الأنشطة المدرسية وتنمية الذوق الفني

كان ياما كان، في سالف العصر والأوان، وفي أثناء مرحلتي الدراسية الأولى، المعروفة بالمرحلة الابتدائية، كنا نتعلم ونتذوق ونستمتع بدراسة مادتي الرسم والموسيقى، وكانت تقام حفلات الأنشطة المدرسية الفنية المتكاملة، قدمنا من خلالها اسكتشات تمثيلية من مسرحيات عالمية ومحلية.

وفي المرحلة الثانوية، قدمنا مسرحية "مركب بلا صياد" للإسباني إليخاندرو كاسونا، كما قدمنا مسرحية "كاليجولا" للكاتب الوجودي ألبير كامي. قبلها وفي المرحلة الإعدادية، قدمنا مسرحية "هاملت" لوليم شكسبير.

كما نشطت في تلك الآونة ما تعرف بنوادي السينما المدرسية، فكان أن خصص يوم في الأسبوع لعرض فيلم مصري رصين كفيلم "الحفيد" مثلا، وفيلم "أوليفر تويست" عالميا.

وعليه فلا بد من الإقرار بأن مراحل طفولتنا بكافة مستوياتها الدراسية ما قبل الجامعية، وما واكبها من أنشطة مدرسية وأطر فنية موازية لها، قد ساهم وبشكل كبير في صياغة غير مباشرة في تنمية ذوقنا الفني، وبفضل هذه العوامل وهذا المناخ الصحي، اكتشفنا مواهبنا، بل وشكلت طموحنا الشخصي لما أصبحنا عليه.

أذكر كل هذا، لأن المواد الدراسية الفنية بأنواعها المختلفة، قد تم إلغاؤها أو بالأحرى تهميشها من المراحل التعليمية المختلفة، وحُرمت أجيال كثيرة من تنمية وتشكيل ذوقها الفني. بل وأكثر من هذا، صياغة وعيها وتكوينها على الفهم لا التلقين، فتشب أجيال قادرة على تذوق الجمال، أجيال قادرة على صناعة مستقبلها، على نحو يحقق نمو وتطور المجتمع إلى الأفضل والأجمل.

وبرغم ارتفاع أصوات كثيرة بما سبق أن ذكرناه، لكن تسير الأمور التعليمية بشكل مرتبك، يتجه إلى التسطيح والتلقين، بل وفي بعض الأحيان إلى تعجيز الطالب، بإدخال برامج تعليمية مشوشة ومنفصلة عن الواقع، يعيش واضعوها في أبراج عاجية، مفتقدين المنهجية والموضوعية، فظهرت أجيال مشوشة تعتمد على التلقين لا الفهم، وبلا وعي حقيقي، ومفتقدة التذوق الفني، الذي في حال وجوده يضعها في إطار الشخصية المقومة الصحية الصحيحة، وفي حال عدم وجوده، انتشرت ثقافة القبح، ومعها استشرت قيم لم نألفها من قبل، كالتحرش والاغتصاب والتنمر والقتل بوحشية وزنا المحارم، وأصبحنا نطالع يوميا أخبارا مروعة من نوعية: قتل الابن لأمه على سجادة الصلاة، أم تقتل أطفالها.. إلى آخر هذه الأخبار المروعة التي نراها في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي يشيب من هولها الغلمان.

لهذا كله، أرجو من الجهات المعنية بمصرنا الحبيبة، أن تعيد مرة أخرى مواد التربية الفنية إلى مدارسنا، لكي تتوازن شخصية أولادنا، وتتم تنمية الذوق الفني لديهم..

لسنا بصدد جعلهم فنانين ومطربين، ولكن بتكوين أجيال من أطباء ومهندسين ومحامين وضباط.. إلخ... قادرة بفضل ذوقها الفني البديع على قيادة مجتمع محب لإعلاء قيم الحق والخير والجمال.