أثار حديث نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي، عن إفلاس الدولة والبنك المركزي ردود فعل صادمة في الأوساط السياسية والاقتصادية العربية.
وفجر حديث المسؤول اللبناني تساؤلات واسعة حول مستقبل بلدان عربية أخرى تعاني اقتصاديا وسياسيا وبينها اليمن التي تشهد أراضيها مواجهات عسكرية منذ العام 2015، والسودان التي تواجه اضطرابات سياسية، وتونس التي تعيش أزمة سياسية واقتصادية خانقة، وكذلك مصر التي تعاني أزمات خانقة.
خبراء، توقعوا سقوط مصر وبلدان عربية أخرى في فخ الإفلاس، بينهم الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب الذي تساءل: "هل بدأ مسلسل إفلاس الدول العربية؟"، مضيفا: "لبنان لن تكون الدولة العربية الأخيرة، إنها فقط البداية، وأخشى أن يليه إعلان إفلاس اليمن، ثم السودان، ثم تونس".
"على خطى لبنان"، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمود وهبه أن إفلاس مصر "مسأله وقت"، مضيفا عبر "فيسبوك"، أن "حكام الخليج وصندوق النقد يساعدون على التأجيل لأسابيع وشهور، وبالتأكيد يزيدون في التعقيد حتى يصبح الإفلاس حتميا".
"مؤشرات كارثية"
وفي مؤشر على خطورة الحالة المصرية، كشف البنك المركزي المصري الأحد الماضي، عن استمرار أزمة البلاد مع العملات الأجنبية، معلنا عن انخفاض حاد في صافي الأصول الأجنبية في شباط/ فبراير الماضي، وللشهر الخامس على التوالي.
وأظهرت بيانات المركزي المصري، أن صافي الأصول الأجنبية المصرية شهد تراجعا حادا، مسجلا انخفاضا بنحو 60 مليار جنيه مصري، ما يعادل (3.29 مليارات دولار)، منخفضا إلى سالب 50.3 مليار جنيه، من 186.3 مليار جنيه هي قيمة صافي الأصول الأجنبية في نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، وذلك للمرة الأولى منذ العام 2017.
إعلان المركزي المصري جاء قبل يوم واحد من إعلان إفلاس لبنان ومصرفها المركزي رسميا، ما يثير المخاوف على الاقتصاد المصري الذي يعاني مع الديون الخارجية (أكثر من 150 مليار دولار)، وفق مراقبين.
وأكد الخبير الاقتصادي المصري ممدوح الولي، 3 نيسان/ أبريل الجاري، أن الدين الخارجي المصري يصل 145.5 مليار دولار بنهاية العام الماضي، لافتا في ذلك إلى بيانات حكومية.
لكن الولي، قال عبر "فيسبوك"، إن "رقم الـ 145.5 مليار دولار للدين الخارجي، جاء قبل طرح سندات الساموراي البالغ قيمتها نصف مليار دولار، وقبل وديعة السعودية البالغة 5 مليارات دولار، وقروض أخرى من بنوك إقليمية مثل بنك الاستثمار الأوروبي ودول مثل فرنسا بالربع الأول من العام الحالي".
وأوضح أن "هذا يعني تجاوز الدين الخارجي حاليا الـ151 مليار دولار، انتظارا للقرض الجديد من صندوق النقد الدولي، والذي لم تتحدد قيمته بعد, والوديعة الكويتية المرتقبة".
"تحذير سابق"
وحذر تقرير نشره "مشروع الديمقراطية للشرق الأوسط" (بوميد)، من تكرار السيناريو اللبناني بمصر، ومن العواقب المدمرة للانهيار الاقتصادي للقاهرة، وصف فيه مصر بعهد عبد الفتاح السيسي بـ"الدولة المتسولة".
التقرير المنشور 7 كانون الثاني/ يناير 2022، جاء بعنوان: "إذا كنت تريد معرفة حال مصر في عهد السيسي تتبع الشؤون المالية"، ورصد فيه الكاتب حالة البذخ التي يعيشها النظام بمقابل الفقر المدقع الذي يعانيه الشعب.
