نقلت تركيا ملف قضية الصحفي جمال خاشقجي إلى السعودية، بالتزامن مع مساعي أنقرة لإصلاح العلاقات "الفاترة" مع المملكة، ما يثير التساءلات حول أسباب هذا التحول التركي تجاه ملف تمسكت به في الساحة الدولية.
وبعد طلب الادعاء العام التركي لمحكمة تركية بوقف المحاكمة ونقل ملف القضية إلى السعودية، ردت وزارة العدل التركية بعدم اعتراضها على هذا الطلب، وأبلغت بعدم وجود أي اتفاق ثنائي يكون كلا البلدين طرفا فيه في ما يخص نقل القضايا الجنائية.
وأوضحت أن المادة 23 المعنونة بـ"نقل التحقيق أو المقاضاة" من القانون رقم 6706، تنص على أنه "في حالة عدم وجود اتفاقية دولية، فإنه يجوز نقل التحقيقات أو الملاحقات القضائية".
وأردفت: "تنص المادة 24 من القانون المذكور على إمكانية نقل التحقيقات والملاحقات القضائية للجرائم التي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن لمدة عام أو أكثر في حال لا يمكن فيها للمتهم التواجد في تركيا لكونه مواطن دولة أجنبية أو لا يمكن الحصول على دفاعه من خلال المساعدة القانونية".
وقالت إنه "تم استيفاء الشروط المنصوص عليها في المادة 24 من القانون رقم 6706، وفي هذا الصدد، تعتبر الوزارة نقل القضية إلى السلطات القضائية السعودية مناسبا".
واعتبرت أنييس كالامار الأمينة العامة لمنظمة العفو في بيان، القرار التركي "نهارا مظلما لمن أمضوا أكثر من ثلاث سنوات يناضلون من أجل العدالة لمقتل خاشقجي"، مشيرة إلى أن "تركيا بنقلها الملف فإنها سترسله عن علم وبشكل طوعي إلى أيدي من يتحملون مسؤولية قتله".
اقرأ أيضا: العدل التركية لم تعترض على نقل قضية خاشقجي إلى السعودية
وبداية العام الجاري، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن نيته زيارة السعودية في شباط/ فبراير الماضي، لكن هذه الزيارة لم تتحقق، لتعلن وسائل إعلام تركية عزمه على زيارتها في رمضان، بهدف تحسين العلاقات بين البلدين.
الكاتب التركي سادات إرغين، في تقرير على صحيفة "حرييت" أشار إلى أن ملف قضية خاشقجي يعد عقبة في تحسين العلاقات بين البلدين.
ونوه إلى أن زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إلى الرياض في أيار/ مايو من العام الماضي، والتي كان هدفها تجاوز الإشكاليات بين أنقرة ورياض، بالإضافة إلى الزيارة التي أعلن عنها أردوغان إلى السعودية ولم تتم.
وأضاف أن رد الفعل التركي القاسي على حكومة السعودية بعد جريمة القتل التي ارتُكبت على أراضيها، وفضح مسؤولية هذا البلد في المجتمع الدولي من خلال الكشف عن الأدلة، دفع العلاقات إلى أزمة كبرى.
وذكر أنه من النتائج الملموسة للموقف التركي، أن السعودية اضطرت لمحاكمة بعض الشخصيات المسؤولة عن قتل خاشقجي، وحكم على خمسة منهم بالإعدام، وتم التخفيض لاحقا إلى السجن لمدة 20 عاما، بعد دفع الديّة لعائلة خاشقجي.
وأضاف أنه رغم أن عدد من الجناة والشخصيات الرئيسية بالجريمة لم تتم محاكمتهم، لكن محاكمة السعودية لمجموعة من المسؤولين عنها، يعتبر إقرارا بحقيقة أن هذه الجريمة ارتكبت بالفعل من قبل مسؤولين حكوميين بالسعودية.
