صحافة دولية

فورين أفيرز: ما هي القوى المتصارعة لخلافة بوتين؟

النهاية الحتمية لحكم بوتين لحظة غير مؤكدة وخطيرة بالنسبة لروسيا - جيتي

نشرت مجلة "فورين أفيرز" تقريرا تحدثت فيه عن العديد من القوى التي من الممكن أن تسيطر على الحكم في روسيا في حال تنحي أو وفاة الرئيس بوتين.

وقالت المجلة، في تقرير للكاتب بريان تايلور، ترجمته "عربي21"، إن سخرية بايدن قد عززت قناعة البعض في واشنطن بأن أبسط طريقة لإنهاء حرب عدوان بوتين في أوكرانيا هي إنهاء قبضته على السلطة، وهو ما أكده السيناتور ليندسي جراهام، في تغريدة له على تويتر قائلا إن "الطريقة الوحيدة التي ينتهي بها هذا الأمر تتمثل في قيام شخص ما في روسيا بإخراج هذا الرجل".

وأوضحت المجلة أنه بعيدا عن حدث تحقيق الاستقرار في أوكرانيا، فستكون النهاية الحتمية لحكم بوتين لحظة غير مؤكدة وخطيرة على الأرجح بالنسبة لروسيا؛ فعلى مدى العقدين الماضيين، احتفظ بوتين بالسلطة من خلال إضعاف القواعد والمؤسسات الرسمية للبلاد وإزالة الحواجز التي من شأنها أن تضمن انتقالا منظما للسلطة. ونتيجة لذلك؛ فإن مجموعة السيناريوهات والصراعات المعقولة لما سيحدث إذا ما تُوفي أو ترك منصبه أوسع بكثير مما لو كان زعيم أمريكي أو حتى زعيم صيني نفس الشيء.

وعلى الرغم من أن الدستور الروسي ينص على عملية انتخاب زعيم جديد، إلا أنه من الناحية العملية، من المرجح أن يتم تحديد الرئيس الروسي القادم من خلال صراع بين النخب، فمن خلال بناء أوتوقراطية شخصية للغاية، جعل بوتين من المستحيل التنبؤ بما سيحدث عندما يحدث أمر لا مفر منه.

وبينت المجلة أنه من الناحية القانونية؛ إذا ما ترك بوتين منصبه بشكل غير متوقع أو أنه لم يعد قادرا على أداء واجباته، يصبح رئيس الوزراء رئيسا بالوكالة لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر أثناء الانتخابات، وعلى الرغم من أن روسيا ليست دولة ديمقراطية، إلا أن الانتخابات هناك لا تزال تحمل وزنا إجرائيا رسميا.

ونظرا لأن البلاد قد مرت بما يقرب من ثلاثة عقود من الانتخابات المنتظمة منذ عام 1993، فقد أصبحت هذه الأصوات أكثر زيفا في ظل حكم بوتين الذي يحدد مع مجموعة صغيرة من النخب المترشح للمنصب، أو المتحصل على دعم الكرملين.

وفي حالة وفاة بوتين أو ترك منصبه بشكل غير متوقع، ستكون التحالفات بين النخب بنفس أهمية القواعد الرسمية في تحديد من سيخلفه، ومن المرجح أن يكون رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين رئيسا بالنيابة، ليكون بذلك أمام مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي أسبوعان لجدولة الانتخابات، وخلال ذلك الوقت، ستندلع معركة شرسة خلف الكواليس لتحديد مرشح توافقي من بين اللاعبين الرئيسيين الذين يشكلون فريق بوتين، وبالتالي، فإن الهدف الأساسي للاستبداد الانتخابي يتمثل في معرفة الفائز مسبقًا.

وبصفته الرئيس الحالي - وإن كان بالإنابة - سيكون لدى ميشوستين الذي حصل على معدلات قبول عالية باستمرار، حتى قبل أن تتسبب الحرب في أوكرانيا في ارتفاع عدد مؤيديه، ميزة كبيرة في صراع الخلافة هذا. وقد عينه بوتين رئيسا للوزراء في يناير/كانون الثاني 2020، بعد أن كان رئيس دائرة الضرائب الفيدرالية في روسيا.

 

اقرأ أيضا: محادثات بألمانيا لتسليح كييف.. وروسيا تحاصر الشرق الأوكراني

ووفقا للمحللة الروسية تاتيانا ستانوفايا، فقد تم تكليفه بالإشراف على القضايا الاقتصادية وتحسين كفاءة الحكومة، لكنه أقام علاقات مع المطلعين الرئيسيين الآخرين، مما زاد من ثقله السياسي.

