تابعت، مثل كثيرين، البيان الذي أصدره، مؤخرا، عشرات السياسيين والنشطاء والحقوقيين المصريين المعارضين في الداخل والخارج، الخاص بالتعاطي المشروط مع دعوة رئيس النظام المصري عبد الفتاح
السيسي لما يسمى بالحوار الوطني. وبعض الموقعين على هذا البيان من أهم الشخصيات الوطنية التي لا غبار عليها على الإطلاق، بل إنني أعتبر بعضهم قدوة لنا جميعا، نظرا لتاريخهم ونضالهم وتضحياتهم التي لا يجوز لأي أحد، أن يزايد عليهم أو ينتقص منهم بأي صورة من الصور، إلا أن هذا لا يمنع من القول؛ إن موقعين آخرين عليهم الكثير من الاستفهام والتعجب، ولا أريد القول أكثر من ذلك.
وأخص بالذكر الرمز الوطني الكبير الدكتور محمد محسوب، الذي أدى، ولا زال، دورا مهما للغاية في مسيرة ووحدة الجماعة الوطنية المصرية في الداخل والخارج، بالإضافة إلى أنه دفع -كما الكثيرين- ثمنا باهظا جراء مواقفه المنادية بالحرية والكرامة للشعب المصري، ويعمل جاهدا من أجل تأسيس دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وأزعم أن مصر بحاجة ماسة للدكتور محسوب ولكل من هم على شاكلته، لما يتميز به من ثقافة وذكاء وحنكة وحكمة وعلاقات واسعة، وقدرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، وهو يتمتع بقدر كبير من القبول لدى الكثيرين من مختلف الأطراف سواء في الداخل أو الخارج.
وأنا شخصيا، أتمنى كثيرا من أعماق قلبي أن يصل الدكتور محسوب إلى رئاسة مصر، وأتصور أنه الشخص المناسب لهذا الموقع الأهم والأخطر في بلادنا حينما نصل لمرحلة ما بعد السيسي، وهي آتية لا محالة، شاء من شاء وأبى من أبى.
كما أنني أثمّن وأشيد بالدور الكبير الذي يؤديه كل من: الحقوقي البارز بهي الدين حسن، ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، والناشط السياسي رامي شعث، والمحامية الحقوقية ماهينور المصري، والفنانان الرائعان خالد أبو النجا وعمرو واكد، وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية خليل العناني، وهم ممن وقعوا على هذا البيان الذي أثار جدلا وتحفظا لدى البعض، وأنا أحد هؤلاء، ومن ثم فلنا وقفة جادة وحاسمة مع ما جاء فيه.
ورغم أنني لا أعتبر نفسي من السياسيين، لكنني أدعي أنني أنظر للأشياء بموضوعية وتجرد، فللأسف الشديد أرى أن هذا البيان جانبه الكثير من الصواب، وصدر بشكل خاطئ في توقيت خاطئ تماما؛ فبحكم خبرتي المتواضعة، أؤكد أن السيسي لم يطلق دعوته المزعومة تلك لما يسميه "حوارا وطنيا" انطلاقا من قناعته الشخصية بالحوار وقبول الآخر؛ لأنه ببساطة يعتبر الآخر، أيّا كان هذا الآخر، هو الأكثر عداء له، وهو الأكثر خطرا على عرشه، بل إنه هو الأكثر تهديدا لحياته.
والسيسي لم ولن يقوم بالإفراج عن بعض
المعتقلين استجابة لبعض الشخصيات أو القوى
المعارضة، وهو الذي فرط في جزيرتي تيران وصنافير لحساب الكيان الصهيوني، وباع ثروات وخيرات مصر من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط لإسرائيل واليونان وقبرص، وفرط عمدا في حقوقنا في مياه نهر النيل، وفرط في سيناء والكثير من أصول الدولة المصرية التي يعمل ليل نهار على تدمير مقدراتها، وأعدم خيرة شباب مصر، واعتدى على خيرة بنات مصر، واعتقل خيرة مثقفي وسياسيي مصر، فضلا عن أنه دمر البنى التحتية في التعليم والصحة والصناعة والزراعة وكل شيء دون رادع أو وازع من ضمير، بكل أسف.. فهل ننتظر خيرا ممن أقدم على فعل كل تلك الجرائم والخيانات دون خجل أو وجل؟!
ومن ثم، فإن الهرولة للاستجابة للدعوة الموهومة التي أطلقها السيسي تعد غير موفقة وغريبة، إلا أنه قد تكون هناك أهداف خفية لدى البعض.
