عبرت
العديد من الشخصيات
الفلسطينية عن خيبة أملها من ازدواجية المجتمع الدولي، حيث برز
زخم عالمي واضح وقوي ضد العدوان الروسي على أوكرانيا، فيما يتعاطى ذات المجتمع بإهمال
كبير مع حق الشعب الفلسطيني في وقف عدوان
الاحتلال الإسرائيلي ودحره عن وطنه.
ودخل
الغزو الروسي لأوكرانيا يومه الحادي عشر على التوالي، مخلفا آلاف القتلى والجرحى ودمارا واسعا،
وسط تنديد غربي واسع بالغزو الروسي وحملات دعم "كييف" بالسلاح والعتاد وفتح
الباب للمتطوعين لقتال الجيش الروسي من قبل بعض الدول، فيما لا يزال الاحتلال
الإسرائيلي مستمرا في عدوانه على الشعب الفلسطيني، وسط صمت دولي.
"انتقائية
المجتمع الدولي"
وعن
رؤيته لتعامل المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في الخلاص من
الاحتلال مقارنة بتعامله مع الغزو الروسي، أوضح رئيس مجلس العلاقات الدولية الوزير
الفلسطيني السابق باسم نعيم، أن "الشعب الفلسطيني يعاني منذ أكثر من 70 عاما من
احتلال عنصري فاشي، يدرك جيدا معنى الحرب، ويؤلمنا رؤية هذه الازدواجية الوقحة في تعامل
المجتمع الدولي، وخاصة
الغربي منه، في الموقف من الحرب في أوكرانيا في ظل استمرار الاحتلال
والاضطهاد والعدوان على الشعب الفلسطيني".
ولفت
في حديثه لـ"عربي21" أن "الشعب الفلسطيني لم يجد مثل هذا التعاطف والمساندة
رغم العديد من القرارات الدولية التي تثبت حقوقه"، مستنكرا "الانتقائية في
التعامل مع القوانين الدولية، وبحسب ذات المجتمع الدولي، الشعب الأوكراني يتعرض اليوم
لعدوان، وعليه أن يقاوم هذا العدوان بكل السبل المتاحة، وبناء على ذلك، فقد فرضت العقوبات
على موسكو وتم إمداد كييف بالسلاح وغيرها من وسائل الدعم".
وذكر
نعيم أن "كل سبل الدعم للشعب الأوكراني، نحن لم نشهدها في الحالة الفلسطينية،
بل على العكس، مقاومة شعبنا للاحتلال اتهمت بالإرهاب وأفلت المجرم من العقاب، وحتى
الوسائل السلمية في مقاومة الاحتلال مثل المقاطعة، حرم منها شعبنا، وشنت عليها الحرب
في كل مكان، وتم تجريم وشيطنه حركة المقاطعة الدولية (BDS)، وفي كثير من الأحيان استخدمت
الدول الغربية إمكانياتها السياسية والإعلامية لمساندة الاحتلال في ارتكاب المزيد من
الجرائم بحق شعبنا".
وأفاد
بأن "أكثر صور الدعم فجاجة للاحتلال هي أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض الفيتو
لأكثر من 70 مرة، لحماية الاحتلال في مجلس الأمن الدولي".
واعتبر
الوزير أن "أحد التداعيات الإيجابية للحرب الروسية الأوكرانية على المدى البعيد،
أنها كشفت زيف الموقف الدولي وازدواجية المعايير التي تصل أحيانا إلى حد العنصرية في
التعامل مع القضايا الإنسانية المتشابهة".
"ازدواجية
المعايير"
من جهته،
ذكر رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد"، صلاح عبد العاطي،
أن "اللافت في الحرب الروسية الأوكرانية وبعيدا عن الأغراض السياسية لأطراف الصراع،
هو تحول الخطاب الأمريكي والأوروبي وحتى للاحتلال نحو الاعتراف بحق الشعوب في مقاومة
العدوان وأن المقاومة ليست إرهابا".