ورغم ذلك، فقد اتبعت تركيا مسارا آخر، تم رفع قضية ضد 26 شخصا في لائحتي اتهام من الادعاء العام التركي في إسطنبول، بينهم مسؤولين مقربين من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
مقاطعة اقتصادية غير معلنة
وبسبب الموقف التركي على الساحة الدولية، على جريمة قتل حدثت في أراضيها، قامت السعودية بتفعيل عقوبات اقتصادية ضد تركيا، من خلال مقاطعة المنتجات التركية تدريجيا، حيث انخفضت صادرات تركيا إلى السعودية، التي بلغت 3 مليارات و 292 مليون دولار في عام 2019، إلى مليارين و 379 مليون دولار في عام 2020. ثم في عام 2021 انخفض بشكل حاد إلى 186 مليون دولار.
اقرأ أيضا: "أمنستي" تندد بعزم تركيا نقل ملف قضية خاشقجي إلى السعودية
ولم تشمل العقوبات فقط قطاع المصدرين الأتراك، بل أيضا قطاع المقاولين، وبحسب أرقام نقابة المقاولين الأتراك، ووفقا لأرقام جمعية المقاولين الأتراك، بينما قامت الشركات التركية بتنفيذ ما مجموعه 3 مليارات و43 مليون دولار من المشاريع في المملكة عام 2018، انخفض هذا الرقم فجأة إلى 559 مليون دولار في عام 2019، ليصل في عام 2020 إلى 21 مليون دولار.
وقال الكاتب التركي، إنه بالنظر إلى هذه التطورات في مجالي التجارة والمقاولات، فمن الممكن القول إنه "يدا" في السعودية ضغطت على الزر لإقامة جدار أمام المصالح الاقتصادية لتركيا.
تحدي تركيا في شرق المتوسط
وبحسب الكاتب فإن البلدين واجها بعضهمها البعض في مناطق الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وكانت المنطقة مسرحا للمواجهة بين تركيا وقطر من جهة، والإمارات والسعودية ومصر من جهة أخرى، ويعد ظهور هذا الوضع مع الانقلاب في مصر عام 2013.
ومؤخرا اتخذت السعودية أيضا مسرحا جديدا في مواجهة تركيا، وهي منطقة شرق المتوسط ودخلت في تحركات ضد المصالح التركية هناك بحسب الكاتب الذي أشار إلى أن وصول المقاتلات "إف15" السعودية إلى جزيرة كريت والمشاركة في مناورات مع اليونان كان تحديا واضحا من المملكة.
وفي الوقت ذاته، فإن التغييرات الجذرية التي حدثت في الشرق الأوسط مؤخرا قد هزت بشكل كبير الأرضية الجيوسياسية التي تقوم عليها المواجهة بين البلدين.
تشاووش أوغلو: تعاون قضائي
والخميس الماضي، أوضح وزير الخارجية التركي، خلال لقاء تلفزيوني، أن بلاده اتخذت خطوات مهمة في سبيل تطبيع العلاقات مع السعودية.
وأضاف: "وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان سيزور تركيا، لكن لم يتم التخطيط لهذه الزيارة بعد، بسبب الزخم الموجود في الحراك السياسي".
وأكد "وجود خطوات مهمة من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين"، لافتا إلى "التعاون القضائي بين البلدين".
ورأى الكاتب التركي أنه يمكن اعتبار قرار الادعاء العام التركي بوقف المحاكمة ونقل الملف إلى السعودية بذات اليوم، خطوة تتماشى مع تصريحات تشاووش أوغلو.
هل نتوقع العدالة من القضاء السعودي؟
وأوضح الكاتب التركي أنه مع نقل ملف القضية إلى السعودية، تقع مسؤولية إظهار العدالة في مقتل جمال خاشقجي مرة أخرى في أيدي السلطات القضائية في المملكة.
اقرأ أيضا: تعليق حاد لخطبية خاشقجي على طلب تسليم قضيته للسعودية
وأضاف أنه يمكن تذكر أنه عندما أعلنت المحكمة في السعودية قرارا بشأن عقوبة الإعدام لخمسة متهمين، وسجن ثلاثة متهمين آخرين في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2019، فإن هذا القرار قوبل برد فعل حاد من أنقرة.
