إنهم الإخوان المسلمون، ومن يُشتبه بتعاطفه معهم، ومَن فارقهم ولم يناصبهم العداء.. فالجميع وطنيون إلا الإخوان، والجميع طيبون إلا الإخوان، والجميع واضحون إلا الإخوان، والجميع مَدعوون إلى (لا مؤاخذة) "الحوار الوطني" إلا الإخوان، والجميع في انتظار (لا مؤاخذة) "العفو الرئاسي" إلا الإخوان.. فهم الخونة، وهم "أهل الشر"، وهم المتآمرون، وهم المراوغون، وهم المستحقون للسجن مدى الحياة!
هم "المبتدأ" لأي أزمة، وهم "الخبر" كلما وقعت كارثة، وهم "الفاعل" لكل جريمة، وهم "المفعول به" جزاء أفعال لم يفعلوها، وهم "المجرور" إلى المعتقلات بلا جريرة، وهم "المضاف إليه" كل نقيصة!
هم أصل التكفير، وهم مصنع الدواعش، وهم القتلة إذا الدماء أهرقت، وهم الذين يسدون "البلاعات" إذا السماء أمطرت، وهم العقل المدبر لحوادث القطارات، وهم الخلايا النائمة التي تضع العِصِي في دواليب (لا مؤاخذة) التنمية، وهم اللجان الإلكترونية التي تشوش على إنجازات طبيب الفلاسفة، وهم الذين يصنعون الصورة السلبية لدى الغرب عن (لا مؤاخذة) "الجمهورية الجديدة"!
ضلال وفجور وتأل على الله
"باب الحوار مع الإخوان مش هيتفتح، وأنا أول المعترضين على تواجدهم؛ لأنهم مش مصريين، واللي نفسه منهم يدفن في مصر مش هيحصل، ومش هيشموا ريحتها تاني".
هذا ما جاء على لسان أبي لهب الشهير بـ"عمرو أديب" في برنامجه "الحكاية" الذي تبثه "إم بي سي مصر"، إحدى الأذرع الإعلامية لواحدة من "دور الندوة" المنشرة في قفار وطننا العربي المنكوب.
"نستبعد تماما أي مسجون ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، من القوائم التي نقدمها لـ[لا مؤاخذة] رئاسة الجمهورية؛ لاستصدار قرارات العفو. هؤلاء يمثلون خطرا على مصر، حتى لو لم يتورط بعضهم في العنف؛ لأنهم مرشحون لارتكاب العنف، ولن يتسرب من بين أيدينا اسم مسجون يمكن أن يهدد أمن المصريين".
هذا ما صرح به أحد أعضاء لجنة (لا مؤاخذة) "العفو الرئاسي" الذي تبدو عليه أمارات المتسربين من التعليم!
يتكلم هذان الرويبضتان كما لو كانا يسطران أقدار الخلق، ويملكان مقاليد السماوات والأرض، يمحوان ويثبتان في أم الكتاب ما يَعِنُّ لهما من ضلالات وخيالات وأوهام! إنهما (وغيرهما من أبواق الانقلاب) يتألون على الله جل في علاه، استنادا إلى "جبروت" ياسر جلال الذي اتخذوه إلها من دون الله، فظنوا أنفسهم "ملائكة" يُجري إلهُهم هذا على أيديهم قدَرَه على مَن لم يخلق!
أيها السفهاء! إلهنا الذي نعرفه هو وحده الذي يُقَدِّر آجال عباده، وبأي أراضٍ يموتون.. وهو وحده (سبحانه) الذي يكتب ويمحو أحوالهم، من مرض وعافية، وسفر وإقامة، وفقر وغِنى، وسجن وحرية، وحياة وموت. وما كان له سبحانه (وهو العليم الحكيم) أن يترك أقدار خلقه بأيدي مرضى ومهووسين أمثالكم، يظنون بأنفسهم ما ظنه الطغاة البغاة السابقون بأنفسهم، وما أنتم (وهُم) إلا أدوات بيد الله يستعملها لإنفاذ قضائه وقدره في خلقه، ثم تلقونه جميعا بآثامكم فيوفيكم حسابكم..
أي ضلال هذا الذي فيه تترددون؟! وأي فجور في الخصومة هذا الذي به تناصبون؟! ماذا صنع الإخوان لهذين الرويبضتين أو فيهما أو بهما، ومَن خلفهما من دول وأجهزة ونخب متعلمنة، حتى يتكلما بهذا الغل وهذا الحقد؟!
