الكتاب: "الحركة السلفية- الوهابية في الاتحاد الروسي"
الكاتب: د. عمرو الديب
الناشر: المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، 2020.
"الإسلام قضية عادلة، وقعت بين أيدي محامين فاشلين"، هكذا اختصر الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، أزمة العمل الإسلامي المعاصر؛ فمنذ أن شارك التيار الإسلامي في العمل السياسي، في العالم العربي، لم يخرج فائزًا، حتى الآن، ليس خطأً في الفكرة، ولكن لأن من تحملوا المسؤولية لم يكونوا على قدرها من المعرفة بماهية العمل السياسي، وأدواته، ومهاراته، ولم يمتلكوا الرؤية الواضحة لهدف الممارسة السياسية، فتعاملوا، في ميدان السياسة، بعقل الداعية، محكِّمين بعض المبادئ الحركية في غير موقعها، فانحصر التيار الإسلامي في خانة "الوظيفية"، ما استنزف الحركة الإسلامية.
إن التاريخ السياسي الحقيقي للحركة الإسلامية هو، باختصار، تاريخ استخدام التيار، لصالح أشخاص، وحركات أخرى، والاستفادة من شعبيته، ثمَّ تدميره؛ لذا، دار التيار الإسلامي في رحى المحن المتكرِّرة، ما يستلزم على كل مخلص للإسلام، وعلى قيادة الحركة الإسلامية أن تعترف بخطئها، كما فعل علي عزت بيغوفيتش، رحمه الله.
كتابنا للدكتور عمرو الديب، وهو باحث في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي، بجامعة نيجني نوفجورد، الروسية، وقد حصل على درجة الدكتوراه عن بحثه "تحليل الأحداث الثورية في مصر 2011 ـ 2012. ويمكن للقارئ أن يحدد توجُّه الباحث، بمجرد مطالعة الإهداء حيث أضاف فيه: "... وليس من نافلة القول أن نشير إلى أن روسيا كانت سبَّاقة في إدراج التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، في حكم تاريخي للمحكمة الدستورية الروسية، منذ 2003، وقبل أن تفعل ذلك دول عربية كثيرة" وكان الصحيح أن يدخل المؤلف للدراسة بغير فكرة مسبقة.
يُقدم الكتاب "مفهوم الإسلام، وتياراته" من منظور روسي؛ لذا، فقد خلت قائمة المراجع من أي مرجع غير روسي، واستخدم مصطلحات غير معهودة، وقد صنَّف الكاتب الإسلام في روسيا إلى "إسلام تقليدي"، مقبول روسيًا، و"إسلام وهابي"، مُحارب من قِبل السلطات الفيدرالية؛ وجعل المؤلف الخط الفاصل بين النوعيْن، هو الموقف من الحكومة الفيدرالية، فيحصل المسلمون على حقوقهم المدنية في روسيا؛ "شريطة أن يكونوا موالين، بشكل كامل، للدولة"! و"ألا يكونوا متأثرين بأي نفوذ خارجي"؛ وأكد المؤلف أن "الإدارات الروحية للمسلمين (الإسلام الروسي)، تتوافق، تمامًا، مع أيديولوجية الدولة"، مشيرًا لدعمهم الدولة الروسية، عندما ساءت علاقاتها مع تركيا، وفي حربها على شبه جزيرة القرم (2014)، وكذا التدخُّل الروسي في سوريا (2015)! " وهذا يدل على أن المجتمعات الإسلامية لا تملك أي موقف يُخالف السياسة الروسية، الداخلية والخارجية، بل بالعكس، فهي خلف الكرملين، وداعم لكل قراراته"!
أما "الوهابية"، فيطلقها الروس على "مجمل فروع الإسلام العدوانية، وغير التقليدية، التي تُمثل خطرًا على أمن الاتحاد الروسي"، وتشمل "الوهابيون الكلاسيكيون؛ الإخوان المسلمون؛ حزب التحرير الإسلامي؛ التبليغيين"، كما تضم الوهابية "الطوائف المختلفة من أصل تركي.. والتي توحَّدت بالاعتماد على الأعمال الأدبية لـ (سعيد النورسي)، و(فتح الله غولن)". وقَسَّم الكاتب "الوهابية" إلى: "سلفية متطرفة" تساوي جميع مؤيدي الإسلام التقليدي، مع غير المسلمين، و"السلفيين المعتدلين"، الذين يؤيدون استمرار الجمهوريات الإسلامية داخل الاتحاد الفيدرالي؛ إلا أن المؤلف أكد بأنهم [السلفيين المعتدلين]، فقط ،ينتظرون، ولكن في أي لحظة، يمكن أن يتحوَّلوا إلى العنف؛ لذلك فإنهم يتشاركون مع المجموعة الأولى في الخطورة على المجتمع الروسي.
