قضايا وآراء

أوروبا وثالوث الأزمة الأوكرانية

1300x600

فاجأ البنك الدولي الأسواق العالمية بخفضه التوقعات للنمو الاقتصادي العالمي خلال العام الجاري إلى 2.9 في المائة فقط؛ مقارنة بتوقعاته السابقة خلال كانون الثاني/ يناير الماضي التي كانت 4.1 في المائة..

البنك الدولي خفض توقعات النمو في الاقتصادات المتقدمة إلى 2.6 في المائة في عام 2022، مقابل التوقعات السابقة بنموها بحوالي 3.8 في المائة؛ وخفض تقديراته للاقتصادات الناشئة إلى 3.4 في المائة مقارنة بحوالي 6.6 في المائة في كانون الثاني/ يناير الماضي، ليحذر بعد ذلك من تهديدات حقيقية مقبلة نتيجة تشديد السياسة النقدية عالميا؛ ويقصد بذلك رفع أسعار الفائدة التي ستدفع بعض البلدان إلى أزمة ديون.

التضخم والفائدة والمديونية وتراجع معدلات النمو تفاعلت بقوة مع أزمة الطاقة والعقوبات على روسيا؛ ذلك أن بنك جي بي مورغان أعاد تقييم أسعار النفط محذرا من ارتفاع أسعاره إلى 135 دولار نهاية العام الحالي، علما أن برميل خام برنت سجل 122 دولارا يوم الثلاثاء. ورغم تواضع توقعات البنك الأخيرة مقارنة بشباط/ فبراير الماضي التي تجاوزت 150 دولارا حينها، تبقى أسعار النفط مرتفعة وأبعد ما تكون عن اليقين.

التضخم والفائدة والمديونية وتراجع معدلات النمو تفاعلت بقوة مع أزمة الطاقة والعقوبات على روسيا؛ ذلك أن بنك جي بي مورغان أعاد تقييم أسعار النفط محذرا من ارتفاع أسعاره إلى 135 دولار نهاية العام الحالي

وفي الوقت الذي تضطرب فيه المؤشرات الاقتصادية بتأثير من الأزمة الأوكرانية، فإن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حذر في تصريح نقلته وكالة رويترز من أن "تأثير الحرب على الأمن الغذائي والطاقة والتمويل شامل وخطير ومتسارع". فالحرب تهدد بإطلاق موجة غير مسبوقة من الجوع والبؤس، مخلفة فوضى اجتماعية واقتصادية"، مضيفا القول: "إذا كانت أزمة الغذاء هذا العام ناجمة عن صعوبة الوصول إلى المواد الغذائية، فإن العام المقبل قد يكون سنة شح الغذاء".

غوتيريش أكد ان الأوضاع في أوكرانيا أثرت على 1.6 مليار شخص حتى الآن في 94 دولة. وجاء ذلك خلال تقديمه التقرير الثاني للأمم المتحدة حول تداعيات الأوضاع في أوكرانيا والذي اشار إلى تعرض 1.6 مليار نسمة بشكل خطير لبُعد واحد على الأقل من الأزمة الأوكرانية (التمويل أو الغذاء أو الطاقة)، وأنه من بين 1.6 مليار نسمة؛ يعيش 1.2 مليار أو ثلاثة أرباعهم في بلدان معرضة بشدة للأبعاد الثلاثة مجتمعة.

أزمة الغذاء بحسب تقرير المم المتحدة ستعصف بالقارة الأفريقية، وهو ما يفسر زيارة الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، الرئيس السنغالي ماكي سال، لكل من بروكسل وموسكو في محاولة لعرض وساطة الاتحاد الأفريقي والبحث في الآن ذاته عن وسيلة لإيصال إمدادات الطاقة والغذاء للقارة السمراء.

الاتحاد الأوروبي الذي أطلق العنان لوجبة سادسة من العقوبات على روسيا، كان آخرها البحث عن أدوات وطرق جديدة لحجز الأموال الروسية، سارع إلى إطلاق حملة للدفاع عن السياسات الأوروبية، إذ أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسلا فون دير لاين نيتها زيارة القاهرة للبحث في أزمة الغذاء، معلنة أن الحل في القارة الأفريقية ليس بتقديم المساعدات الغذائية بل بتقديم التكنولوجيا لإنتاج الغذاء في القارة السمراء، وهي مبادرة جديدة لانتزاع موقع الصدارة من روسيا وذلك من خلال إيجاد بدائل للمنتجات الروسية.
مقترحات المفوضة الأوروبية يمكن وصفها بالتقدمية، غير أنها فاقدة للمصداقية؛ وهي أبعد ما تكون عن تحقيق الهدف الاستراتيجي المعلن. فالقارة الأفريقية تخوض سباق مع الزمن، وهشاشتها ستقودها إلى أزمات اقتصادية واجتماعية واضطرابات تزيد من صعوبة تحقيق الاستراتيجية الأوروبية لإيجاد بدائل لروسيا وأوكرانيا

مقترحات المفوضة الأوروبية يمكن وصفها بالتقدمية، غير أنها فاقدة للمصداقية؛ وهي أبعد ما تكون عن تحقيق الهدف الاستراتيجي المعلن. فالقارة الأفريقية تخوض سباق مع الزمن، وهشاشتها ستقودها إلى أزمات اقتصادية واجتماعية واضطرابات تزيد من صعوبة تحقيق الاستراتيجية الأوروبية لإيجاد بدائل لروسيا وأوكرانيا.

المعادلة ذاتها يمكن إسقاطها على ملف الطاقة، فالبحث عن بدائل في الطاقة المتجددة والربط الكهربائي مع شمال أفريقيا وما يسمى بـ"الشرق الأوسط"، وإطلاق مشاريع إنتاج الهيدروجين وحقول الغاز المتصارع عليها في المتوسط، ستحتاج إلى استثمارات كبيرة ووقت ثمين بدأ ينفد وبسرعة في العديد من البلدان التي تعاني من ثالوث الأزمة الأوكرانية: الغذاء والطاقة والتمويل (سواء على شكل مديونية أو تضخم).

ختاما.. العالم والأقاليم جنوب البحر المتوسط التي تعول عليها القارة الأوروبية ستحتاج إلى ما هو أكثر من الاستثمارت طويلة الأمد والمساعدات الطارئة محدودة التأثير؛ ستحتاج إلى الوقت والحاكمية الرشيدة في المنطقة، وهي عناصر ثمينة لم تعد متوفرة.


twitter.com/hma36