف الملة الانتخابي.
لماذا يلح داود أوغلو على إعادة تشكيل التحالف الانتخابي المعارض؟ لأن النظام الرئاسي المعمول به حاليا في
تركيا يفرض على الأحزاب أن تخوض الانتخابات في
تحالفات انتخابية، كما أن حزب المستقبل بحاجة ماسة للانضمام إلى تحالف انتخابي كيلا يظهر بحجمه الطبيعي في الساحة السياسية التركية، في ظل حصوله على حوالي واحد في المائة فقط من أصوات الناخبين وفقا لاستطلاعات الرأي.
حزب المستقبل برئاسة داود أوغلو لا يمكن أن ينضم إلى تحالف الجمهور الذي يشكله حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، بالإضافة إلى حزب الاتحاد الكبير. وبالتالي، يبقى أمامه خياران: الأول أن ينضم إلى تحالف الملة بشكله الحالي، والثاني أن يشكل مع أحزاب صغيرة أخرى تحالفا انتخابيا جديدا. ولكن كلا الخيارين محفوف بمخاطر مختلفة، فإن اختار الأول فسيتهم بالتحول إلى لعبة بيد حزب الشعب الجمهوري، كما أن الخيار الثاني، أي تشكيل تحالف انتخابي ثالث يضم الأحزاب الصغيرة للغاية، لن يضمن أي نجاح لداود أوغلو ولا لتلك الأحزاب وقادتها.
داود أوغلو يطالب بتشكيل تحالف انتخابي جديد يكون حزب المستقبل عضوا مؤسسا فيه، حتى يتمكن من القول للناخبين بأن حزبه شريك أساسي وفعال، ولا يلعب دور كومبارس. ويقترح على قادة المعارضة أن يكون كل حزب من كافة الأحزاب المشاركة في التحالف الجديد يملك ذات الثقل داخل التحالف بغض النظر عن شعبيته. ومن المؤكد أن هذا الشرط الأخير لا يمكن أن تقبله الأحزاب الثلاثة التي تتجاوز شعبية كل منها 10 في المائة، وهي حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي.
رئيس حزب المستقبل يرى أنه يملك جميع المؤهلات المطلوبة ليكون "مهندس التحالف الانتخابي الجديد"، وأنه يمكن أن يقنع قادة المعارضة بتبني خطته للنجاح في الانتخابات، كما أن بعض الكتاب المقربين منه بدؤوا يهددون أحزاب المعارضة بأنها لن تنجح في إسقاط حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان ما لم تستجب لمطالب داود أوغلو. إلا أن هناك نسبة عالية من مؤيدي حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد تكره داود أوغلو كرها شديدا، وتتهمه بأنه المسؤول الأول عن "تورط تركيا في المستنقع السوري"، بل ويقول كثير من الناخبين المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري إنهم سيصوتون لأردوغان أو لن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع؛ إن تعهد كليتشدار أوغلو بتولي رئيس حزب المستقبل حقيبة الخارجية في الحكومة القادمة في حال فاز مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية.
تحالف الملة الانتخابي لم يعلن حتى اللحظة مرشحه لرئاسة الجمهورية، كما أنه من غير المعلوم هل ستخوض أحزاب المعارضة الانتخابات الرئاسية بمرشح توافقي أم سيقدم كل حزب مرشحه الخاص به. وهناك أصوات تطالب تلك الأحزاب بأن تعلن برنامجها السياسي المشترك الذي ستطبقه في حال نجحت في تشكيل الحكومة القادمة، إلا أن إعلان ذلك أصعب بكثير من تحديد المرشح لرئاسة الجمهورية، نظرا للتباينات الكبيرة في الرؤى السياسية.
وعلى سبيل المثال، يقول حزب الشعب الجمهوري إنهم سيطردون اللاجئين السوريين، وسيعودون إلى اتفاقية إسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة، وهذا ما لا يمكن أن يوافق عليه حزب المستقبل وحزب السعادة بشكل علني. وبالتالي، لا يتوقع أن تكشف المعارضة عن أي برنامج سياسي مشترك لتبقى النقطة الوحيدة المعروفة منه هي إسقاط أردوغان. ولذلك، يصف رئيس حزب الوطن، محرم إينجه، وضع تحالف الملة الانتخابي بأن قادته يستعدون ليخدعوا بعضهم البعض بعد تجاوز منعطف الانتخابات.
twitter.com/ismail_yasa