عقدة الإخوان
لقد تسببت جماعة الإخوان المسلمين في ثلاث عُقد من حيث لا تدري..
العقدة الأولى سبَّبها "رجال" الإخوان المسلمين للصهاينة، يوم جاوز حسن البنا بمجاهديه حدود "سايكس بيكو"، فخرج من مصر إلى فلسطين؛ كي يتصدى للعصابات الصهيونية التي ألقت بها السفن الأوروبية على شواطئ فلسطين؛ بقصد احتلالها، وطرد أهلها، وتأسيس "إسرائيل".
العقدة الثانية سببتها "فكرة" الإخوان المسلمين للإمبريالية العالمية، يوم تحدث البنا عن "أستاذية العالم" و"إحياء الخلافة" و"توحيد الأمة"، ما يعني أن مشروع "نظام عالمي" تكون الكلمة العليا فيه للمسلمين، يتبلور في عقل هذا الرجل.
العقدة الثالثة سببتها "طهارة" أفراد الإخوان المسلمين للنخب المتعلمنة الغارقة في الرذائل على اختلافها، بنسب متفاوتة.
هذه العقد الثلاث جعلت من جماعة الإخوان المسلمين "عدوا استراتيجيا" للصهيونية والإمبريالية والنخب المتعلمنة.. يسعى الجميع للقضاء عليها بشتى السبل، فإن تعذر القضاء عليها، فلا أقل من عرقلة مشروعها "الأممي" أو "العالمي"، وهو ما كان قولا وفعلا، منذ عام 1949 وإلى يوم الناس هذا..
ومن أسف، فإن قيادة الإخوان المسلمين لم تدرك هذه العقد الثلاث، وما أفرزته وتفرزه من أحقاد وسموم طوال هذه العقود، أو أدركت ولم تتعامل معها بالأساليب المناسبة، أما الحقيقة الملموسة فتقول: لا أثر لإدراك القيادة هذه العُقد في مناهجها التربوية، ولا في ممارستها السياسية! ففي الوقت الذي ظل هؤلاء (ولا يزالون) يسعون للقضاء على الجماعة فكرة وكيانا، أو عرقلة مشروعها، ظلت قيادات الجماعة المتعاقبة (ولا تزال) تعتقد بإمكانية "التفاهم" و"التعايش" و"الحوار"!
الوصم بالإرهاب
انشغلت الصهيونية بتأسيس كيانها الجديد، ولملمت الإمبريالية شتاتها وغادرت أوطاننا، غير أنهما أوكلتا مهمتي ترويض الشعوب، والقضاء على الإخوان، أو تعطيل مشروعهم "الأممي" لأذيالهما المحليين؛ سلطات غاشمة ونخب متعلمنة، فاستخدمت الأولى البطش المادي، وقامت الثانية بمهمة الاغتيال المعنوي، والتهمتان جاهزتان: ممارسة الإرهاب، وازدراء الوطن!
أما الإرهاب، فلا تزال أبواق السلطات الغاشمة، حتى يومنا هذا، تستدعي اغتيال محمود فهمي النقراشي (رئيس الوزراء في عهد الملك فاروق) وأحمد الخازندار (القاضي الموالي للاحتلال) ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر (رئيس الوزراء ووزير الداخلية بعد انقلاب 23 يوليو 1952) في المنشية بالإسكندرية؛ للتدليل على إرهاب الإخوان المسلمين!
لقد ندد حسن البنا (رحمه الله) بحادثة اغتيال النقراشي، وأصدر بيانا بعنوان "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين". ومن المعلوم (أيضا) أن جمال عبد الناصر (الرئيس لاحقا) قد اشترك في محاولة فاشلة لاغتيال اللواء حسين سري عامر (قائد سلاح الحدود)، وأن أنور السادات (الرئيس لاحقا) شارك في اغتيال أمين عثمان (وزير المالية في عهد الملك فاروق)، في السياق ذاته، أي في سياق "تصفية عملاء الاحتلال الإنجليزي وأعوانه في مصر"، ولم يعتذر عبد الناصر ولا السادات عما قاما به، بل اعتبرا ما قاما به عملا بطوليا ووطنيا!
فإما أن يوصم الجميع بالإرهاب، أو يوصف الجميع بالبطولة والوطنية!
وأما محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية بالإسكندرية، في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 1954، فقد طالعت في مجلة "المصور" المصرية مقابلة مع حسن التهامي، أحد مستشاري عبد الناصر المقربين، أثناء اعتقالي في سجن "أبو زعبل" إبان اغتيال السادات يوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1981 وكنت يومذاك طالبا في السنة الجامعية الثانية..