ونظرا لافتقاره إلى الكاريزما السياسية، يأمل الموالون الآخرون لبوتين في السيطرة عليه كرئيس، تماما كما جعلته قلة خبرته محببا لبعض الأوليغارشية والمسؤولين الذين اعتقدوا خطأ أنهم يستطيعون السيطرة عليه.

ولكن الشيء الوحيد الذي قد ينجح ضد ميشوستين، البالغ من العمر 56 عاما، هو سنه الصغير نسبيا؛ حيث يفضل الكثيرون رئيسا أصغر سنا وأكثر طموحا.

وتشير المجلة إلى أن فوز ميشوستين لن يضمن قدرته على تجميع التحالفات المنقسمة للكرملين؛ فعلى عكس معظم المقربين من بوتين، فهو ليس من قدامى المحاربين في المخابرات السوفيتية ولا من مواليد سان بطرسبرغ، وقد يخشى أعضاء مخيمات النخبة من سعيه وراء أخذ قوتهم وثروتهم تماما كما فعل بوتين لبعض شركاء يلتسين البارزين بعد توليه السلطة.

ونتيجة لذلك، قد يكافح ميشوستين من أجل تعزيز سلطته، تاركًا الباب مفتوحًا أمام إمكانية وجود تحديات انتخابية أو حتى خارجة عن القانون؛ وهو ما لن يؤدي إلى استقرار روسيا.

هل ترقى إلى مستوى التحدي؟

ولفتت المجلة إلى أنه على الرغم من أن ميشوستين يُعد صاحب اليد العليا في مسألة التدافع لخلافة بوتين هذه، إلا أنه ليس المرشح الوحيد، حيث لا تملك روسيا أي سلسلة خلافة رسمية تتجاوز رئيس الوزراء، وهو ما يعد فجوة قانونية كبرى.

ولكن يأمل آخرون في كسب عدد كاف من الحلفاء للاستيلاء على الرئاسة مستعينين بمجلس الأمن للقيام بذلك.

وعلى الرغم من عدم وجود أي منهم في التسلسل الرسمي للخلافة، إلا أن المتنافسين المحتملين على المنصب الأعلى هم وزير الدفاع، سيرجي شويغو، والرئيس السابق ونائب الرئيس الحالي لمجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، ورئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين، وعمدة موسكو، سيرجي سوبيانين.

ونظرا لانقسامات النخبة الروسية وتراجع مستويات الدعم الشعبي الذي تتمتع به معظم هذه الشخصيات، فمن الصعب تخيل أن يتفوق أي منهم على ميشوستين في المناورة ليصبح المرشح الأكثر شعبية.

"على الأرجح، سيستنتج الجميع أن محاولة الفوز بالسلطة كانت مخاطرة كبيرة وأنه من الأفضل العيش للقتال في يوم آخر".

ومع ذلك، من المحتمل أن يتحدى أحدهم ميشوستين، إما في فترة الأسبوعين التي يتم خلالها تعيين مرشح الكرملين أو في الانتخابات الخاصة اللاحقة كمرشح مستقل.

وفي هذا السيناريو، سيكون لدى ميشوستين ميزة التحكم في الروافع الرئاسية للسلطة، بما في ذلك التلفزيون الحكومي ولجنة الانتخابات المركزية، ولكن إذا قرر شخص آخر من المقربين لبوتين يتمتع بمكانة وطنية التنافس علنا على السلطة، فسيشهد العالم انتخابات رئاسية روسية لم تُحسم نتائجها مسبقًا لم تُشهد منذ سنة 1996.

ورأت المجلة أن العديد من الوكالات الروسية تمتلك - نظريا - سلطة القيام بانقلاب، ولكن من الصعب تخيل قدرة أي شخص على حشد كل تلك القوات تحت راية واحدة، خاصة في زمن الحرب.

تاريخيا، بحسب المجلة، عمل القادة الروس بجد لتجنب المواقف التي يمكن فيها استخدام هذه القوات لموازنة بعضها البعض ماديا. وربما الأهم من ذلك؛ أن القادة العسكريين الروس يذعنون منذ فترة طويلة للنخب المدنية، فلقد مر قرنان منذ أن حاول الجيش الاستحواذ على السلطة عندما توفي حاكم في منصبه، ويبدو أن تكرار ثورة كانون الأول/ديسمبر 1825، التي انهارت بسرعة، أمر مستبعد للغاية في روسيا اليوم.

وتعتقد المجلة أن أحد السيناريوهات الأخيرة التي يمكن أن تقلل من عدم اليقين هو أن يقوم بوتين بمغادرة مخطط لها لأسباب صحية وتعيين خليفة له؛ حيث إن تنصيب خليفة مختار بعناية في رئاسة الوزراء قبل ترك منصبه سيسمح لبوتين بتوحيد مجموعات النخبة المتنافسة وبالتالي زيادة احتمالات الخلافة المنظمة، كما أنه سيكرر طريقه إلى الرئاسة.

وإذا اختار بوتين هذا الطريق، فليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأنه سيعين ميشوستين، الذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه تكنوقراط عندما تم تعيينه رئيسًا للوزراء.

عقب أخيل الأوتوقراط

وقالت المجلة إن من المدهش أن معظم الأنظمة الاستبدادية راسخة؛ فحتى بعد وفاة القادة الاستبداديين في فترة حكمهم، غالبا ما تستمر أنظمتهم لسنوات أو حتى عقود، فوفقا للعالمين السياسيين أندريا كيندال تيلور وإريكا فرانتز، اللذين قاما بتحليل جميع أحداث الخلافة في البلدان الاستبدادية بين سنتي 1946 و2012، فإن نسبة 87 بالمائة من الأنظمة الاستبدادية كانت لا تزال سارية بعد سنة واحدة من وفاة الزعيم، و76 بالمائة لا تزال قائمة بعد خمس سنوات.

 

وتابعت المجلة: لكن ليست كل أشكال الاستبداد دائمة بنفس القدر، فقد وجد كيندال تيلور وفرانتز أنه بالمقارنة مع الأنظمة الملكية وأنظمة الحزب الواحد والمجالس العسكرية، فإن الأنظمة الاستبدادية الشخصية مثل تلك التي بناها بوتين هي الأكثر عرضة لتغيير النظام.

ففي العديد من الحالات؛ انتقلت السلطة مباشرة إلى أحد أفراد الأسرة، مما ساعد على ضمان بقاء النظام. لكن في روسيا، لا تتحضر بنات بوتين لخلافة أبيهن. ولا تشجع وسائل الإعلام بشدة حتى على الحديث عنهن.

وهناك مصدر آخر لاستمرارية النظام وهو ميل الموالين للنظام للالتقاء بعد وفاة الزعيم لدرء المنافسين المحتملين وترسيخ سلطتهم وامتيازاتهم، وسيتم تحفيز المقربين من بوتين للقيام بذلك بعد رحيله، ولكن دون وجود خليفة له، فمن المحتمل أن يخضعوا للانقسامات بشكل خاص. 

ووفق المجلة فإن التاريخ الروسي الحديث يقدم بعض الأدلة على الشكل الذي قد يبدو عليه الأمر إذا خرجت الأمور عن مسارها، ففي سنة 1993؛ أسفر صراع على السلطة بين يلتسين والبرلمان السوفيتي عن أسبوعين من "السلطة المزدوجة" في روسيا والتي انتهت بالهجوم على البرلمان، وفي سنة 1999، تزامن انتقال السلطة من يلتسين إلى بوتين مع استئناف الحرب في منطقة الشيشان الانفصالية وسلسلة من التفجيرات الغامضة في مجمعات سكنية في موسكو أسفرت عن مقتل المئات.

وعندما اضطر بوتين إلى التنحي مؤقتا عن الرئاسة في سنة 2008 بسبب تحديد فترة الولاية، دبرت الفصائل المتنافسة اعتقال شخصيات رئيسية من صفوف بعضها البعض، وهو شكل من أشكال أخذ الرهائن السياسيين بهدف اكتساب النفوذ في صراع الخلافة. لهذا السبب، من المحتمل أن تكون انتقالات القيادة في روسيا شديدة الفوضى.


ورأت المجلة أنه سوف ينتهي حكم بوتين يوما ما وبطريقة ما، وعندما يأتي ذلك اليوم؛ سوف يسعى المقربون منه لترسيخ نظامه، وكما حذر بنجامين فرانكلين في سنة 1776: "يجب علينا جميعًا أن نتكاتف، أو سنعلق في مشكلة معا". لكن في بعض الأحيان، يفضل الأطراف الخاسرون من الصراع على السلطة القتال بدلاً من الاستسلام، وفي أغلب الأحيان يستعينون بالأسلحة الاقتصادية والسياسية، لكنهم في بعض الأحيان يستخدمون الدبابات والبنادق. وفي حالة وجود قوة نووية عظمى تشن حاليًا حربًا وحشية ضد ثاني أكبر دولة في أوروبا، فإن احتمال انهيار النظام يمثل سببًا للقلق العالمي.