نشرت
صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا أعده ستيفن إرلانغر، قال فيه إن القوات الروسية، وبعد سوء تقدير حول عزيمة الأوكرانيين القتالية، انتقلت إلى أشكال القتال التي تعرفها، وهي قصف المدن وحصارها.
وأضاف
أن المراقبين، وفلاديمير بوتين، توقعوا عندما شنت
روسيا غزوا على أوكرانيا، بمشاركة
حوالي 200.000 جندي، أن تزحف القوات بسرعة وينتهي القتال.
وما
ظهر بعد خمسة أيام هو سوء تقدير الروس حول أساليبهم وكيفية رد الأوكرانيين. ويضيف أنه
لم تسقط أي مدينة بالكامل في الدفعة الأولى للروس نحو كييف، التي توقف عندها تقدمهم.
وفي نفس الوقت، جمع الأوكرانيون قواهم، وسلحوا المدنيين، وهاجم الجيش الأوكراني قوافل
الروس وخطوط الإمداد، حيث نشروا لقطات فيديو عن عربات روسية محروقة وجثث للجنود. إلا
أن
الحرب تغيرت بسرعة يوم الاثنين، وستشير إلى المدى الذي ستذهب فيه روسيا لإخضاع أوكرانيا.
وبحسب
السجل الروسي في سوريا، وحملتها لسحق الانفصاليين الشيشان، يتوقع حملة وحشية قادمة. وظهرت
الإشارات في المدينة الثانية بأوكرانيا خاركيف، عندما سرعت روسيا من عمليات القصف على
الأحياء المدنية، مخلفة وراءها ضحايا مدنيين، وربما استخدمت القوات الروسية فيها قنابل
عنقودية، التي تمنعها كل الدول باستثناء روسيا وأوكرانيا.
وقال
السفير والجنرال الأمريكي السابق لدى الناتو دوغلاس لوت: "نحن في الأيام الأولى
من هذه الحرب، ولدى بوتين الكثير من الأوراق لكي يلعبها"، و"من الباكر لأوانه
الحديث بلهجة انتصارية، وهناك الكثير من القدرات الروسية التي لم تنشر بعد".
وتعدّ العقيدة القتالية الروسية للسيطرة على المدن قاتلة وقاتمة. وتقوم على القصف المدفعي
والصواريخ والقنابل، التي تخيف المدنيين وتدفعهم للهروب، وتقتل المدافعين، وتدمر
البنى التحتية قبل التقدم بريا.
وقال
لوت إن روسيا لم تحشد كل قدراتها العسكرية بطريقة فعالة بعد. "لكن العقيدة الروسية
في القصف المكثف وعدم المقيد كانت واضحة في الشيشان، وهناك احتمال بأن تعيد روسيا تجميع
قدراتها من الناحية التكتيكية، وقد تشن قصفا مكثفا ضد المراكز المدنية".
ويقول
مسؤول أمريكي في البنتاغون إن القوات المتقدمة نحو كييف تواجه مقاومة "فعالة وإبداعية"، لكن الحملة العسكرية في يومها الخامس، وسيتعلم القادة الروس من أخطائهم، ويتكيفون مع
الأوضاع كما فعلوا في سوريا.
وقال
المسؤول إن هناك مخاوف من تصعيد الروس لعمليات القصف الجوي والصواريخ على المدن، ما
سيؤدي إلى ضحايا بين المدنيين.
ويرى
عدد من الخبراء أن بوتين أساء التقدير على ما يبدو أن هجوما سريعا على كييف سيطيح بالرئيس
فولدومير زيلنسكي، في ظل عدم اهتمام الأوكرانيين، وهذا ما يفسر قرار الروس الدخول بشكل
مخفف؛ للحد من الضحايا المدنيين. لكن رد فعل الأوكرانيين فاجأ الروس، وفشلت محاولتهم
للسيطرة على مطار في كييف من أجل وصول التعزيزات.
وقال
ماثيو بولغيو، الخبير في الحروب الروسية بـ"شتام هاوس" في لندن، إن الروس
أبدوا تحفظا في استخدام القوة في الأيام الأولى، "يدفعون ثمن خطابهم من أن هذه
حرب دفاعية ضد فاشيين ونازيين جدد"، "لكننا أغضبنا الكرملين، ولم نر بعد ما
يخبئه لنا الروس". وقال إن العالم "بدأ بمتابعة المرحلة الثانية عندما تبدأ
الدبابات الثقيلة والقوات البرية، كما يفعلون في خاركيف وماريبول". وأضاف:
"ما أخشاه أن هذه هي البداية"، وسنرى "غزوا متمما بقوات مجربة وجنود
أكثر، وعدد قليل من أنظمة التحكم الدقيقة، وحرب استنزاف، وقصفا سجاديا، ومزيدا من الضحايا".
