أثار إعلان البنتاغون عن صفقة بيع 23 طائرة هليكوبتر من طراز "شينوك 47-إف" وعتاد عسكري لمصر، في صفقة بلغت 2.6 مليار دولار؛ التكهنات حول دلالات تتالي صفقات السلاح الأمريكية للقاهرة رغم معاناة البلاد من أزمات اقتصادية ومالية.
والخميس، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، أن الصفقة تأتي لـ"تدعيم السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي بالمساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج دول الناتو".
"دعم الحليف"
وأوضح البنتاغون أن "الصفقة تساهم في تحسين قدرة الرفع الثقيل في مصر"، مضيفا أن القاهرة "ستستخدم هذه القدرة لتعزيز دفاعها عن الوطن وردع التهديدات الإقليمية"، معتبرا القاهرة "الشريك الاستراتيجي المهم لواشنطن بالشرق الأوسط".
ومروحيات الشينوك "طراز 47-إف"، مخصصة للنقل التكتيكي وتحمل ما بين 30 و50 مقاتلا وحمولة نحو 12 طنا، وتصنعها شركة "بيونغ" الأمريكية لتكون الأحدث في طرازها، إذ يبلغ مداها نحو 600 كم، وفق مراقبين ومحللين عسكريين.
وتزود "بيونغ"، المقاتلة، برادار يعتمد على نظام (AN/APQ-174A) لرسم الخرائط وتحديد التضاريس، بجانب أنظمة لتعريف العدو وتحديد الملاحة الجوية، ونظام (AAR-54) للتحذير ضد الصواريخ.
وفي 17 كانون الثاني/يناير 2022، وضع تصنيف "جلوبال فاير باور" الجيش المصري بالمركز الـ12 عالميا بقائمة أكثر الجيوش قوة، وكأول الدول العربية والأفريقية.
"أجواء الصفقة"
وتأتي الصفقة، في أجواء توتر دولي، عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير الماضي، والتي زادت على وقعها حدة الاستقطابات والانقسامات العالمية، ففي الوقت الذي تحاول فيه واشنطن حشد العالم ضد موسكو، برزت أصوات عربية وخليجية مخالفة للرغبة الأمريكية بينها السعودية والإمارات ومصر.
كما تأتي الصفقة في ظل أجواء اقتصادية صعبة تشهدها القاهرة منذ شهور، إضافة لأزمات مالية بهروب نحو 20 مليار دولار من "الأموال الساخنة" من البلاد، وسط غضب شعبي من ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية والاستراتيجية، وتفاقم أزمة الدين الخارجي وخدماته، بنحو 151 مليار دولار، وفق مراقبين.
"صفقات متتابعة"
لكن المثير هنا هو تتابع صفقات السلاح الأمريكية لمصر في الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري، إذ تأتي صفقة الشينوك "طراز 47-إف"، بعد الإعلان في كانون الثاني/ يناير الماضي عن صفقة أمريكية لمصر لتوريد 12 طائرة نقل تكتيكي طراز سي 130 "سوبر هركليز"، بقيمة 2.2 مليار دولار، مع عدة أنظمة رادارية "إس بي إس – 48".
والصفقة تلك، تبعها إعلان قائد القيادة المركزية الجنرال فرانك ماكينزي 15 آذار/ مارس الماضي، اعتزام بلاده تزويد الجيش المصري بطائرات " F-15"، ذات الأهمية العسكرية الكبيرة وفي سابقة في تاريخ صفقات السلاح بين الجانبين.
وبذلك تصبح مصر ثاني دولة بالشرق الأوسط تجمع بين مقاتلتي "F-16" و"F-15"بعد الاحتلال الإسرائيلي، وأول دولة تشغل المقاتلتين الأمريكيتين بجانب "رافال" الفرنسية، و"ميغ-29" الروسية، بحسب موقع "defense-arabic"، المتخصص بشؤون الدفاع والتسليح.
ورغم ما تعانيه مصر من أزمة مالية، دفعت بنكها المركزي إلى رفع سعر الفائدة 21 آذار/ مارس الماضي بنسبة 1 بالمئة، ثم 2 بالمئة في 20 أيار/ مايو الجاري بنسبة 2 بالمئة، إلى جانب تخفيض سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، مع إجراءات التقشف وتقليل الدعم الواسعة؛ إلا أن النظام الحاكم يواصل سياسته في شراء الأسلحة.
وصنف معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (سيبري)، في 15 مارس/ آذار 2022، مصر بالمركز الثالث عالميا كمستورد للأسلحة منذ (2015 وحتى 2021).
وحلت مصر، بحسب التقرير، في المركز الثالث عالميا بنسبة 5.7 بالمئة من الحصة العالمية خلال خمس سنوات (2017-2021)، تماما كما تقول تقارير "سيبري" الثلاثة الأخيرة لسنوات (2017- 2021) و(2016- 2020)، و(2015- 2019).
وعادة ما يثار التساؤل، حول أسباب شراء النظام المصري السلاح بهذه الشراهة، في حين أنه لا يخوض حربا على أي من الأصعدة والملفات الإقليمية، بالجوار الليبي أو في ملف مياه النيل، أو حتى مع الاحتلال الإسرائيلي العدو التاريخي التقليدي الذي تحول لصديق وشريك تجاري وأمني للقاهرة.
اقرأ أيضا: دلالات تزويد أمريكا مصر بطائرات إف-15 تزامنا مع حرب أوكرانيا
"مقابل البقاء"
وفي قراءته لدلالات تتابع صفقات السلاح الأمريكية لمصر في الأشهر الخمسة الأولى من ٢٠٢٢، قال رئيس المكتب السياسي لـ"المجلس الثوري المصري" المعارض، عمر عادل: "أصبحت مصر فعلا مخزنا كبيرا للسلاح"، مشيرا في حديثه لـ"عربي21"، إلى العديد من النقاط والتساؤلات.
