نشر موقع "
نيوز ري" الروسي تقريرا تحدث فيه عن
أزمة نقص
الحبوب العالمية ومحاولات ممثلي كل من تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة
إيجاد حل لها.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"،
إن استئناف صادرات أوكرانيا من الحبوب التي تقدر بـ 20 مليون طن يقتضي إلقاء نظرة فاحصة
على ممرات الشحن وإزالة الألغام من الموانئ والمناطق البحرية ومناقشة المسائل الأمنية
وكيفية التأمين على سفن الشحن.
وذكر الموقع أن الأمم المتحدة تكفّلت بوضع خارطة الطريق،
التي تعتبر جاهزة بنسبة 90 بالمئة وفقا لما تناقلته وسائل الإعلام. مع ذلك، صرح المتحدث
باسم الكرملين دميتري بيسكوف أنه لم يتم تحديد الخطوط العريضة لحل المشكلة حتى الآن.
القمح مسألة حساسة
يرى الخبراء أن مشكلة تصدير الحبوب قد تتحول إلى أزمة تطلق
العنان لعمليات سياسية وعسكرية جديدة، وبإمكانها التأثير على مسار العملية العسكرية
الروسية داخل الأراضي الأوكرانية وتغيير سياسة العقوبات الغربية ضد
روسيا وبيلاروسيا،
الأمر الذي دفع القيادات العالمية للتعامل بحذر مع هذه الأزمة.
طرحت وسائل الإعلام منذ انطلاق العملية العسكرية إمكانية
تفاقم خطر المجاعة على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، لا سيما أن أوكرانيا تساهم
بنسبة 11 بالمئة في السوق العالمية للحبوب، وتوفر 55 بالمئة من الحاجيات العالمية لزيت
عباد الشمس. وفي الفترة الممتدة من بداية تموز/ يوليو 2020 حتى 30 حزيران/ يونيو
2021، صدّرت أوكرانيا حوالي 44 بالمئة من الحبوب والبقوليات، منها 16.64 طنا من القمح.
أشار الموقع إلى أن أوكرانيا تزوّد بلدان شمال أفريقيا وباكستان
بالحبوب وتسلم هذه المحاصيل إلى العديد من البلدان الأفريقية الأخرى عبر موانئ البحر
الأسود في روسيا وأوكرانيا.
من جانبه، حذّر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من
أن الأعمال العسكرية في أوكرانيا تهدد حوالي 40 مليون شخص في العالم بالجوع، معظمهم
من الأفارقة. ويعتقد الخبراء أن نقص الحبوب قد يشعل فتيل الحروب ويغذي محاولات الانقلاب
في بعض دول العالم.
في المقابل، يرى البعض أن تقديرات السياسيين والخبراء الغربيين
مبالغ فيها وأن 20 مليون طن من الحبوب الأوكرانية لن تنهي مشكلة الجوع التي تهدد سكان
الأرض. وحسب الخبراء، يصارع حاليًا أكثر من 150 مليون شخص في العالم الجوع، من بينهم
100 مليون أفريقي، بسبب تراكمات العديد من العوامل منها السياسية والاقتصادية والمناخية.
مخطط تركيا لإنقاذ أفريقيا من المجاعة
خلال مقابلة أجراها مع قناة "روسيا 1"، اقترح الرئيس
فلاديمير بوتين خمسة اتجاهات لتصدير الحبوب الأوكرانية، إما من خلال موانئ نيكولاييف
ومنطقة أوديسا أو عبر بولندا أو عن طريق نهر الدانوب عبر رومانيا أو عبر موانئ البحر
الأسود وبحر آزوف الخاضعة لسيطرة موسكو أو عبر بيلاروسيا.
