مرّ على نكبة الشعب الفلسطيني 74 عاماً، وكان من أهم تداعياتها تشريد 61 في المائة من الشعب الفلسطيني وطاقاته الكامنة؛ بقوة المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية. وإثر النكبة؛ التجأ عدد كبير من السينمائيين الفلسطينيين، إلى عدة دول عربية؛ منها مصر سوريا ولبنان والردن والعراق؛ ومن بين هؤلاء إبراهيم حسن سرحان الذي لجأ إلى الأردن؛ حيث تمكّن من إنجاز فيلمه "صراع في جرش" عام 1957، وهو فيلم روائي طويل، يُعدّ أول فيلم من نوعه في الأردن.
السينما؛ الوطن والهوية
وفي نفس السياق حقَّق المخرج عبد الله كعوش فيلمه "وطني حبيبي" عام 1964 ليكون ثاني فيلم روائي طويل في الأردن؛ وفي العام 1969 أنجز المخرج عبد الوهاب الهندي ـ وهو أحد الشباب الفلسطينيين الذين درسوا السينما، إذ تخرَّج من المعهد العالي للسينما في القاهرة ـ فيلميه "كفاح حتى التحرير" و"الطريق إلى القدس"، وهما فيلمان روائيان طويلان يتحدثان عن القضية الفلسطينية من خلال حكايات تدور حول الكفاح التحرري والبطولات التي يبذلها الفلسطينيون ضد العدو الصهيوني.
بدوره هاجر السينمائي الفلسطيني محمد صالح الكيالي، الى القاهرة، إثر النكبة عام 1948، وهناك استطاع إنجاز مجموعة أفلام تسجيلية وثائقية، بعضها كان عن فلسطين، من طراز فيلمه التسجيلي الوثائقي القصير “قاعدة العدوان” عام 1964، وأفلام أخرى عن قضايا وموضوعات مصرية متعددة، ترتبط بالتحولات والتغيرات التي كانت تشهدها مصر، في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وضمن خطط عمل الجهات الإنتاجية السينمائية الرسمية، في مصر، التي عمل لديها محمد صالح الكيالي مخرجاً، لكن الكيالي احتفظ بحلمه الأساسي الذي كان يتمثّل في إنجاز أفلام روائية طويلة، وهو ما بدا أنه من الصعب تحقيقه في مصر، فكان أن فكَّر بالذهاب إلى سوريا أو لبنان، على اعتبار أنهما كانتا تشهدان، حينذاك، صعوداً للإنتاج السينمائي؛ وفي العام 1969 تمكن في سوريا من إخراج فيلم بعنوان "ثلاث عمليات داخل فلسطين"، وهو فيلم روائي طويل كتب السيناريو له بالتعاون مع سمير نوار، وبطولة مجموعة من الممثلين المعروفين حينها، أمثال: الراحل خالد تاجا، وهالة الشواربي، وإن ظهر في لحظة أن كل عملية فدائية هي حكاية مستقلة، بذاتها؛ فإنما الأمر بدا كأنما هي رغبة معتملة عند المخرج للقول أكثر ما يمكنه عن فلسطين، والعمل الفدائي، وطريق التحرير.
وبشكل مواز، عمل سينمائيون فلسطينيون آخرون أمثال: عمر العلي، وإبراهيم الصباغ، ويوسف محمد شعبان، في السينما العربية في عدد من الدول العربية؛وفي العام 1973 بدأ المخرج الفلسطيني غالب شعث مشواره السينمائي عندما أخرج فيلم "الظلال على الجانب الآخر" وهو فيلم روائي طويل، ينتمي إلى نسق السينما الجادة التي شرعت في تقديمها "جماعة السينما الجديدة" في مصر؛ وقد كان الفيلم من بطولة كلّ من محمود ياسين ونجلاء فتحي، اللذين كانا يحتلان صدارة الواجهة السينمائية في مصر.وفي العام 1976 قام السينمائي إبراهيم أبو ناب بالمشاركة في كتابة سيناريو فيلم "المفتاح" الذي أخرجه غالب شعث، ليعود في العام 1983 لإنتاج وإخراج فيلم بعنوان "العروس والمهر" وهو فيلم متوسط الطول "مدته 28 دقيقة" يتحدَّث عن النكسة الحزيرانية عام 1967، والاحتلال الصهيوني للضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
انطلاق سينما الثورة
لم يتوقف السينمائيون الفلسطينيون في المهاجر القسرية عن البحث بغرض الحضور في إطار السينما العربية، فكان للمخرجين السينمائيين الفلسطينيين مساهمات محدودة؛ فيما كان للممثلين السينمائيين، أو الممثلات، مساهمات أوسع؛ ارتقت في بعض الأحيان إلى مستوى البطولات المطلقة؛ كما استطاع ممثلون فلسطينيون أمثال: أديب قدورة، ويوسف حنا وغسان مطر، ومحمود سعيد، وبسام لطفي، في السينما السورية واللبنانية، عند مطلع السبعينيات الحضور بشكل لافت وهام.
