في الوقت الذي تركزت فيه الأنظار على الحدود الأوكرانية الروسية؛ وحبس العالم أنفاسه منتظرا غزو
روسيا لأوكرانيا؛ سجلت مؤشرات التضخم داخل الولايات المتحدة الأمريكية أرقاما قياسية لم تبلغها منذ 40 عاما لتحبس الأرجنتين والبرازيل أنفاسها بانتظار رفع الفائدة الأمريكية في آذار (مارس) المقبل.
ثنائية التضخم والفائدة في أمريكا
بعيدا عن الأنظار والتغطية الإعلامية الحثيثة بلغ التضخم في الولايات المتحدة 7.5% وارتفع مؤشر أسعار المستهلك؛ فالعقارات سجلت 20% زيادة في حين سجلت إيجارات المساكن ارتفاعا قدر بـ 13%؛ كاميرات الإعلام تغافلت عما يحدث في شوراع أمريكا مركزة عدساتها على الحدود الأوكرانية؛ فحجم الإثارة والأكشن كبير بلغ حد الحديث عن غزو شامل وأسلحة نووية وعقوبات اقتصادية.
وفي الوقت الذي انتظر فيه العالم أن تعاني روسيا من أزمة اقتصادية خانقة في حال فرض عقوبات مشددة تشمل حرمانها من نظام التحويل المالي SWIFT؛ كانت الولايات المتحدة تبحث عن سبل التخلص من التضخم الهائل الذي دفع الآلاف من الأمريكيين للمبيت في الشوارع أو داخل سياراتهم الخاصة؛ هروبا من الإيجارات المرتفعة وأسعار المنازل الخرافية.
ما يحدث في أمريكا من تضخم اقتصادي هائل أرجعه البعض إلى الأموال التي ضخها البنك الفيدرالي في السوق؛ وقدرتها بعض المصادر بـما يقارب الترليون دولار للتعامل مع جائحة كورونا في حين ذهبت مصادر أخرى للحديث عن 6 ترليون دولار تم ضخها في السوق المحلي الأمريكي بحسب الخبير والمحلل الماليDavid P. Goldman ؛ في مقال نشره تحت عنوان (الأسوأ قادم من أسوء تضخم في أمريكا خلال 40 عام) " Worse to come from worst US inflation in 40 years " نشرة موقع آسيا تايمز ومقره في بانكوك.
غولدمان توقع أن يستمر التضخم في الارتفاع عند مستويات عالية بشكل مؤلم في العام القادم 2023؛ فالتضخم بحسب قوله جاء نتيجة 6 تريليونات دولار من الدعم الحكومي للدخل في اقتصاد لا يستطيع تلبية الطلب المحلي ويحتاج للاستيراد من
الصين وغيرها؛ مؤكدا أن رفع الفائدة نقطتين في آذار (مارس) المقبل لن يعالج الخلل ما سيتولد عنه ركود تضخمي .
الرؤية ذاتها أكدتها تقديرات مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا بقولها للمشاركين في منتدى دافوس شهر كانون ثاني (يناير) الماضي "سيكون لرفع الفائد الأمريكية تداعيات كارثية على مديونة الدول المقيمة بالدولار"؛ وذهبت جوجييفا أبعد من ذلك بالقول: إن رفع الفائدة بمثابة من "يلقي الماء البارد" على التعافي الاقتصادي الضعيف في بعض البلدان؛ محوا بذلك التضخم والفائدة إلى ثنائية قاتلة .
أمريكا اللاتينية تستبق الأزمة
حقائق تفسر تهافت كل من
البرازيل والأرجنيتن مؤخرا نحو موسكو وبكين على أمل البحث عن ملاذات آمنة من الكارثة المقبلة فالأرجنتين تعاني من مديونية كبيرة تقدر بـ 324 مليار دولار منها 44 مليار دولار لصندوق النقد الدولي؛ في حين أن البرازيل قلقة من فشل جهودها للتعافي الاقتصادي من جائحة كورونا؛ والتي تخشى أن تعيقها السياسات المالية الأمريكية شريكها التجاري الرئيس إلى جانب الصين والأرجنتين.
الرئيس
الارجنتيني ألبرتو فرنانديز من ناحيته سارع قبل رفع الفائدة الأمريكية في آذار (مارس) المقبل للقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ على هامش افتتاح الدورة الأولومبية الشتوية في بكين التي قاطعتها أمريكا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية شباط (فبراير) الحالي معلنا انضمامه لمشروع الحزام والطريق الصيني؛ لقاء استبقه فرنانديز بلقاء جمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو في الثالث من شباط (فبراير) الحالي؛ لقاء متحرر من قيود جائحة كورونا المتشددة التي اتبعها الرئيس الروسي بوتين مع الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف تشولس قبل أيام قليلة.
زيارة فرنانديز لموسكو وبكين توجت سنوات من التقارب بين البلدين؛ إذ أسهمت الصين في رفع مستوى احتياطات الأرجنتين من العملات الأجنبية نتيجة العمليات التبادلية بين البلدين فحجم التجارة بين بكين و(بيونس أيرس) يمثل الضعف ما هو عليه مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ ورغم الفائض الكبير لصادرات الأرجنتين التي تجاوزت 20% من حجم وارداتها بقيت عالقة في مستنقع الديون وعلى راسها ديون صندوق النقد الدولي المقدرة بـ 44 مليار دولار.
فرنانديز المنتمي ليسار الوسط ولتيار الرئيس التاريخي للأرجنتين بيرون تجاهل أوكرانيا وأزمتها وتايوان ومضيقها منفتحا على بكين وموسكو باحثا عن ملاذ جديد ممثل في صندوق التنمية الآسيوي للبنية التحتية وبنك البريكس الجديد.
حال البرازيل ممثلة برئيسها اليميني (جاير بولسونارو) لا يختلف عن حال الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز؛ فزيارته إلى موسكو تزامنت مع بلوغ أزمة أوكرانيا ذروتها يوم أول أمس الثلاثاء الموافق لـ 15 من شباط (فبراير) الحالي؛ فالزيارة تزامنت مع موعد الغزو الروسي المعلن من قبل الجانب الأمريكي؛ لقاء حمل رسائل قوية لواشنطن مفادها أن انتصارات أمريكا في شرق أوروبا وغربها قابلتها خسارة صافية في أمريكا اللاتينية.
hazem ayyad@hma36