وأنا أتساءل: هل أرواح الشهداء ستعود إلينا مرة أخرى؟ وهل أعمار المعتقلين التي ضاعت في سجون السيسي ستعود بفعلكم هذا؟ هل الأسر التي شُردت، والأطفال التي يُتمت، والزوجات التي رُملت، ستهنأ بما تقومون بها؟ هل شرف الفتيات والسيدات التي انتهكت سيعود؟ وكرامة المصريين ستُحفظ ودماؤهم ستُحقن بما تقومون؟! وهل تنتظرون أن يقتص السيسي من نفسه ليحقق العدالة ويقدمها لكم على طبق من ذهب؟ هل هذا يعقل بعد كل الدماء والسنوات والأعمار والتضحيات الأكبر في تاريخ مصرنا الحبيبة؟ فهل هناك شخص يتمتع بذرة وطنية أو ضمير يفعل عُشر ما فعله السيسي؟ أرجوكم استقيموا يرحمكم الله، لا تنخدعوا بألاعيب النظام حتى لا تكونوا أحد أدواته لشراء بعض الوقت أمام الضغط الدولي، وأنا متفهم موقف بعضكم بسبب ضغط السيسي عليه بملف الأسرى، ولن أقول المعتقلين؛ لأنهم حقا أسرى.
وأظن أن قبول دعوة السيسي للحوار خطوة غير موفقة وغير محسوبة بشكل جيد؛ لأن المنتفع الوحيد من ذلك هو السيسي، ومن المعروف أن
الحوار ينبغي أن يكون بين قوتين متكافئتين، ولا بد أن تسبقه النوايا الحسنة، لكننا لن نكون إزاء حوار جاد أو نصف جاد، بل إملاء
شروط وتلميع وجه نظام خائن قبيح مع إعطاء قبلة الحياة لاستمرارية نظامه العميل الغاشم، حتى لو اعتقدتم أنكم تضيقون الخناق على السيسي لإجباره على الاستجابة لشروطكم المسبقة.
وليس من الطبيعي أن يكون حل الأزمة مع مَن تسبّب في الأزمة عامدا متعمدا؛ وليس من الطبيعي أن نتحاور مع مَن أخذ أسر السياسيين أسرى ورهائن ونتوقع منه استجابة؛ فالخطف هو أحد أدواته القذرة. الحل هو في توظيف الضغط الخارجي من الدولة الـ٣١ صاحبة التوصيات الحقوقية، مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تضغط على السيسي بشكل مستمر وقوي، حتى يُجبر السيسي على التفاوض وليس الحوار لإخراج جميع معتقلي الرأي والرهائن دون شروط مسبقة، مع ضمانات حقيقية بعدم القبض عليهم مرة أخرى.
بعض الموقعين على هذا البيان المُشار إليه أعلاه هم رموز حقيقيون، كما ذكرت سابقا، فكان الأولى بهم وضع خريطة طريق حقيقية لتوحيد الشعب المصري والمعارضة بشكل خاص خارجيا وداخليا، على أن نسير في طريقين إحداهما خارجيا، وهو الضغط الدولي والقضايا، والآخر هو رؤية وخارطة طريق حقيقية لشعب مصر تشمل جميع الملفات، وعلى رأسها ديون مصر وبيع الأصول بجانب السياسة والصناعة والتعليم والصحة والاثار... إلخ، حتى يشعر الشعب المصري بطمأنينة، وأن هناك بديلا حقيقيا يقدم له حلولا إن سقط السيسي.
ليت هذا الجمع أن يوجه طاقته للشعب المصري ووحدته ويتصدى لاحتلال السيسي ونظامه؛ فنحن جميعا نثق بكم ونوقركم مع تفهمنا الشديد لملف المعتقلين وضغط السيسي على المعارضة، مستخدما الرهائن من أسر الرموز السياسية المعروفة. الحل هو في الخلاص من السيسي، لكي تفتح جميع المجالات، وليس التحاور مع السيسي وإعطاءه قبلة حياة. الحل في المقاومة السلمية، وليس النقاش الوطني مع نظام ليس وطنيا.
أقول كلمتي تلك ناصحا أمينا، وهي من القلب للقلب لعلها تجد آذانا صاغية. الشعب المصري تمكن من إدراك خطورة السيسي، ولكنه ينتظر البديل وليس الحوار؛ فكونوا أنتم أول خطوة في البديل.. اللهم بلغت، اللهم فاشهد.