وقال
مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في معهد البحث "سي أن إي"، إن هدف الروس هو السيطرة على كييف، وبناء على افتراض قاصر عن أوكرانيا، لم يستخدم الروس معظم قدراتهم
القتالية، وتلقوا ضربة في الأيام الأولى من الحرب. "لكننا لا نزال في الأيام الأولى
من الحرب، وانتهت نشوة الساعات الـ90 الأولى بشكل يكذب ما يجري على الواقع، وإن القادم
قد يكون أسوأ".
ويقول
جاك وولتينغ، الخبير في الحروب البرية بالمعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن وعاد
من أوكرانيا قبل 12 يوما: "لدى الروس الكثير من القوات في أوكرانيا، ويواصلون التقدم
بثبات، ويمكنهم العمل بطريقة مشتركة وليس كقوافل دبابات معزولة، ولديهم القدرة على استخدام
مستويات عالية من القوة".
ويتوقع
الخبراء قيام القوات الروسية بتوسيع سيطرتها على المناطق المؤيدة لروسيا في دوينتسك
ودونياس، شرق أوكرانيا، ومن ثم السيطرة على الجسر إلى القرم في الجنوب، في وقت يدفعون
فيه قواتهم من الشمال لمحاصرة الجيش الأوكراني الرئيسي شرقي نهر دونبير. وهم يحاولون
حصار ماريبول وخاركيف. وسيؤدي الحصار لعزل الجزء الأكبر من القوات الأوكرانية عن كييف، والحصول على الإمدادات، وبشكل سيحد من ديمومة المقاومة. ويتحرك الروس نحو كييف من اتجاهات
ثلاثة لمحاصرتها.
وفي
الوقت الذي يواجه فيه الروس مشكلة إمدادات ولوجستية، كما في الأيام الأولى، وتوقف العربات دون وقود، إلا أن الجيش الأوكراني يواجه مشاكل أعقد. وسيعاني من نقص في صواريخ ستينغر
وجافلين في مدى أسبوع.
وتقوم
الدول الأعضاء في الناتو بتزويد الأوكرانيين بالذخيرة عبر بولندا، عضو الناتو، والتي
لا تزال حدودها مع غرب أوكرانيا مفتوحة، بل ووعد الناتو الاتحاد الأوروبي بتقديم
450 مليون يورو لشراء السلاح وتوصيله للأوكرانيين. إلا أن المساعدات هذه لن تجدي لو
عزل الروس المدن. وبدأت المروحيات الروسية بالتحليق قرب الحدود البولندية، وستتحرك قوات
من بيلاروسيا لقطع خطوط الإمدادات القادمة من بولندا، وبخاصة لو دخلت القوات البيلاروسية
الحرب، وهو أمر محتمل.
ولم
تمنع البدايات السيئة روسيا عن الانتصار في حروب سابقة، ولكن بثمن باهظ. وفي سوريا، تعرض
الروس لنكسات، ما أثار التكهنات حول مستنقع أفغاني ولكن على البحر المتوسط. ولكنهم
تكيفوا مع الوضع، واعتمدوا على القصف الجوي والصاروخي والمدفعي، في وقت عمل فيه حلفاؤهم
على الأرض. وقدر عدد القتلى جراء القصف الروسي في الفترة ما بين 2015- 2017 بحوالي
5.700 مدنيا، ربعهم من الأطفال، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وكانت
الحربان في الشيشان وحشيتين، ودمرتا العاصمة غروزني. وساعدتا على منح بوتين، رئيس الوزراء
الجديد، صورة الرجل الشديد. ومات الآلاف قبل سيطرة روسيا على الوضع، ونصبت موسكو نظاما
عميلا لها هناك.
وقال
وولتينغ إن الروس حتى هذا الوقت مارسوا ضبط النفس في قصف أوكرانيا، على اعتقاد أنهم
لا يستطيعون تحويل كييف إلى غروزني ثم حكمها، "لكننا نرى الكرملين قد صادق على
عنف شديد بدءا من خاركيف"، وقصف للمناطق المدنية. وهناك قصف مماثل في كييف وتشرينف،
الواقعة شمال- شرق العاصمة.
وعلق
وولتينغ: "لا يمكنك إخضاع السكان بهذه الطريقة، لكنك تفتح الباب أمام المقاومة".
إلا أن هذه الإستراتيجية تطرح أسئلة أخلاقية بين الجيش والرأي العام الروسي. وقال إيان
بوند، الباحث في مركز الإصلاح الأوروبي: "هناك الكثير يعتمد على الوحشية التي
سيمضي فيها الروس"، و"لا يمكنك فرض الرقابة على كل شيء واستخدام الوحشية ضد
الأوكرانيين، الذين يرتبط الكثير من الروس بروابط معهم، لن يكون ناجحا سياسيا لبوتين".
ويواجه بوتين معارضة للحرب في الداخل.