وأضاف: "حجم التسليح الكبير أصلا، وصفقات الأسلحة الضخمة خلال السنوات السبع الأخيرة تفرض عدة تساؤلات؛ من العدو؟ ولمن كل هذا الحشد التسليحي؟ وهل الإمكانيات البشرية من حيث العدد والتدريب والتي لا تزيد عن 100 ألف ضابط وضابط صف تستطيع التعامل مع هذا الكم الهائل من الأسلحة؟ أم أن مكانها المخازن؟".
وواصل تساؤلاته: "هل تحتاج منظومة الدفاع أو الهجوم هذه الأسلحة؟ وهل أصلا نمتلك استراتيجية للدفاع والهجوم؟ وهل يوجد عدو أساسا للنظام العسكري المصري بعد التطبيع مع الصهاينة؟".
وقال السياسي المعارض، في إطار رصده لأهمية الصفقة الجديدة للجيش المصري: "لو حاولنا الإجابة على التساؤلات السابقة ربما تكون الصفقات الحالية ليس لها أهمية كالكثير من الصفقات خلال الأعوام السابقة؛ وخاصة في غياب أي محاسبة أو معلومات لنظام العسكر".
وحول قبول واشنطن بتلك الصفقات في الوقت الذي يدير فيه البيت الأبيض ظهره للنظام المصري، ويفرض عليه عقوبات باستقطاع أجزاء من المعونة السنوية، يرى عادل بأنه من الطبيعي أن يقبل "البيت الأبيض"، متسائلا: "ولماذا يرفض؟".
ولفت السياسي المصري إلى أن البيت الأبيض "يبني تحالفات وتوازنات بالمنطقة، ويدعم شركات السلاح عن طريق صفقات التسليح، وأي ملف قيمي كملف حقوق الإنسان هو وسيلة للضغط والابتزاز ليس إلا".
ورجح عادل أن "النظام الأمريكي لا يدير ظهره للنظام المصري؛ لكنه فقط يتعامل مع الضغوط سواء من المجتمع أو بعض مراكز السلطة بالداخل"، مؤكدا أن "النظام الأمريكي داعم بالتأكيد لنظام العسكر المصري".
وفي قراءته لدلالة عقد تلك الصفقات في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمات مالية واقتصادية، قال السياسي المصري، إن "الموقف والوضع الاقتصادي لا يهم على الإطلاق النظام العسكري؛ وهو يدرك أنه حتى الآن قرار وجوده من عدمه بيد الخارج بعد تدمير القوى الاجتماعية بالداخل".
وختم عادل حديثه لـ "عربي21"، بالقول: "لذلك عين النظام على الخارج لكي يبقى مكانه، والشعب المصري من وجهة نظر النظام لا يزال بعيدا عن أن يشكل خطرا عليه".
"تعزيز الولاءات"
من جهته، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا إن "واشنطن حريصة على علاقات جيدة مع الجيش المصري الذي تعتبره صمام أمان لمصالحها بالمنطقة"، مضيفا أنها "لم تقطع معه بنود العلاقات والصفقات سابقا"، ولافتا للحرص الأمريكي على "احتواء مصر أكثر وإبعادها عن حلف روسيا والصين".
وأضاف الباحث المصري لـ"عربي21": "تتابع الصفقات يأتي عقب مماطلة سابقة في إمضاء صفقات أسلحة ثقيلة لمصر تشمل طائرات، مع التركيز على أسلحة تستخدم لأمن الحدود والأسلحة البحرية لضبط الهجرة غير الشرعية، تزامنا مع توجه مصر لفرنسا، وعقد صفقات عديدة مع روسيا".
ورأى مولانا أنه "في ظل عودة الصراع الروسي الأمريكي أو الغربي الروسي؛ فإن واشنطن حريصة على تعويض حلفائها الذين كان لهم علاقات مع روسيا عن الصفقات التي كانوا يجلبونها من موسكو؛ لتعزيز حصار روسيا وجذب مصر أكثر وأكثر تجاه أمريكا".
ولفت الباحث في الشؤون الأمنية إلى مفاجأة بشأن "الحساب المادي" لهذه الصفقات، موضحا أن "العديد منها تموله المساعدات العسكرية الأمريكية (المعونة الأمريكية)"، مضيفا أنه "لا يجري تسليم الصفقات بشكل آني والتسليم قد يمتد إلى 4 و5 سنوات، وبالتالي يتم السداد بالخصم من المعونة الأمريكية".
وأكد مولانا، أن "نسبة 27 بالمئة من المعونة الأمريكية السنوية البالغة 1.3 مليار دولار مخصصة للمشتريات العسكرية المصرية من الأسلحة الأمريكية، والباقي مختص بعقود الصيانة والدعم الفني والتدريب وغيره"، مبينا أن "هذه الأموال توضع بحساب بنكي في أمريكا وعندما تجرى صفقات يتم الخصم من الحساب وما زاد عن ذلك تسدده مصر".
وختم الباحث في الشؤون الأمنية حديثه لـ "عربي21"، بالتأكيد على أن "تلك الصفقات هي نوع من تعزيز الولاءات وتعزيز التحالف، وليس إقبالا من النظام على الشراء بهذا المبلغ الضخم بقدر أن واشنطن وافقت على منح القاهرة أسلحة ثقيلة في ضوء التطورات الأخيرة من الصراع مع روسيا".
ما هي معالم "النظام العالمي الجديد" الذي يتم الحديث عنه؟
سابقة وللأجانب فقط.. مصر تسمح بالاحتجاج خلال قمة المناخ
لماذا يستنجد السيسي بـ"شعب أبي طالب" أمام المصريين؟