ولفت التقرير إلى أن "المصريين يعانون من ركود الأجور وارتفاع الأسعار والبطالة المرتفعة، حيث يعيش حوالي 30 مليون مواطن على دخل يقل عن 3.20 دولارات في اليوم".
وخلص إلى القول: "هناك أوجه تشابه ملحوظة بين الاقتصاد اللبناني الفاشل الآن بشكل مريع والاقتصاد المصري المتعثر"، مؤكدا أن "العواقب المدمرة للانهيار الاقتصادي في لبنان ستكون أسوأ إذا تكررت على نطاق مصري".
وفي تحليل، نشرته وكالة (رويترز)، الأحد الماضي، قال إن "تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا دفعت بلدانا من أفقر دول العالم إلى أزمات شاملة، وكشفت عن قائمة الدول المعرضة للخطر، وأيضا قائمة الانتظار عند باب صندوق النقد الدولي".
وأشارت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز والمواد الغذائية الأساسية، مثل القمح والذرة، بين 25 و40 بالمئة هذا العام، ووضعت عدة دول تحت ضغط شديد.
وأضاف التحليل: "التكاليف المتزايدة للواردات والدعم لتلك الضروريات اليومية دفعت القاهرة لخفض قيمة عملتها بنسبة 15 بالمئة، وطلب مساعدة صندوق النقد الدولي".
ووجهت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، تحذيرا صارخا من أن "الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في إفريقيا"، معربة عن مخاوفها من تفاقم الأوضاع في مصر.
وقال البنك الدولي، إن عشرات من أفقر دول العالم قد تتخلف الآن عن سداد ديونها خلال العام المقبل، وهو ما سيكون "أكبر موجة من أزمات الديون في الاقتصادات النامية خلال جيل واحد".
"محاولات إنقاذ"
ويواجه اقتصاد مصر تبعات سلبية نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت 24 فبراير/ شباط 2022، وسحب مستثمرون أجانب نحو 15 مليار دولار من أسواق أدوات الخزانة المصرية، وفق ما نقله موقع "بلومبرغ"، عن بنك "جولدن مان ساكس"، 21 مارس/ آذار 2022.
تلك الأوضاع دفعت الحكومة المصرية في 21 مارس/ آذار 2022، لرفع سعر الفائدة بنسبة 1 بالمئة، وخفض قيمة عملتها المحلية بحوالي 14 بالمئة، والدخول في محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض محتمل ما بين 8 و10 مليارات دولار.
وفي ظل تفاقم الأزمة المصرية واتساع عجز الحساب الجاري مع ارتفاع تكاليف الواردات وتضاؤل عائدات السياحة، وفي محاولة لإنقاذ نظام السيسي وفق مراقبين، خصصت دول الخليج العربية ما يصل إلى 22 مليار دولار لمصر لمساعدتها في التغلب على أزمة العملة الأجنبية في ثالث إنقاذ من نوعه خلال عقد من الزمن.
وفي 30 آذار/ مارس 2022، أودعت السعودية وديعة بقيمة 5 مليارات دولار، لدى البنك المركزي المصري، فيما اتفق صندوق مصر السيادي وصندوق الاستثمارات السعودي، على استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار بمجالات التعليم والصحة والزراعة والقطاعات المالية.
وقبلها بيوم وفي 29 آذار/ مارس 2022، أعلنت قطر عن استثمارات بنحو 5 مليارات دولار في مصر، وذلك بعد أن أعلنت الإمارات في 22 آذار/ مارس 2022، عن صفقة استحواذ مالي على 5 شركات مصرية بتمويل يبلغ 2 مليار دولار.
وقال محللون في تقرير لـ"رويترز" 4 نيسان/ أبريل 2022، وبرغم الدعم الخليجي فإن العملة المصرية قد تتعرض لمزيد من الضغوط حيث يؤدي ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية إلى زيادة التضخم، مما يزيد من الضغط على الجنيه.
"أشد خطورة"
وحول أسباب إفلاس لبنان، ومدى انطباقها على أوضاع مصر المالية والاقتصادية، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور أحمد ذكر الله: "لبنان دولة تعتمد على السياحة واقتصادها غير ريعي أو إنتاجي، وتعتمد على مساعدات دول الخليج التي أدى توقفها لخلافات سياسية أدت إلى هذا السقوط".
أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر، أكد لـ"عربي21"، أن "ما حدث كان متوقعا من انخفاض حاد ومتوال في قيمة العملة، واختفاء بعض السلع الأساسية والأدوية، وتجميد البنك المركزي للودائع، وجميعها إرهاصات لما حدث من إفلاس".
وبشأن احتمالات انزلاق مصر في هذا الفخ، يرى الخبير واستشاري التدريب ودراسات الجدوى، أن "الاقتصاد المصري يختلف كثيرا عن اللبناني، حيث أن وضعه أشد خطورة، لأنه يعتمد في استقراره على الأموال الساخنة والتي سُحبت من مصر بالأشهر الأخيرة ولذلك فإن الحكومة قامت بخفض قيمة العملة في خفض لن يكون الأخير".
وعن خطورة النموذج المصري خاصة أن المركزي المصري كشف الأحد الماضي، أن صافي الأصول الأجنبية لديه بسالب ٥٠ مليار دولار في شباط/ فبراير الماضي، أشار ذكر الله، إلى وجود "خطورة كبيرة على الدولة المصرية".
وأكد أن أمامها "مسارات إجبارية سواء في بيع وخصخصة ما تبقى من شركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، أو الاقتراض الخارجي، واتباع سياسات تقشف محلية، في مسارات تطبق في وقت واحد، خاصة ببيع الأصول السيادية لجهات أجنبية وعربية بصورة متسارعة".
ويعتقد الخبير الاقتصادي أن "الاقتصاد المصري على موعد مع صعوبات جديدة مع ارتفاع أسعار الفائدة المتوقع رفعها مجددا بأمريكا، وبالتالي انسحاب جزء من الأموال الساخنة من السوق المصرية".
"سيناريو مستبعد"
وعلى الجانب الآخر، استبعد الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي المصري محمد الحويطي، وقوع مصر في فخ الإفلاس، مؤكدا أن الوضع اللبناني مختلف لأن بيروت لديها مشكلة بإيرادات العملة الصعبة وظروفها سياسيا واقتصاديا صعبة، وهي أقرب للنموذج اليوناني الذي حدث قبل سنوات.
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "النموذج المصري مختلف تماما"، مستبعدا حدوث ما جرى في لبنان بمصر.
وقلل الحويطي، من خطورة إعلان المركزي المصري أن الأرصدة الأجنبية لديه بالسالب، مبينا أن "هذا الأمر حدث بالعام 2016، وبأعوام سابقة، وليس معناه أن مصر ليس لديها دولارات، ولكن الأمر هنا هو الفرق بين متطلبات البلاد وما لديها من عملات".
وتابع: "هذا الموقف متغير ولن يستمر هذا العجز لأن أي بيع بالدولار معناه أن يتحول الموقف من السالب للموجب، وهي مسألة غير مزعجة لأن أي وديعة دولارية من الدول الصديقة والمانحة تغير الموقف، خاصة وأن الديون المصرية مرتبطة بآجال تصل لـ30 سنة وليس مطلوبة جميعها الآن".
"أخطاء وحلول"
وكتب السفير فوزي العشماوي روشتة عن هروب مصر من المصير اللبناني، قائلا: "نحن أبعد ما يكون عن نموذج لبنان إذا انتهجنا مسارا مختلفا، وأولويات إنتاجية استثمارية، وفتحنا الأبواب للقطاع الخاص والاستثمارات الحقيقية المنتجة، وأوكلنا السياسة الاقتصادية للخبراء المحترفين".
وأضاف: نحن أقرب ما نكون لنموذج لبنان "إذا استمرت أولوياتنا مركزة في الاستدانة للإنفاق غير المنتج، وواصلنا الإنفاق على العقار والمشروعات غير العاجلة أو الضرورية، وتوسعنا بالاستدانة، وظلت الأموال الساخنة هدفنا وغايتنا، واستمر ذات المسؤولين عن الأزمة مسؤولون عن الإصلاح".
اتهامات للسعودية بتعطيل اتفاقية الغاز بين مصر ولبنان
ميقاتي: لا نملك خيارا سوى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي
مصر تبيع أصولا حكومية للإمارات.. ما هي الدوافع؟