قضايا وآراء

فلسطين.. المخاوف من تصعيد العدوان لا تمنعه

1300x600

معضلة العقل الرسمي العربي المدجن، أنه استسهل العبارات الإسرائيلية وذرائعها لتبرير سياسة العدوان، وأخذ العمل بها منذ وقت طويل باستخدام عبارة "وقف التصعيد" التي يقصد من خلفها مقاومة الفلسطينيين لسياسة الاحتلال ومواجهة عدوانه، والرسائل الإسرائيلية للسياسة العربية المُروضة أمريكيا وإسرائيلياً والمطبعة معها، تنظر لعمليات مقاومة الفلسطينيين الأخيرة بعين إسرائيلية في بئر السبع والخضيرة وبني براك بالقرب من "تل أبيب" الإسرائيلية، وتفرض على السياسة الفلسطينية والعربية الاستجدائية مزيدا من الانهيارات تحت مسميات الاعتدال و"محاربة الإرهاب".

في جولة التصعيد الأخيرة، التي كانت رداً طبيعيا على سياسات العدوان على الأرض والشعب الفلسطيني، إن كان في الداخل المحتل عام 48، في الخضيرة وبئر السبع وتل أبيب، والتي لخصها مراقبون على أنها صفعة قوية "لقمة النقب" المخزية بين المؤسسة الصهيونية وأطراف عربية مطبعة، وما أعقب ذلك من جرائم الاغتيال الميداني لكوادر ونشطاء فلسطينيين في جنين واقتحام المدن والقرى الفلسطينية بشكل متكرر، لوحظ نشاط وجهود عربية من القاهرة وعمان باتجاه تل أبيب ورام الله لمحاصرة ردود الفعل الفلسطينية.. أولاً حسب البيانات الصادرة من الديوان الملكي الأردني "ضرورة وقف أية أعمال من شأنها أن تحدث عنفاً وتؤجج الصراع، وتؤدي إلى تقويض فرص تحقيق السلام"، والدعوة "إلى تهدئة شاملة تمنع التصعيد، وإلى منح التسهيلات للمصلين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان"، و"العمل مع جميع الأطراف لتفادي أي تصعيد من شأنه إضعاف فرص إحلال السلام والتأثير سلباً على جهود تحقيقه".

الرسائل المصرية بالاتجاه الفلسطيني غير بعيدة عن العناوين الأردنية، وفي الاتجاهين تستند النصوص والرسائل العربية في الملف الفلسطيني للرؤية الأمنية الإسرائيلية، حتى لو تزينت بعبارات الحفاظ على فرص السلام غير الموجود بالأساس وغير المرتبط مع أي حرف من بنود أي اتفاق ومتحلل من أي روابط مع القانون الدولي والإنساني بما يخص الأراضي الفلسطينية المحتلة وسلوك المؤسسة الصهيونية فيها وعليها، نسف منذ أكثر من ربع قرن الأوهام التي تكررها سياسة التدجين العربي نحو الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم.

 

الرسائل الإسرائيلية للسياسة العربية المُروضة أمريكيا وإسرائيلياً والمطبعة معها، تنظر لعمليات مقاومة الفلسطينيين الأخيرة بعين إسرائيلية في بئر السبع والخضيرة وبني براك بالقرب من "تل أبيب" الإسرائيلية، وتفرض على السياسة الفلسطينية والعربية الاستجدائية مزيدا من الانهيارات تحت مسميات الاعتدال و"محاربة الإرهاب".

 



لم تمض ساعات على صدور البيانات العربية التي تؤكد حرصها على الحفاظ على فرص السلام، حتى بادر وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد إلى اقتحام باب العمود في القدس في ثاني أيام شهر رمضان برفقة عدد كبير من قوات الشرطة وحرس الحدود الصهيوني، واندلاع المواجهات مع المقدسيين، عدا عن خطط الاستيطان والاقتحام اليومي للقدس من غلاة المستوطنين واستمرار حصار غزة والتضييق على فلسطينيي الـ 48، وفي مدن الضفة، وانعدام أي أفق سياسي، إلا ما تراه المؤسسة الصهيونية من علو غطرستها نحو الشعب الفلسطيني، واستمرار الشرخ الفلسطيني والأداء الكارثي للسلطة الفلسطينية.

كل ذلك يجعل "إسرائيل" غير مستعجلة لأي طرح سياسي، مستغلةً الرغبة الجامحة والأبدية للسياسة الفلسطينية للتوصل لأي صيغة تفاهم مع الجانب الإسرائيلي بأي ثمن، في موازاة الامتعاض الرسمي الفلسطيني من عمليات الهرولة العربية نحو التطبيع مع إسرائيل، والتي من مهامها تزيين كل فعل صهيوني قبيح، فإننا لن نفاجأ بما سيجري في مقبل الأيام بسبب معرفتنا الطويلة بنهج وسلوك القيادة الفلسطينية، وبأهداف قوى التطبيع والاستبداد العربي، التي نزعت عن عوراتها آخر أوراق التوت في زمن الثورات العربية.

 

وفي زمن نضال الفلسطينيين المستمر في وجه المستعمر الصهيوني، يستدعي حجم الكارثة التي يقدم عليها زعماء أنظمة التصهين في تهديد وتوبيخ نضال الفلسطينيين، وحمل رسائل التحذير والوعيد للشعب الفلسطيني، ومد السجاد الأحمر لمجرمي حرب المؤسسة الاستعمارية الصهيونية في عواصم ومدن عربية، وعقد عشرات الاتفاقات التي تمنح إسرائيل قوة أمنية واقتصادية على شعب محتل، لن تزيل مخاوف التصعيد التي يخشى منها العقل الرسمي العربي المدجن بصهينة كاملة، والمتسلح بقبضة كاملة من التحالف مع إسرائيل، وفي مثل هذه الحال الشعب منتصر لا محالة مهما بدا الأفق بعيداً.