أما "الوهابية"، فيطلقها الروس على "مجمل فروع الإسلام العدوانية، وغير التقليدية، التي تُمثل خطرًا على أمن الاتحاد الروسي"، وتشمل "الوهابيون الكلاسيكيون؛ الإخوان المسلمون؛ حزب التحرير الإسلامي؛ التبليغيين"، كما تضم الوهابية "الطوائف المختلفة من أصل تركي..
قدَّم الفصل الأول عرضًا لبدايات الحركة السلفية في الجمهوريات الروسية؛ وأرجع نشأة الحركات السلفية إلى نهايات الحقبة السوفياتية، مستعرضًا ردات فعل الأجهزة الأمنية الروسية على تحركاتهم، منذ 1982، كما أشار إلى الأصابع السعودية، والتركية، في دعم تلك الحركات؛ واستشهد بما قاله رمضان دجباروف: "إن بيريسترويكا الحياة الدينية في روسيا تزامنت مع افتتاح السفارة السعودية"؛ كذلك ساق المؤلف، في كبسولة، تأسيس الحركات السلفية في داغستان، وكيف قامت بالاستيلاء الكامل على السلطة، في منطقة "قادار"، في أيار/ مايو 1998، ومحاولة الانفصال الشيشانية، آب/ أغسطس 1994، كما عرَّج على نشأة الحركة السلفية، في "قارتشاي ـ تشيركيسيا"، و"قباردينو ـ بلقاريا"، و"أوسيتيا الشمالية"، في 1990، ومناطق محيط نهر الفولجا، كذلك ذكر تأسيس "حزب النهضة الإسلامية"، آب/ أغسطس 1990، "بعد توحيد الحركات، والمنظمات الإسلامية الرئيسية، في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية"، وتأسيس فروع له، في جمهوريات مختلفة.
أيضًا، استعرض الديب إنشاء فروع لـ "المركز الإسلامي الثقافي"، و"المركز الأعلى للتنسيق"، والمؤتمر الإسلامي"، وقام المؤلف بتعيين "المهام الرئيسية لتلك الفروع: إدخال الانقسام بين المجتمعات الرسمية؛ تغذية التناقضات بين الأعراق في مناطق المسلمين (لتحريك النزعات الانفصالية العرقية)؛ القيام بأعمال مناهضة للمجتمع، والتطرُّف ضد رجال الدين الرسميين، والهيئات الحكومية؛ تهيئة الظروف للتقارب مع المسئولين الحكوميين، والنواب المسلمين"! وحقيقة، لا يمكن الاعتراف بتلك المهام، استرسالًا، اعتمادًا على مقال دجباروف، وكان يجب على المؤلف التثبت من صحة ما ورد بالمقال المشار إليه كمرجع، نظرًا لخطورة ما ورد.
لما كانت النشأة لكل تلك الحركات، متزامنة مع بدايات انفراط عقد الاتحاد السوفييتي، فلماذا حُمِّل الإسلام، وحده، تلك المسؤولية؟ رغم أن دولاً، قد تأسست، بعد استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، بفعل تحرك انفصالي، دون أن يكون "الإسلام الوهابي" هو الأيديولوجية الانفصالية لها. أما عن الحركات الإسلامية في الجمهوريات الروسية، فقد أصابها ما أصاب الحركات الإسلامية، في بقاع الأرض، من العجلة، وضبابية الرؤية، وخطأ التقديرات، ما دفع بها إلى دوَّامة المحن، وجلبت على الشعوب المسلمة الضرر.
رسم الفصل الثاني، خريطة الانتشار الوهابي في روسيا، وأهم مناطق النفوذ، والتأثير السلفي، معتبرًا داغستان، الأكثر خطورة، وبين "البؤر الرئيسية (للإسلام السلفي) في منطقة الأورال الفيدرالية، وفي سيبيريا، نظرًا لصعوبة تحديد أعداد السلفيين في روسيا؛ "حيث لا توجد آليات معترف بها، لتحديد العدد الحقيقي"، اعتمد على تطوُّر أعداد الجرائم التي يرتكبها حاملوا الأيديولوجيات العرقية، والدينية الراديكالية، لمعرفة مدى التهديد على الأمن القومي الروسي، و ذكر ،ضمن تلك الأحداث، الصدامات التي تمت بين التيار السلفي، وتيارات "الإسلام التقليدي"، وأبرزهم الصوفيين.
أزاح المؤلف الستار عن تباين المواقف "لتيارات الإسلام الردايكالي"، سواء المعتدلة، أو المتطرفة، من "تنظيم الدولة"، حيث عارض التنظيم، كل التيار السلفي المعتدل، بينما انقسم المتطرفون حول الموقف منه، فأيَّده البعض، بينما عارضه البعض الآخر، على اعتبار "تنظيم الدولة" منافسا لهم، قد يترتب عن تنامي شعبيته، تقليص دور تلك الحركات السلفية.
أما عن الحركات الإسلامية في الجمهوريات الروسية، فقد أصابها ما أصاب الحركات الإسلامية، في بقاع الأرض، من العجلة، وضبابية الرؤية، وخطأ التقديرات، ما دفع بها إلى دوَّامة المحن، وجلبت على الشعوب المسلمة الضرر.