ونبه
في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "الأمر أيضا تجاوز الخطاب بتقديم الدعم العسكري
والمالي لأوكرانيا ومساندتها ضد روسيا، وهنا من الأهمية بمكان تأكيد هذه الحقوق للفلسطينيين"،
مشددا على ضرورة "التحرك الدولي والدبلوماسي الفلسطيني لمطالبة هذه الدول بدعم
نضال وحقوق الفلسطينيين، ووقف تسييس القانون الدولي وازدواجية المعايير، والعمل علي
تجاوز مجلس الأمن لصالح عقد جلسة استثنائية للجمعية العامة بصيغة "متحدين من أجل
السلام"، من أجل ضمان إنفاذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية".
وأشار
عبد العاطي إلى أهمية "مطالبة المدعي العام الجديد لمحكمة الجنائية الدولية بالإسراع
في إجراءات التحقيق في جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني؛ فهو صمت عاما على الملف
الفلسطيني ونطق في أول يوم للصراع بين روسيا وأوكرانيا وفتح تحقيقا في 5 أيام".
وتساءل:
"هل القيادة الفلسطينية جاهزة أو قادرة على قلب الطاولة وتوظيف المتغيرات الدولية
وتحويلها إلى فرص لدعم مسار جاد يقوم علي تدويل الصراع مع دولة الاحتلال؟"، منوها
إلى وجوب "إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس الشراكة والوحدة وتفعيل
القيادة الجماعية للشأن العام، وبما يضمن برنامجا واستراتيجية نضالية شاملة".
وحذر
رئيس "حشد" من خطورة "سياسة الانتظار والتفرد والإقصاء والرهان على
مسار التسوية (من قبل السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" التي تؤمن بمسار المفاوضات)
والقبول باستمرار الأمر الواقع".
"منظومة
تحكمها المصالح"
من جانبه،
أوضح الكاتب ورئيس معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية إياد الشوربجي، أن "المجتمع
الدولي تتحكم فيه وتحركه الدول الكبرى الفاعلة بقوة على المسرح الدولي وعلى رأسها الولايات
المتحدة والقوى الغربية".
وأضاف
في حديثه لـ"عربي21": "هذه المنظومة تحكمها المصالح والقيم النفعية
والمادية، إضافة إلى مجموعة من الاعتبارات الدينية والحضارية والثقافية، لذلك فإننا نجدها تتعامل
بازدواجية واضحة في المعايير، تجلت بشكل واضح خلال الأزمة الأوكرانية".
وعبر
عن خيبة أمله من موقف المجتمع الدولي، وقال الشوربجي: "بينما وقف المجتمع الدولي
بكل قوة إلى جانب أوكرانيا في صراعها ضد روسيا، وساندها بكل أنواع الدعم السياسي والعسكري
والمادي والإعلامي، وأيد مقاومتها ضد الغزو الروسي؛ نجده قد أصيب بالعمى والصمم والشلل
أمام مأساة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ ثلاثة أرباع القرن".
ورأى
أن هذه الازدواجية التي ينتهجها المجتمع الدولي في تعامله مع الحق الفلسطيني،
"تلزمنا كأمة بالبحث عن سبل امتلاك كل عناصر القوة والتفوق لنيل حقوقنا المشروعة،
وعدم الاعتماد على التسول على أبواب المجتمع الدولي الذي لن يصطف إلا مع مصالحه ومع
الأقوياء".
حتى
انتقاد ازدواجية المجتمع الدولي هذه لم تتوقف على الجانب الفلسطيني، ونبهت صحيفة
"هآرتس" العبرية في مقال للخبير جاكي خوري، إلى أن "الشعب الفلسطيني أدرك
أن المجتمع الدولي لن يعامله مثلما يعامل الآن الشعب الأوكراني، ولن يتعامل مع العدوان
الروسي مثلما يتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي".
ولفتت
الصحيفة إلى أن "العقوبات الاقتصادية ضد إسرائيل التي يطالب بها الفلسطينيون منذ
نصف قرن، طبقها الغرب في سبعة أيام ضد روسيا"، منوهة إلى أن هناك "خيبة أمل
وإحباطا من الرسائل المزدوجة للمجتمع الدولي، وهي بالمناسبة ليست بالأمر الجديد في سلوك أمريكا وأوروبا، وهي تطرح في كل أزمة دولية يتدخل الغرب ضد عدوانية ديكتاتورية، لكن
قصة أوكرانيا تبرز الصورة بشأن مواجهة الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي".