سياسة تركية

عراقيل تواجه مخطط تركيا لإعادة مليون لاجئ سوري.. هذه أبرزها

من ضمن العراقيل الوضع الميداني غير المستقر في الشمال السوري- الأناضول

طغى الحديث عن مشروع إعادة أكثر مليون لاجئ سوري طوعاً إلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة على النقاش السياسي في تركيا، وسط تزايد الخطاب التحريضي على اللاجئين في تركيا مع اقتراب الانتخابات العامة والرئاسية المقررة في العام المقبل 2023.

فقبل أيام، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن تحضير بلاده لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم، موضحاً أن "المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، في 13 منطقة، على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق".
  
وبعدها، أكدت شبكة "CNN" التركية أن الأمم المتحدة بدأت بدراسة المشروع التركي، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة تخطط للمشاركة في إعادة اللاجئين، خاصة في ما يتعلق بالجانب المالي لإنشاء أكبر عدد ممكن من المنازل داخل الأراضي السورية الآمنة والخالية من الأعمال العسكرية.

وفي السياق ذاته، ذكرت وسائل إعلام بريطانية أن المشروع التركي سيحتاج إلى أموال كثيرة، ولذلك قد تساعد دول خليجية في تمويله، لا سيما بعد التقارب التركي السعودي.

لكن ثمة عراقيل كثيرة تعيق تنفيذ المشروع التركي، أهمها الوضع الميداني غير المستقر في الشمال السوري، وعدم توفر مقومات الحياة من فرص عمل في تلك المناطق، يضاف إليها ما يصفه البعض بـ"الفشل في إدارة المناطق المحررة"، وغيرها من المعوقات التي تحمل القسم الأكبر من اللاجئين على رفض العودة.

 

اقرأ أيضا: ما تفاصيل مشروع أردوغان لإعادة مليون لاجئ إلى سوريا؟

ويضع الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل المعراوي، المقيم في الشمال السوري، التحديات الأمنية على رأس الأسباب التي لا تساعد تركيا على إعادة مليون لاجئ إلى الشمال السوري، وخصوصا أن المناطق المحررة ما زالت تتعرض للقصف من روسيا والنظام ومن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فضلا عن العبوات الناسفة والمفخخات.

تصريحات ضبابية

ويصف في حديثه لـ"عربي21" التصريحات التركية عن المنطقة والبيئة الآمنة بـ"الضبابية"، ويقول: "لم تحدد مواصفاتها أو مساحتها، وهل ستكون بمظلة أممية أم بجهد مشترك مع الدول المتدخلة بالشأن السوري، وتحديداً مع روسيا".

وكانت تركيا قد دعت بعد نحو عام من اندلاع الثورة السورية إلى إنشاء مناطق آمنة، لاستيعاب النازحين، لكن غياب التوافق الدولي على ذلك عرقل ذلك، وعن ذلك يرى المعراوي، أن الظروف التي منعت إنشاء مناطق آمنة سابقاً، ما زالت موجودة، أي غياب التوافق الأمريكي الروسي، وربما استحالته حاليا بعد التوتر بينهما على خلفية الحرب في أوكرانيا.

ويلمح إلى وجود عقبات أخرى، متعلقة بالجانب الاقتصادي، مبيّنا أن تأمين مساكن لإسكان مليون لاجئ سوري يتطلب أموالاً ضخمة، وتمويلاً دوليا.


لكن التحدي الأهم من المساكن وتأمينها، هو تأمين فرص عمل للعائدين، والحديث للمعراوي، الذي أضاف: "هو تحد هام لأن المنطقة المحررة فقيرة بالموارد الطبيعية، ومستنزفة لأنها مكتظة بالسكان أساساً".

ويتفق مع المعراوي، عضو المكتب سياسي في حزب "اليسار الديمقراطي السوري"، زكي الدروبي، الذي يشير سواء إلى قصف قوات النظام وروسيا وحتى "قسد" لمناطق المعارضة، لافتاً إلى مقتل أكثر من جندي تركي في الشمال السوري مؤخراً.

ويلفت في حديثه لـ"عربي21" إلى تأكيد "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن شهر نيسان/ أبريل الماضي شهد ازدياداً ملحوظاً في وتيرة القصف المدفعي الذي نفذته قوات النظام السوري على منطقة إدلب مقارنة بفترات سابقة.

ويتساءل: هل هذه حالة يمكن الاعتماد عليها للقول بأن المنطقة أصبحت آمنة ويمكن إعادة اللاجئين إليها؟ ويضيف أن الحالة الأمنية تنعكس في عدم وجود مشروعات اقتصادية توفر فرص العمل لعشرات الآلاف من العاطلين عن العمل، حيث يعاني نحو خمسة ملايين نازح سوري في مناطق الشمال من فقر مدقع.

 

اقرأ أيضا: التحريض ضد اللاجئين بتركيا.. تغذية للكراهية لحسابات انتخابية

ويكمل الدروبي بقوله: "لا يوجد قرار دولي يحمي المنطقة التي تسمى منطقة آمنة، والتعويل على الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا خاطئ، فهي ظرف مؤقت سينتهي قريبا، وحتى لو افترضنا أن المنطقة ستكون آمنة بقرار دولي، فما الذي يضمن عدم وقوع مجازر؟".

الشمال مكتظ بالسكان

وعلى النسق ذاته، نوه المحامي السوري المعارض محمد سليمان دحلا، إلى اكتظاظ الشمال السوري بالسكان، قائلا لـ"عربي21": "لا تستطيع هذه المناطق استيعاب المزيد من السكان، ومن شأن تنفيذ المخطط التركي زيادة المعاناة الاقتصادية للموجودين حاليا ولمن سيتم ترحيلهم باسم العودة الطوعية".

وبذلك، يستبعد دحلا عودة اللاجئين إن كان تنفيذ المخطط سيتم بشكل طوعي فعلا، ويقول: "لن يعود أحد، وأعتقد أن الاعتبارات الاقتصادية والمعيشية وغياب العدالة والقضاء المستقل وعدم مأسسة الجيش والأمن وضعف البنى الحوكمية والبنى التحتية، قد تتفوق على الاعتبارات الأمنية التي من المحتمل أن تستطيع الدبلوماسية التركية تجاوزها، ولكنها لن تكون كافية لإقناع اللاجئين بالعودة الطوعية".

وعن الحلول البديلة، يرى المحامي أن "الحل الأسهل والأسرع الذي يريح الجميع والمجتمع الدولي هو فرض تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 تحت البند السابع، والذي يقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، تفضي إلى إزالة نظام الأسد من المشهد السوري"، مختتما بقوله: "عند ذلك سيعود الجميع طوعا".

وتستضيف تركيا قرابة الأربعة ملايين لاجئ سوري على أراضيها، ومؤخراً تحولت ورقة اللجوء إلى ورقة انتخابية بين الأحزاب التركية، بعد إصرار أحزاب تركية معارضة على الزج بهذه الورقة الإنسانية في حسابات سياسية.