اختتم الديب الفصل الثاني بالعوامل التي أدت إلى انتشار التيار السلفي، وابتدأها بالعامل الخارجي، وتمثَّل في "نشاط هياكل تنظيمية أجنبية على الأرض الروسية، وتأثير المفتين، الذين تلقوا تعليمًا إسلاميًا في الخارج، "حيث وجد معظم الشباب، الذين أُرسلوا للخارج، أنفسهم في مراكز للتدريب الأيديولوجي، وفي بعض الأحيان، في مراكز تدريب (مقاتلي الجهاد)"! ثم أشار الكاتب إلى العامل الشخصي، وكذا التعامل الحكومي، أو التجاوزات الأمنية، مع المنتمين للفكر المتطرِّف، كعوامل ساهمت في انتشار تلك الأفكار. ثم عرض الفصل الثالث للتجربة الروسية في مكافحة الفكر المتطرف، على المستوى التشريعي؛ وعلى مستوى الأجهزة الأمنية؛ وعلى المستوى الأيديولوجي.
برز تناقض في بعض ما قدمه المؤلف من معلومات؛ فبينما أكد في مدخل الدراسة على تمتُّع المسلمين بكامل الحقوق، إدراكًا من فلاديمير بوتن "بأن العلاقات مع المجتمع الإسلامي [داخل روسيا] هي قضية وطنية حيوية، يعتمد عليها مستقبل روسيا، وببساطة قامت السُلطات ببناء العلاقات مع المسلمين، فلقد مُنحوا الحقوق، والحريات، ويتم احترامهم"، عاد المؤلف، في الصفحات الأخيرة، ليثير، ضمن عوامل انتشار الفكر السلفي، "التجاوزات الأمنية من جانب الاستخبارات الداخلية الروسية، تجاه المسلمين".
وذكر، أيضًا، "دائمًا ما تأتي أجهزة الأمن للمساجد، يوم الجمعة، ويقوموا بغلق المسجد على المصلين، وإخراجهم، واحدًا، واحدًا، بعد أن يأخذوا إثبات الشخصية، ويمكن إضافة من يحلون لهم في قوائم المشتبهين بالإرهاب"! أردف المؤلف، قائلاً: "بنفسي كنتُ شاهدًا على موقف مثل هذا، فبخروجنا من مسجد (التوبة)، في منطقة أفتوزافود، في مدينة نيجني نوفجورود، وهي مدينة لا يوجد فيها أي مستوى عالٍ من الخطورة، متصل بالعمليات الإرهابية، يوم الجمعة، 23 آب/ أغسطس 2019، قامت الشرطة الروسية، وأفراد تابعين لجهاز الأمن الفيدرالي، بتوقيف كل من تواجد بالمسجد، والعدد كان يصل إلى أكثر من 500 شخص، وقاموا بالقبض على بعض الأشخاص، بالإضافة لتصوير فوتوغرافي لجوازات السفر الخاصة بالباقين"!
كذا، عاب الكاتب على "التيار الإسلامي الردايكالي"، موقفه من الآخر، ورفضه حتى لمؤيدي "الإسلام التقليدي"، بينما احتفى المؤلف، في موضع آخر من الكتاب، بالمؤتمر الإسلامي، الذي عُقد في جروزني، (آب/ أغسطس 2016)، حيث اعتبر "السلفيين"، بكل فصائلهم، "ليسوا من أهل السُنَّة والجماعة"!
حملت خاتمة الكتاب توصيات قيِّمة، قدمها المؤلف للجهات الروسية، المعنية بمواجهة تيارات "الإسلام الراديكالي"، من خلال "سياسة اجتماعية، واقتصادية مدروسة، تُحقق للشباب الذات، على المستوى الاجتماعي، والمادي، والروحي، والقضاء على العوامل المساعدة في انتشار هذا الفكر، "كتعسف المسؤولين؛ والفساد؛ وحالات الانتهاكات الجسيمة..".
ما تم عرضه في السطور السابقة، قليل من كثير تضمنه الكتاب، صغير الجحم، عظيم الفائدة، والفريد في مجاله، ما يستلزم على كل مهتم بالشأن الإسلامي أن يقرأه؛ فالكتاب يفتح بابًا للحوار، حول التجربة الإسلامية في روسيا، وإن كان الكتاب قد عرض وجهة نظر الروس، فإن خلو المكتبة العربية من كتاب إسلامي، يناقش، بموضوعية، تلك التجربة، هو تقصير من المسلمين، يجب تداركه.
الأسباب البعيدة والمباشرة لغزو العراق.. شهادة دبلوماسي مصري
كتاب يوثق للدور السوفييتي في نشأة دولة الاحتلال بفلسطين
الأديان والفنون الجميلة بين الإنكار والتوظيف والتشجيع في كتاب