أكبر تحدٍ يواجهه الفلسطينيون الآن، هو سقوط مرحلة دون القدرة على الذهاب إلى بديلها.
المرحلة التي سقطت هي تلك الممتدة زمنيا من أول مصافحة فلسطينية إسرائيلية أواخر القرن الماضي، حتى شهر القتل المتبادل في رمضان هذا العام، والذي بلغ ذروته التراجيدية هي بإحياء الذكرى المتبادلة بين أهم يومين في حياة الخصمين.. يوم "الاستقلال الإسرائيلي" ويوم النكبة الفلسطينية.
نهضت مرحلة أوسلو من بين ركام ومخلفات صراع امتد عقوداً واستحال على العديد من محاولات حسمه سلما او حربا، ومنذ الأيام الأولى لولادة "الحدث السعيد" انقسم الفلسطينيون في التعامل معه بين أغلبية اعتنقت وعده بالحرية والاستقلال، وأقلية اكتفت بالتحذير من الشطط في التفاؤل وبناء الآمال الكبيرة.
أما الإسرائيليون فكان انقسامهم مناصفة بين من صنعوه ومن رفضوه، بتفوق صوت واحد. وفره العرب دون انتباه كافٍ لحقيقة ان الانقسام الإسرائيلي عليه، يحمل بذور فنائه المحقق.
عاشت "الأيام السعيدة لأوسلو" بفعل التبني الدولي الذي ألقى بكل ثقله وبإجماع نادر لم يسبق أن توصل العالم إلى مثله، فتجمدت كل الصراعات بين أقطابه وولد ولأول مرة في تاريخ الاستعصاء على الحلول إطار لخص العالم كله في رباعية اتحدت على رعاية المشروع التاريخي وتأمين إمكانيات نجاحه، ولم يبدو مستحيلا.. قيام دولة فلسطينية كانت "سلطة أوسلو" مشروع مقدمة حتمية بل واجرائية لها!.
ماذا يتعين على الفلسطينيين فعله والحالة هذه؟ ... لا جواب حتى الآن، فما بقي في قياداتهم مجرد أجندات متباينة إن لم نقل متناقضة، لعل ذلك وبفعل بقاء قضية الشعب بلا حل ينتج مولودا جديدا.
لا تواريخ معلنة أو محددة لمراحل الانهيار، فمنذ المحاولة الأخيرة لإنقاذ "المشروع التاريخي" التي قادها الرئيس الأسبق بيل كلينتون بفعالية كامب دافيد الشهيرة، وإلى يومنا هذا لم تتوقف الانهيارات، وكأنها تهوي بالمشروع الى بئر لا قاع له!
الضحايا الأكثر تضررا من انتقال أمال البدايات إلى كوارث النهايات هم الفلسطينيون، وأساس الضرر هو حسن ظنهم بالنجاح المضمون الذي أوحى لهم به العالم، حتى ساد عند الطبقة السياسية الفلسطينية مصطلح اخترع لجعل الأمل المبتعد قابلا للعودة إلى الحياة.. يقول لن يسمح العالم لمشروعه بأن ينهار.. دون الانتباه مرة أخرى إلى أن العالم يملك أن يسمح لمشروعه بالتحول الى اتجاه آخر غير الاتجاه الذي رأى فيه الفلسطينيون دولتهم وهي في طريق التحقق!!! فماذا بوسع العالم أن يفعل بعد أن تراجعت قوى السلام والاتفاق في إسرائيل الى ما فوق الصفر بقليل، وبعد أن تراجعت نظيرتها الفلسطينية وفقدت قدرتها التقليدية على الاستحواذ بالقرار أينما كان يفرد الراحل عرفات كوفيته عليه، وبعد أن تحول الاختلاف إلى انقسام وتحول الانقسام الى انفصال.
انهيارات مشروع أوسلو توالت على نحو لم تجد الطبقة السياسية الفلسطينية قدرة حتى على إحصاء الخسائر، فلقد جاءت أوسلو بنظام سياسي جديد تعاون فيه سدنة النظام القديم، فانهار الجديد وتجمد او شُل القديم، كما جاءت أوسلو بارتباط طوعي شمل كل نواحي الحياة الفلسطينية بإسرائيل، وفق مبرر كان متداولا في البدايات كتعهدها الغامض بالموافقة على قيام دولة فلسطينية خلال خمس سنوات، وهدف كهذا هانت أمامه كل المحاذير!، كما جاءت أوسلو وتزامنت مفاعيلها مع تحولات إقليمية ودولية جذرية أنتجت مائة قضية وقضية على مساحة الكون، ما أدى إلى أن تكون القضية المركزية الأهم مجرد واحدة من عديد هذه القضايا.
أما في مجال الأولويات فالأسخن ثم الأقل سخونة، والأكثر تأثيرا على العالم ثم الأقل، وفق هذا الجدول فأين تجد الاهتمام، في زمن روسيا - أوكرانيا، ووقوف العالم على مقربة من رعب نووي يجري التهديد به.
ماذا يتعين على الفلسطينيين فعله والحالة هذه؟ ... لا جواب حتى الآن، فما بقي في قياداتهم مجرد أجندات متباينة إن لم نقل متناقضة، لعل ذلك وبفعل بقاء قضية الشعب بلا حل ينتج مولودا جديدا.