لطالما توعدت الإدارة الأمريكية روسيا برد مكلف في حال التصعيد مع جارتها أوكرانيا؛ فالولايات المتحدة حذرت من عقوبات تشمل نظام التحويل المالي سويفت منذ تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي؛ إلا أنها عادت واكتفت بعقوبات الحد الأدنى بعد اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي لوغانسك والدونيتسك شرقي أوكرانيا.
استراتيجية الردع الاقتصادي عبر التهديد بعقوبات الحد الأعلى المكلفة لم تجدي نفعا؛ فهل تنجح عقوبات الحد الأدنى في وقف روسيا عن المضي قدما في استراتيجيتها؛ وهل تدفع بكين للتراجع عن خطوات التقارب مع موسكو خشية فقدانها الأسواق الأوروبية والأمريكية؟ إنها أسئلة معقدة الإجابة عنها ستحدد شكل النظام العالمي الجديد.
الردع الاقتصادي المتبادل
لم تنتظر موسكو طويلا للرد على محاولات ردعها؛ فسارعت لعقد قمة جمعت فلاديمير بوتين بالرئيس الصيني شي جينبينغ عبر تقنية الاتصال المرئي في 30 من كانون الأول (ديسمبر) العام الفائت؛ أعلن فيها الزعيمان التوافق على إنشاء نظام مستقل للتحويل المالي بين البلدين يضم الدول الراغبة بتجاوز المعوقات التي تفرضها أمريكا وحلفاؤها.
روسيا لم تنتظر الرد الأمريكي المكلف إذ رفعت الكلف الاقتصادية مسبقا بتوقيع 14 اتفاقا مع الصين؛ وأسهمت في رفع أسعار الطاقة والتحكم في إنتاجها بشكل يعيد توزيع القوة في النظام الدولي بين أقطاب اقتصادية متعددة و اخرى عسكرية دولية وإقليمية صاعدة.
فالردع بات متبادلا من خلال توفر آليات جديدة للتحويل المالي والمعاملات التجارية لكل من يرغب بالتمرد على الإرادة الأمريكية أو يبحث عن سبيل يخلصه من أعباء القيود الاقتصادية والمالية التقليدية لصندوق النقد وبنكه الدولي.
روسيا لم تنتظر طويلا والصين لم تتردد في دعم موسكو بعد تجربتها المريرة مع العقوبات الأمريكية خلال الأعوام الخمس الماضية والتي شملت شركات صينية كبرى من أمثال شركة هواوي الصينية.
نظام التحويل المالي الروسي ـ الصيني لم ينتظر طويلا إذ تم إقراره في قمة بكين التي عقدت على هامش انطلاق الأولمبياد الشتوي في الرابع من شباط (فبراير) الحالي؛ اللقاء الذي جمع الزعيمن تضمن 14 اتفاقا منها اتفاقية غاز جديدة توجت بإعلان روسي صيني يؤكد على تعاون البلدين للوصول إلى حقبة عالمية جديدة قائمة على تعددية الأقطاب الاقتصادية والسياسية وهي حقبة سترفع من حجم التداول لليوان الصيني على الأرجح من 5% إلى 10% من حجم التداولات العالمية وفي غضون أشهر.
العقوبات تنقل المعركة إلى الهوامش
المواجهة الاقتصادية التي قابلتها رغبة في تجنب المواجهة العسكرية المكلفة من المتوقع أن تنقل المعركة إلى الأطراف في إفريقيا وغرب آسيا وأمريكا اللاتينية؛ فالسباق على المواد الخام وأسواق الدول النامية ستتحول إلى معركة مصيرية تتخلق على هامشها تظم وقوى إقليمية عملاقة مستفيدة من هامش المناورة الواسع الذي يخلقه الصراع والتنافس بين الأقطاب الدولية.
الرد الأمريكي المكلف سيفتح مزيدا من الجبهات مؤسسا لنظام اقتصادي جديد؛ فالعلاقة المتوترة بين الصين وأمريكا لم تمنع الأرجنيتن في ذروة الاشتباك بين إدارة الرئيس الأسبق ترامب والصين عن فتح الباب لبكين للاستثمار في مناجم الليثيوم التي تخلت عنها كندا دون علم حليفها الأمريكي أو إذنه المسبق؛ لتسيطر بكين على ثالث أكبر منتج لليثيوم المستخدم في صناعة البطاريات؛ وفي الآن ذاته لن تمنع البرازيل مستقبلا من التعاون مع بكين وموسكو لتحقيق طموحاتها في مقعد دائم داخل مجلس الأمن؛ ولن تمنع إيران من تطوير قنبلتها النووية في ظل توافر بدائل اقتصادية مجزية بعيدا عن النظم المالية الغربية.
ختاما..
روسيا لم تنتظر الرد الأمريكي المكلف إذ إنها رفعت الكلف الاقتصادية مسبقا بتوقيع 14 اتفاقا مع الصين؛ وأسهمت في رفع أسعار الطاقة والتحكم في إنتاجها بشكل يعيد توزيع القوة في النظام الدولي بين أقطاب اقتصادية متعددة وأخرى عسكرية دولية وإقليمية صاعدة.
hazem ayyad
@hma36
دوافع الانفتاح الأرجنتيني البرازيلي على موسكو وبكين
دب الكرملين العجوز وإعادته الساعة إلى الوراء!
الدب الروسي والأخطبوط الأمريكي بين استعراض القوة ودق طبول الحرب