جاء في الأخبار أن بعض أصحاب الأفكار التجارية، وصنّاع الخطط الثقافية، السّاعين للصداقات بين الشعوب واغتنام المال من الجيوب، اقترحوا على أصحاب الشأن، و"أولي الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف" في
مصر، عرض مصارعات السومو اليابانية، فرفضوها بسبب زي المصارعين وعوراتهم المكشوفة. وكان ذلك قبل ثلاثة عقود، وقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وركدت مياه أكثر تحت الجسر أيضاً، وتغيّرت مواضع العورة، بل صار كشفها أمراً محموداً وأمست الشمس تغيب في مخدعها من غير حمرة الخجل.
وقد سبقت السعودية مصر في شؤون فراديس الترفيه، والأخوّة بين الشعوب، ونهب القلوب والجيوب، فعرضت مصارعات أمريكية حرة، فدعت بعض المصارعين الأمريكان والمصارعات الأمريكيات إلى بلاد الحرمين. وهي مصارعات يكثر فيها الزعيق والصراخ، وليست كمصارعات السومو الشعبية في اليابان، والتي يقلُّ العنف فيها، فليست كعنف المصارعة الأمريكية، فالمتصارعان في لعبة السومو ينحنيان لبعضهما احتراما وتبجيلا، ويتدافعان للبقاء في الحلبة الدائرية وتحريرها من بأس الخصم.
وبان لنا أن لمصر سومو أيضا، وهي مصارعات إعلامية وجدالية بين أتباع دينين؛ دين عمرو بن العاص، ودين كليوباترا التي وقعت في غرام أنطونيو الروماني، فغالباً ما نرى على الشاشات مصارعاً من الأزهر أو من الإسلاميين ومصارعاً من النظام مرصودا بالعناية والرعاية والوقاية، يضرب ضيفه باللكمة القاضية، في مواقع يمنع الضرب فيها، تحت الحزام. والضربة القاضية هي الاعتقال، كما وقع للداعية الإسلامي محمود شعبان، وقد يصارعه المذيع نفسه ويجمع عليه متكلمين آخرين يطعنونه بالرماح والأسل من قُبل ومن دُبر وعن جنب.
وقد ظهر أن في مصر باسلات شجاعات جريئات، أمثال إلهام شاهين، وصاحبة الفستان من غير بطانة، وصاحبة الكيلوت الذي رفع ساقي مصر عالياً في السماء، وبواسل شجعان أمثال سيد القمني، وإسلام البحيري وإبراهيم عيسى، فهم يتعاونون ويتآزرون، ويدكّون معاقل الخصوم، بل إنهم يقودون حروب ردّة عن الفرعونية، لا هوادة فيها، ويستعملون الأسلحة المحرمة.
وأشهر قادة حروب الردّة إعلامي اسمه إبراهيم عيسى، الذي قاد معارك كثيرة، مثل معركة مايوهات نساء الصعيد، وأزيده من الشعر بيتا لا عماد له، فأقول له إنه في الجاهلية كن يطفن بالبيت الحرام عراة من غير مايوه.
وباطن المعارك سياسي، فالنظام يستشعر الخطر من خصمه الذي لا يزال به رمق، وهو يحاول ضرب ركائزه وأركانه. وقد ظهر يوتيوبر مصري، طالب
السيسي بمحاكمة المذكور بتهمة ازدراء الأديان، غافلاً أن السيسي هو قائد الحملة العاشرة، وساهياً أن ثمة دينا مستباحا، وأنّ منه الشكوى وليست إليه.
وقد حثّ
الإعلامي المشهور صاحب حمالات الحطب، الذي يظهر على منصتين إعلاميتين، مصرية وأمريكية، استذكار أفكار المعتزلة والأشاعرة بدلاً من الإيمان بالقصص الوهمية الخارقة مثل الإسراء والمعراج، طالباً عن جنب بالإيمان بمعجزات حقيقية مثل معجزة الإسراء بالسيسي للحكم، ومعجزة معراجه إلى ميونيخ، وظهوره مع رئيس تونس بالبذلة الأنيقة، مهندماً، وسيماً، قاصاً أظافره، حافظاً درسه، ملمعا جزمته التي خلبت قلب ترامب، وكان ينقصهما طبنجتان "علشان الصورة تطلع حلوة". وله معجزات أخرى كثيرة مثل الجسور والكباري، وأسر قائد الأسطول السادس، وخطف المعارض المصري حسام سلام، ووالد علي حسين مهدي، وشقيق سامي كمال الدين في عمليات قرصنة تعجز عنها الجيوش الخضارم.
وقد انتقل الإعلامي المشهور بين أفنان مواضيع شتى، وهو يهيب بشعب مصر إنكار المعراج، وأظهر غيرة على هوية مصر الوطنية الفرعونية، وندّد بالمطوّعة، وربما يقصد إمام مسجد مطروح، وأنكر على شيوخ مصر تتبع عورات الناس، ولا يتجسس على العورات سوى النظام، واستقبح ابتزاز الناس بالرهائن، ويقبع في السجون المصرية آباء صحافيين مصريين وأهاليهم مرهونين.
وقد أوكل النظام بطولة الدفاع عن دين الشعب المصري لرجاله أيضاً، فبرز البطل مرتضى منصور، فكان أشدهم على قائد الحملة، وأشتمهم له، وظهرت تغريدات لعلاء مبارك تدافع عن الدين، وانسحب ممثل من فيلم الملحد بعد أن دافع عن الفيلم، أما بيان الأزهر فخجول خجل العذارى، حييّ والحياء شعبة من الإيمان. وَرَدَ البيان على صفحة الأزهر للفتوى الالكترونية في فيسبوك، ولم أجده في موقع الأزهر، وهو بيان لا يليق ببلاغة شيوخ الأزهر القدماء الفطاحل، فالبيان يقول مدافعاً عن دينه:
"معجزة الإسراء والمعراج من مُعجزات سيدنا رسول الله ﷺ المُتواترة، الثَّابتة بنصِّ القرآن الكريم في سُورتي "الإسراء» والنجم"، وبأحاديث السُّنة النَّبوية المُطهّرة في الصّحيحين والسُّنن والمسانيد ودواوين ومصنَّفات السُّنة".. والصواب: دواوين السنّة ومصنفاتها، فالمضاف لا يضاف إلى مضاف. وذكر الأزهر في بيانه آية الرضوان، ولم يذكر آيات سورة الإسراء والنجم، وهما أولى.
ويتابع: "وكلُّ ما ورد في القُرآن الكريم وسنّة سيّدنا النّبي ﷺ الثّابتة من المُسلّمات التي لا يُقبل الخوض فيها مُطلقاً".
ومن جهة كاتب السطور، فإنه يقبل الخوض فيها، لكن في حلبة الحجة والعقل. ووصفَ البيان قائد الحملة تعريضاً من غير تسمية، بأنها تستثمر، والصواب أنها تستغل، فليس فيها ثمر. قال: تستثمر الأحداث والمُناسبات في النَّيل من المُقدَّسات الدّينيّة، والطّعن في الثّوابت الإسلاميّة بصورة مُتكرِّرة "ممنهجة".
وقد أذهلتني بلاغة الأزهر وذكاؤه في وصفها الغارات المسنودة حكومياً بالممنهجة، ولا أعرف سبب إعجابي بهذا الوصف الذي اهترأ من كثرة تردده في بيانات الصحافة وحدثاء الأسنان.
وكان أفتى الأزهر قبل أيام بفتوى الكدّ والسعاية، وهي فتوى نبشت من كتب أحد فقهاء المالكية المغمورين خوفاً من تهمة الذكورية، ودفعاً لتهمة معاداة المرأة، وقريبا سيقتبس الأزهر الشافعي من الفقه الجعفري بإذن الله.
إن ما يجمع بين آراء قادة حملة حروب الردّة الإعلامية التي يقودها البهلوان إبراهيم عيسى وسيد القمني هو أن الفراعنة الجدد انقلابيون، غير ديمقراطيين، لا يسعهم الانتظار لحين موعد الانتخابات، ليس عندهم صبر.. الصبر أحد أركان الفوز في الإسلام، وهو الركن الرابع في سورة العصر؛ بعد الإيمان بالله وعمل الصالحات والتواصي بالحق.
وتعجب القمني الذي نُصّبَ مفكراً "إكس لارج" على الفضائيات، ليس من معجزة المعراج التي ذكرتنا بالنظرية النسبية، وليس من توقيع السيسي على اتفاقية سدّ النهضة وتنازله عن النيل وعن الجزيرتين المصريتين، وإنما من هدر المعروج به إلى السماوات العلى الرحلة، وعدم طلبه من أخيه موسى، صلوات الله عليهما، عصاه "السحرية" حتى يفجر الجزيرة العربية القاحلة عيونا!
لِمَ تنازل رئيسه المعجزة عن نهر النيل إذا؟
إن هؤلاء جميعا هم كائنات الحواس الخمس. وكان المسيري قد نص في مقالات كثيرة أن العلماني قد أمسى شيئا شبيها بالحيوان، فهو لا يؤمن سوى بحواسه الخمس، إنه حيوان "الآن هنا". وغفل المسيري عن أن الحيوان صبور، والجمل أصبر حيوان، ويصبر الأسد ساعات مختفياً بين الأعشاب منتظراً الفريسة، والهرّ ثلاثة أيام وهو يغازل الهرّة حتى تقبل به زوجاً، بل إن كثيرا من الحيوانات تصوم عن الطعام صيانة لصحتها.
أما في شام شريف، فحرب الردّة أشد مكراً، فالمجلس الفقهي في وزارة الأوقاف، والمؤلف من ثلاثين مندوباً عن الطوائف في سوريا، بعد إلغاء منصب المفتي، أظهر غيرة طارئة على الإسلام، فأصدر الفتوى رقم عشرة، بضوابط نشر المصاحف الشريفة وطباعتها، وفيها يحظر طباعة المصاحف الملونة والمزخرفة بما فيها المصحف الميسر ومصحف التجويد، ولم يذكر المصحف المعياري، مع أن مصحف التجويد مجاز من كبار علماء سوريا، ومن رئيس الجمهورية نفسه بمرسوم جمهوري.
القوس واحدة؛ في الهند، وبورما، والصين، ودبي، والرياض، والقاهرة ودمشق، والسهم واحد.
إنهم يعملون على التبشير بالدين الجديد، وقد كشفت المعركة عن أنياب وسيقان وأفخاذ.
twitter.com/OmarImaromar