وقد انطلقت سينما الثورة الفلسطينية، مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة، التي أعلنت عن نفسها فجر الفاتح من كانون الثاني /يناير 1965 ؛و بدأت سينما الثورة الفلسطينية من خلال تكوين قسم صغير للتصوير الفوتوغرافي، شرع منذ أواخر العام 1967 بتصوير بعض المواد الخاصة بالثورة، عبر تسجيل صور شهداء الثورة الفلسطينية.
سلافة جاد الله
ويروى أن سُلافة مرسال، التي تخرجت من المعهد العالي للسينما في القاهرة/قسم التصوير، كانت تقوم بذلك، في منزلها، على نحو سرّي وفردي، وانتقل مخبر سلافة جاد الله مرسال إلى مكاتب فتح في الأردن، لتكون بعد ذلك من مؤسسي وحدة التصوير الفوتوغرافي التي جاءت في إطارها أولى المبادرات نحو ما يعرف بسينما الثورة الفلسطينية، بعد أن قررت فتح ضرورة توسيع نشاط الوحدة، ليشمل مجال السينما من أجل توثيق الأحداث والتعريف بالقضية الفلسطينية.
ويعتبر مصطفى أبو علي مؤسس وحدة السينما التابعة لقسم التصوير الفوتوغرافي بحركة فتح في العام 1968، وأنتج أول فيلم تسجيلي بعنوان "لا للحل السلمي"، وقد أشرف عليه مصطفى أبو علي، وشارك في تصويره صلاح أبو الهنود وهاني جوهرية وسلافة جاد الله مرسال، ويصور الفيلم الرفض الشعبي في فلسطين لـ"مشروع روجرز".وتوالت الافلام الثورية الفلسطينية الفصيرة وساهم في اخراجها ايضاً مخرجون من العراق، هذا جنباً الى جنب مع بزوغ فجرجديد لعدد كبير من افلام من صناعة عربية في عقد السبعينيات من الفرن المنصرم لتخدم توجهات الثورة الفلسطينية، ومن أهم تلك الأفلام "فدائيون حتى النصر" و "الفدائي الثائر"، وغيرها من الافلام التي اكدت على شخصية دورالفدائي المقاوم لاسترجاع حقوقه وطرد المحتل الصهيوني من وطنه فلسطين .ويعتبرالصديق الراحل بشار إبراهيم (أبوطارق) من أهم النقاد والمؤرشفين العرب للسينما الفلسطينية المعاصرة؛ حيث لم يترك فيلما فلسطينيا وعربيا عن فلسطين إلا وشاهده وأرشفه وشخوصه، ليصبح بيته الذي زرته أكثر من مرة في مخيم خان ذنون مكتبة لكل من يبحث في تأريخ الفيلم الفلسطيني أو العربي الراصد لحقيقة وعدالة القضية الفلسطينية .
مصطفى أبو علي.. سينمائي فلسطيني
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
كيف تسهم الاكتشافات الأثرية في تعزيز الهوية الفلسطينية؟
سميح القاسم.. بقي "منتصب القامة" في الوطن رغم الاحتلال
المسجد الأقصى.. درة بيت المقدس يتمسك بهويته الإسلامية