وذكر الخبراء أن طرق نقل الحبوب البرية والنهرية ذات طاقة
منخفضة. فطرق شحن من خلال السكك الحديدية عبر بولندا، مثلا، أمّنت تصدير 638 ألف طن
فقط من الحبوب في نيسان/ أبريل؛ لذلك يتم التركيز على الطرق البحرية. ومن جهتها، رفضت
ليتوانيا تسلم الحبوب القادمة عبر بيلاروسيا، مع غياب إمكانية رفع العقوبات المفروضة
على نظام ألكسندر لوكاشينكو. أما فيما يتعلق بالبحر الأسود، فلا يمكن إتمام إجراءات
التصدير دون العودة إلى تركيا التي أبدت استعدادها للعب دور الوسيط بين موسكو وكييف.
وخلال المفاوضات التي جمعت بين وزير الخارجية الروسي سيرغي
لافروف ونظيره التركي مولود جاويش أوغلو في الثامن من حزيران/ يونيو، تطرق الطرفان
لمسألة نقل الحبوب الأوكرانية من أوديسا إلى إسطنبول. وبعد إزالة الجيش التركي الألغام
من الشريط الساحلي في منطقة أوديسا، سوف تغادر السفن تحت إشراف الأمم المتحدة وحراسة
السفن التركية الميناء إلى المياه المحايدة للبحر الأسود. وسوف تتحمل السفن الحربية
الروسية مسؤولية سلامة القافلة، مرافقة إياها إلى مضيق البوسفور.
والجدير بالذكر أن أوكرانيا لم تشارك في صياغة مخطط عبور
السفن ولم تبدِ موافقتها على ذلك بعد بسبب قلقها من السفن الحربية الروسية، رغم نفي
الرئيس الروسي احتمال استغلال إزالة الألغام لشن أي هجمات من البحر. وبسبب قلقه من
إمكانية استخدام "طريق الحبوب" لاستلام الأسلحة الغربية، أصر الجانب الروسي
على تفتيش جميع السفن المشاركة في العملية، وهو إجراء يرفضه الجانب الأوكراني.
هل ستغير الجغرافيا السياسية للحبوب العالم؟
مع دراية واشنطن بالسياسة التي تتبعها كييف، يرى المتحدث
باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس أن محاولات لافروف لحل مسألة إمدادات الحبوب
من أوكرانيا لا طائل منها، مشيرًا إلى أنه دون مشاركة أوكرانيا ستلقى هذه المفاوضات
نفس مصير المفاوضات السياسية، ما يهدد بتفاقم الوضع داخل البلدان المحتاجة للحبوب.
وفيما يتعلق بإمكانية تدخل واشنطن في المفاوضات التركية بشأن
تصدير الحبوب، قال الخبير الاقتصادي الروسي ألكسندر دودتشاك: "مع أن الولايات المتحدة
تدعو علنا إلى تسهيل إجراءات خروج السفن المحملة بالحبوب من الموانئ الأوكرانية، غير
أنها تعمل على عرقلة ذلك بشكل خفي، متهمة روسيا في ذات الوقت بالوقوف وراء أزمة الغذاء".
وحسب الخبراء، تسعى جميع الأطراف إلى تحقيق مصالحها الخاصة
في قضية الحبوب. فبينما تحتاج البلدان الأفريقية إلى الحبوب لتجنب المجاعة وما يترتب
عنها من كوارث جماعية، يحاول الاتحاد الأوروبي تخزين الحبوب تحسبا لتدفق موجات اللاجئين
من أفريقيا في حال حدوث مجاعة في هذه القارة. ومن أجل إقناع الغرب برفع العقوبات، تساعد
روسيا وبيلاروسيا في تصدير الحبوب. أما أوكرانيا، فتدفعها الحاجة للحصول على الأموال
التي تؤمن حصولها على الأسلحة إلى الحرص على إتمام عملية التصدير، التي سوف تحل من
خلالها تركيا مشاكلها الاقتصادية.
وفي الختام، نوه الموقع بأنه رغم محاولات الغرب الهادفة إلى
تقليل الاعتماد على المواد الطاقية الروسية عن طريق تنويع مصادر الإمدادات، إلا أن
مسألة الحبوب كشفت عن عمق تبعية بعض البلدان إلى روسيا.