صحافة إسرائيلية

هآرتس: هذا ما يخيف في العلاقات الإسرائيلية الإماراتية

يشير سبر آراء إلى أن غالبية الإماراتيين العاديين لا يدعمون التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي - إعلام عبري

نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريرا لمراسلها دافيد روزنبيرغ بعنوان "السر المقلق من وراء العلاقات الإسرائيلية الإماراتية" تناول فيه ما يخيف الجانب الإسرائيلي في علاقة بتطبيع العلاقات بين أبوظبي والاحتلال.


وقال الكاتب إن رجال الأعمال والمسؤولين في الإمارات متحمسون للعلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، لكن استطلاعات الرأي تظهر أن العديد من المواطنين الإماراتيين العاديين لديهم مخاوف من ذلك.


واستند التقرير إلى سبر آراء أجراه معهد واشنطن لدراسة السياسة في الشرق الأدنى، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث عبّر 37 بالمئة فقط من المواطنين الإماراتيين العاديين عن رغبتهم في إقامة العلاقات التجارية أو الرياضية مع الإسرائيليين، فيما وافق 23 بالمئة فقط على أن اتفاقيات أبراهام سيكون لها تأثير إيجابي على المنطقة، بتراجع عن نسبة 44 بالمئة من المستطلعة آراؤهم في حزيران/ يونيو من عام 2021.

في ما يلي المقال مترجما: 


مع كل ما أحاط بالاحتفالية التي صاحبت التوقيع الرسمي على اتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة يوم الثلاثاء، فقد انطلق رجال الأعمال والمستثمرون نحو الأمام بوتيرة أسرع بكثير من تلك التي عليها الدبلوماسيون والمسؤولون التجاريون.

فمنذ أن وقع البلدان على اتفاقيات أبراهام في أيلول/ سبتمبر 2020، تزايدت بشكل متسارع التجارة في الاتجاهين وكذلك الاستثمارات والنشاطات السياحية – رغم ما مرت به المنطقة من ظروف مضطربة خلال فترة شهدت جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا والانقطاعات في سلاسل التوريد وتداعيات العنف الإسرائيلي الفلسطيني في منطقة جبل الهيكل.

تقول وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية إن الاتفاقية سوف تلغي الرسوم على 96 بالمائة من جميع البضائع التي تدخل البلدين، بما في ذلك الأطعمة والزراعة ومواد التجميل والمعدات الطبية والأدوية.

 

ونتيجة لذلك تتوقع الإمارات العربية المتحدة أن تنمو التجارة الثنائية إلى ما يزيد عن 10 مليارات دولار سنوياً خلال خمس سنين. ولكن حتى قبل التوقيع، كانت التجارة في الاتجاهين تنمو بسرعة فائقة، فقد كانت لا تتعدى 190 مليون دولار في عام 2020، ثم بلغت في العام الماضي 1.2 مليار دولار.

 

ووصلت خلال الشهور الأربعة الأولى من 2022 إلى 616 مليون دولار – بما يشير إلى احتمال وصول الرقم في العام 2022 بأكمله إلى ما يقرب من 2 مليار دولار. وهذا فقط فيما يخص المنتجات. أما التبادل التجاري في قطاع الخدمات، والذي يغطي كل شيء من السياحة إلى برامج الكومبيوتر، فيشهد هو الآخر نمواً سريعاً كذلك.

يقول دوريان باراك، رئيس مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي، والذي ما لبث يمارس التجارة مع الخليج لما يزيد عن عشرة أعوام – أي قبل وقت طويل من التوقيع على اتفاقيات أبراهام التي أخرجت إلى الضوء ما كان متستراً عليه من علاقات: "يمكنني القول إن التوقيع على الاتفاق التجاري إنما هو انعكاس لما لم تلبث تتطور إليه الأمور أكثر من كونه اشتراطاً مسبقاً لتعزيز العلاقات التجارية."

ولكن باراك يؤكد أن اتفاق التجارة الحرة سيكون له أثر إيجابي.

ويضيف مفسراً: "إنه يوضح الكثير من المسائل التي جعلتهم يترددون في الاستثمار بشكل أكبر. كما أنه يوفر إطاراً لما يمكنك أن تتوقعه من حيث الرسوم المحددة وكيف سيتم التعامل مع عوامل محددة، وكذلك كيفية إدارة التجارة من تلك الزاوية."

