قرار الرئيس التونسي بحل البرلمان لا يوجد نص دستوري أو قانوني يبرره، فقد نص الفصل 80 من الدستور التونسي، على أنه من حق رئيس الجمهورية «فى حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التى تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير فى بيان إلى الشعب. ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة فى أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب فى حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفى هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب».
واعتبر الرئيس أداء البرلمان- وخاصة نواب النهضة- يمثل خطرا داهما على البلاد، مما استوجب قراراته الاستثنائية بإعفاء الحكومة وتجميد عمل البرلمان.
ولم يعط الدستور التونسي لرئيس الجمهورية الحق فى حل البرلمان وهو أمر جيد، ولكنه لم يعط الشعب الحق فى أن يستفتى على سحب الثقة من البرلمان وهو كارثة، ولنا أن نتصور لو كان الدستور التونسى نص على أن من حق الرئيس أن يدعو الشعب للاستفتاء على سحب الثقة من البرلمان لكانت النتيجة بأغلبية كبيرة مع سحب الثقة، ولم يكن قيس سعيد فى حاجة من الأصل لاتخاذ قرارات استثنائية بدأت بتجميد عمل البرلمان وانتهت بحله.
والواضح أن الوثيقة الدستورية التونسية كانت فى الباب الرابع الخاص بالسلطة التنفيذية رد فعل لمناخ الخوف من عودة الاستبداد، وهو تخوف مشروع وقتها، ولكنه لم ير مخاطر بناء نظام مختلط أقرب للبرلماني، بلا رأس وغير قادر على الإنجاز، ويعيش على المعارك الصغيرة ودون أى قدرة على التنمية السياسية والاقتصادية، واقتسم صلاحيات السلطة التنفيذية بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، فأنتج نظاما غير قادر على العمل والإنجاز. والحقيقة أن قرار الرئيس سعيد بحل البرلمان جاء بعد أن خالف عدد من أعضاء البرلمان (116 عضوا من أصل217) قراره الأول بالتجميد، وعقدوا جلسوا غير قانونية أعلنوا فيها إلغاءهم لقرارات الرئيس، فما كان منه إلا أن أصدر قرارا شرعيته سياسية وليست قانونية بحل البرلمان.
وقد دعم قرار الرئيس المنظمة النقابية الأكبر فى البلاد وهى الاتحاد التونسي للشغل، وعدد من الأحزاب والقوى السياسية، فى حين عارضته حركة النهضة والتيار الديمقراطى، وطالبته القوى المؤيدة بضرورة الحوار مع القوى السياسية والنقابات والمجتمع المدنى وعدم الاكتفاء بنتائج «الاستشارات الوطنية» عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتى شارك فيها نصف مليون شخص فقط.
تجربة الرئيس التونسى فى مفترق الطرق فإما سينجح بمشاركة قوى سياسية ونقابية فى تأسيس نظام رئاسى ديمقراطى، أو يتعثر إذا انفرد باتخاذ القرارات بعيدا عن شركائه الذين دعموه.