وأعلنت وزارة الخارجية التركية في اليوم ذاته أن "هذا القرار بعيد كل البعد عن تلبية توقعات كل من تركيا والمجتمع الدولي، للكشف عن جميع جوانب جريمة القتل وإظهار العدالة".
وقالت الخارجية التركية: "إن بقاء النقاط المهمة في طي الكتمان مثل مصير جثمان المرحوم خاشقجي، وتحديد المحرضين على قتله والمتعاونين المحليين إن وجدوا، هو قصور أساسي من جهة تجلّي العدالة ومبدأ المساءلة".
وعّلق الكاتب التركي متسائلا: "والآن بعد نقل الملف إلى السعودية، فهل هناك من يظن أن الأمور المذكورة في بيان وزارة الخارجية، ستنكشف وتتجلى العدالة؟".
ورأى أنه "حتى لو بدأت العلاقات بين البلدين بالتحسن على المستوى الرسمي، فإن ظل جريمة القتل هذه لن يزول بسهولة عن العلاقات".
"ما يسمى بالمقاضاة" بالسعودية
الكاتب التركي فهمي كورو، أعرب عن دهشته من الموقف الرسمي التركي، والتحول إزاء ملف قضية الصحفي خاشقجي.
وذكر أن تحويل المجرمين الذين جاؤوا إلى تركيا لاغتيال جمال خاشقجي بأساليب وحشية، ولجأوا إلى طرق غير معقولة لإخفاء جثته، إلى قضاء بلادهم بدلا من مواصلة القضية المرفوعة بإسطنبول لا يمكن تقبله.
وأشار إلى أن اهتمام الرأي العام العالمي بقضية خاشقجي جاء بجهود تركيا، وكان من الممكن أن يفلت القتلة الذين فعلوا ذلك من العقاب، لكن السلطات التركية لم تسمح بذلك حيث قامت من البداية بمتابعة الجريمة، وتم تبادل الأدلة مع العالم كله.
وأضاف أنه عندما تحولت العملية التي بدأت بحقيقة أن تركيا كدولة وشعب حافظت على ملف قضية خاشقجي، وبذلت الجهود لضمات معاقبة القتلة، فإنه لم يعد بإمكان الدولة المتهمة بالقتل الصمت، وقامت بإجراء المحاكمات.
وتابع بأنه من الأصح ذكر ما جرى بالسعودية بـ"ما يسمى بالمقاضاة"، وبينما تمت تبرئة الأشخاص الرئيسيين بالجريمة، فإنه حكم على أشخاص غير مهمين بفريق الإعدام، وبعد بضعة أشهر تم تخفيف عقوبتهم، ولم تبد المحكمة السعودية أي اهتمام تجاه من كلف فريق الإعدام بالجريمة.
تغيير جذري يصعب فهمه
وقال إنه بعد سنوات من قضية الاغتيال، حيث نشرت آلاف المقالات وعشرات الكتب وعشرات الأفلام الوثائقية حول الموضوع، فقد غيرت تركيا موقفها فجأة.
وتابع قائلا: "السياسيون يغيرون مواقفهم، والحكومات تغير سياساتها، ونحن معتادون على ذلك، ولكن هذه المرة هناك تغيير سريع وغير عادي.. والأهم من ذلك، أنه من غير الواضح أيضا سبب الحاجة إلى مثل هذا التراجع الصعب، لا يوجد سبب آخر سوى أنه ’حان الوقت لصنع السلام مع السعودية‘".
وأكد أن التغيير في موقف البلاد الذي أظهرته في جريمة مقتل خاشقجي، على وشك أن يتحول إلى ردود فعل غاضبة ضد تركيا على الساحة الدولية، لأن هناك صعوبة في فهم هذا التغيير الجذري.
العدل التركية: سنبدي رأيا إيجابيا بنقل قضية خاشقجي للسعودية
تعليق حاد لخطبية خاشقجي على طلب تسليم قضيته للسعودية
أمريكا تعرض على أنقرة تسليم "أس 400" لأوكرانيا.. ما المقابل؟