من وجهة النظر الإسرائيلية، لا تكمن الفائدة الرئيسية من التجارة مع الإمارات في السوق المحلي وإنما في الدور الذي يلعبه ذلك السوق كممر للوصول إلى مجال أوسع في آسيا يمتد من الهند إلى الصين. تفاخر الإمارات العربية المتحدة بأن لديها نظما وقواعد مريحة لقطاع الأعمال والتجارة، وبأنها توفر لوجستيات وتحويلات ممتازة في خطوط الطيران إلى آسيا بالإضافة إلى ما يوجد فيها من مجتمع ضخم من المغتربين الهنود، الذين يشكلون مصدراً أساسياً لرأس المال البشري قد تستفيد منه الشركات الإسرائيلية التي تواجه صعوبات في جلب الأيدي العاملة الأجنبية إلى داخل إسرائيل.

يقول باراك: "لقد شاهدت الكثير من الإسرائيليين الذين يأتون إلى هنا ليس من أجل التجارة مع الإمارات العربية المتحدة وإنما للتجارة من الإمارات العربية المتحدة. وذلك أن كل من يرغب في ممارسة التجارة إلى الشرق من إسرائيل سيجد في الإمارات العربية المتحدة موقعاً ممتازاً لتأسيس الأعمال وتشغيلها."

وطبقاً لمسح أجراه مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي فإن ما يقرب من ألف شركة إسرائيلية تمارس التجارة مع الإمارات العربية المتحدة أو في داخلها، وقد يتجاوز العدد الألف بنهاية هذا العام. يقدر باراك بأن ما يقرب من ألف إسرائيلي يقيمون بشكل شخصي في الإمارات العربية المتحدة، بينما يسافر عدد أكبر بكثير إلى الإمارات بشكل منتظم. ولقد تيسر ذلك بفضل وجود سبع رحلات جوية يومياً بين البلدين.

 

كما أن إحدى المساحات التي يعتبر الاستثمار والمشاريع المشتركة فيها أضخم بكثير من الاتجار بالسلع هي التكنولوجيا المتقدمة.


وبهذا الشأن، يقول صباح البينالي، المدير التنفيذي لفرع الجزيرة العربية لمؤسسة أور كراود، إن تدفق أموال الاستثمار الخليجي إلى المشاريع الناشئة في إسرائيل قد بدأ بالفعل. ففي يناير/ كانون الثاني، على سبيل المثال، نشرت صحيفة ذي وول ستريت جورنال تقريراً يفيد بأن صندوق مبادلة للثروة السيادية في أبوظبي استثمر 100 مليون دولار في ستة صناديق إسرائيلية استثمارية. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، دشنت أور كراود، وهي شركة استثمار في التقنيات المتقدمة مقرها القدس، ذراعها الإماراتي.

يقول البينالي إنه مع الذوبان الحاصل في أسهم الشركات التقنية في بورصة وول ستريت، والذي يتوقع على نطاق واسع أن يخفض في نهاية المطاف كمية رأس المال المتاح للاستثمار في المشاريع الناشئة، قد تصبح الإمارات العربية المتحدة مصدراً أكبر وأهم بكثير بالنسبة لرؤوس الأموال المستثمرة في المشاريع الناشئة. ويضيف بأن العلاقات التقنية الثنائية سوف تتوسع بالتدريج وتتجه من كونها مجرد استثمارات مالية إلى حيث تشمل الدخول في شراكات فعلية، وذلك كلما تعرف رجال الأعمال الإماراتيون أكثر على السوق الإسرائيلي وتعودوا عليه.

تعد أور كراود نفسها لذلك اليوم الموعود، ولذلك تقوم بفتح مركز إبداع عالمي في مجال الذكاء الصناعي في أبوظبي، سوف تناط به في البداية مهمة إيجاد حلول محلية تقوم على الذكاء الصناعي لصالح أور كراود، ثم يتوسع فيما بعد ليشمل شركات أخرى على شاكلة أور كراود.

في هذه الأثناء، تعمل اثنتا عشرة شركة إسرائيلية على شاكلة أور كراود على إنشاء عمليات لها في الإمارات العربية المتحدة. تخطط إحداها لإجراء تجارب طبية ثم في نهاية المطاف تصنيع منتجات نهائية فيما لو نجحت تجاربها تلك. يقول بينالي إن اتفاق التجارة الحرة سوف يعزز من وضع التكنولوجيا، وخاصة في مجال الأجهزة. ويضيف: "حتى فيما يتعلق بالبرامج، سوف يصبح ملحاً الاستثمار في صفقات عابرة للحدود. وفي ذلك إشارة واضحة للحكومتين بأنه سيتوجب عليهما الاستمرار في دعم الجانب التجاري لاتفاقيات أبراهام، الأمر الذي سيحسن من الثقة في مجال الأعمال والاستثمار."

استشعار الرأي العام

مقارنة بشركاء إسرائيل القدامى في السلام، مصر والأردن، غدت العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة دافئة بشكل غير معتاد منذ توقيع اتفاقيات أبراهام قبل 21 شهراً. فالجميع، من القادة السياسيين إلى كبار المسؤولين والسياح ورجال الأعمال، يسافرون ذهاباً وإياباً.

بالنسبة للقادة الإماراتيين، ليست إسرائيل فقط شريكاً مرغوباً فيه تجارياً وإنما جزء حيوي من الاستراتيجية الدبلوماسية لمواجهة التهديد الوارد من إيران، ومد اليد إلى العالم في زمن ترزح فيه العولمة تحت الضغط.

 

اقرأ أيضا: إعلان توظيف في الإمارات "للإسرائيليين فقط".. وجدل

إلا أن ما يصعب حقيقة هو معرفة كيف يشعر المواطنون الإماراتيون إزاء صداقة بلدهم الجديدة مع إسرائيل. فالإمارات العربية المتحدة لا يوجد فيها معارضة سياسية منظمة، ولا يتساهل النظام الحاكم فيها مع أي تعبير صريح عن رأي مخالف لتوجهات وسياسات الحكومة، ولذلك فمن الصعب استشعار الرأي العام. يعتقد جوشوا كرازنا، زميل البحث في مركز موشيه دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا التابع لجامعة تل أبيب، أن العلاقات مع إسرائيل قد لا تكون مرغوبة شعبياً كما يشاع. فمن بين أمور أخرى، يشير إلى مدى سخط المسلمين بسبب ممارسات إسرائيل في جبل الهيكل والمسجد الأقصى. والعام الماضي لم يشهد نقصاً في الأحداث التي تدعوهم إلى التعبير عن القلق.

في تقرير نشر في شهر أيار/ مايو بعد زيارة قام بها لكل من دبي وأبوظبي والبحرين، كتب كرازنا يقول: "يتردد بأنه لا يوجد الكثير من الحماسة الشعبية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في الإمارات العربية المتحدة، ولكن القليل أيضاً من المعارضة. أما الإماراتيون، في الخارج فقد كانوا أكثر نقداً للاتفاقيات، وتلك حقيقة قد تعكس التوجهات داخل الإمارات."

لعل نظرة نادرة يرمق المرء من خلالها ما عليه الرأي العام الإماراتي هي تلك التي يقدمها دافيد بولوك من معهد واشنطن لدراسة السياسة في الشرق الأدنى، الذي نظم استطلاعاً للرأي في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي سأل فيه الناس عن آرائهم إزاء جملة من القضايا السياسية. فقط 37 بالمئة وافقوا على أن "من يرغبون في إقامة العلاقات التجارية أو الرياضية مع الإسرائيليين ينبغي أن يسمح لهم بذلك" – وهي شريحة ظلت محتفظة بحجمها مقارنة بالاستطلاعات التي أجريت من قبل. فقط 23 بالمئة وافقوا على أن اتفاقيات أبراهام سيكون لها تأثير إيجابي على المنطقة، وهذا تراجع عن نسبة 44 بالمئة من المستطلعة آراؤهم في حزيران/ يونيو من عام 2021.

يخلص بولوك إلى القول: "هذا المستوى من التوقعات الشعبية من اتفاقيات أبراهام، حتى في خضم الاحتفالات الشعبية الظاهرة للعيان بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لها، هو دليل إضافي على أن الكثير ممن أجابوا على الاستطلاع لديهم رغبة واضحة للتعبير بشكل شخصي عن آراء تخالف الموقف الرسمي للحكومة."