خلاصة ما قاله التهامي بشأن هذا الحادث في هذه المقابلة، ولا تزال عالقة في ذاكرتي رغم تقدم السن: إن حادثة المنشية كانت من تدبير عبد الناصر، بمساعدة المخابرات المركزية الأمريكية؛ ليقدم عبد الناصر نفسه للمصريين قائدا فعليا لـ"ثورة 23 يوليو" بعد سنتين قضاهما في ظل الرئيس محمد نجيب المحبوب شعبيا، وفي الوقت نفسه يكون الحادث ذريعة للتخلص من الإخوان المسلمين الذين شرعوا في مطالبة عبد الناصر بالوفاء بوعوده التي قطعها لهم على نفسه في حال نجحت "الثورة".
الخلاصة.. الإخوان المسلمون بريئون من محاولة اغتيال عبد الناصر، بشهادة مستشار عبد الناصر.
ازدراء الوطن
من "التهم" التي تلاحق الإخوان المسلمين، تهمة "ازدراء الوطن"! ولا يزال إعلام الانقلاب يذكرنا من آن لآخر بمقولة "طز في مصر" التي زل بها لسان المرشد العام السابق محمد مهدي عاكف، خلال مقابلة صحفية، تم تسجيلها دون إذنه!
ومع يقيني بأن الأستاذ عاكف (رحمه الله) لم يكن يقصد إهانة مصر، وسياق الحديث يؤكد ذلك، لكن الكلمة تظل غير مقبولة من شخصية بحجم ومكانة المرشد العام للإخوان المسلمين..
وإذا كان الأستاذ عاكف قد قال "طز في مصر"، وهي زلة ولا شك، فإن جمال عبد الناصر "محا" اسم مصر من على الخريطة تماما، وسمَّاها "الإقليم الجنوبي"، يوم أقام وحدته "الفاشلة" مع سوريا التي محا اسمها أيضا، وجعل منها "الإقليم الشمالي" ليكوِّنا معا "الجمهورية العربية المتحدة"!
فهل وقف هؤلاء الدولجية المتنطعون أمام هذه الحادثة؟! هل سألوا أو تساءلوا يوما: لماذا محا عبد الناصر اسم مصر، وكيف جرؤ على ذلك؟! ما الضير في أن يبقى اسم مصر واسم سوريا، ويشكلا معا "الجمهورية العربية المتحدة"؟! ماذا لو انضم السودان لهذه "الجمهورية الجديدة"؟ هل كان سيغير عبد الناصر اسمها إلى الإقليم جنوب الجنوبي؟! وماذا لو انضمت ليبيا؟ هل كان سيغير اسمها إلى الإقليم غرب الجنوبي؟!
مسخرة!
الاتحاد السوفييتي لم يستبدل أسماء الدول التي شكلته، وبقيت كل دولة باسمها.. الولايات المتحدة الأمريكية لم تغير أسماء الولايات إلى أرقام مثلا.. الإمارات العربية المتحدة لم تغير أسماء الإمارات التي شكلت الدولة الجديدة، وتتمتع كل إمارة منها بحكم ذاتي..
لك أن تتخيل (عزيزي القارئ) ماذا لو أقدم الإخوان على ما أقدم عليه عبد الناصر!
أيها السفهاء.. حب الوطن عند الإخوان المسلمين عبادة وانتماء ووفاء ومروءة.. لم يُعرف عن الإخوان إلا الدفاع عن وطنهم، والذود عن حياضه، ومنطقة القناة تشهد بعملياتهم الفدائية ضد الاحتلال الإنجليزي، وسجون كل العهود تشهد بثباتهم وجسامة تضحياتهم.. الإخوان لم يبيعوا جُزر الوطن، ولم يفرطوا في نيله، ولم يبددوا أصوله، ولم يرهنوا مقدراته، ولم يوالوا أعداءه، ولم ينكلوا بأهله، ولم يُسخِّروا موارد الدولة ومؤسساتها السيادية لإنتاج مسلسل عن الرئيس مرسي.. الإخوان يناضلون (منذ نشأتهم) لاستخلاص الوطن من براثن الاستبداد، وتحريره من أغلال التبعية، ولا يرون لأنفسهم فضلا في ذلك، ولا يمنون على مواطنيهم بتضحياتهم مهما عظمت..
هؤلاء هم الإخوان المسلمون.. المستثنى بـ"إلا".
حوار مصري مواز في الخارج.. ضمانات النجاح
الحوار الوطني وأسطورة الحزب الوطني
"الاختيار 3".. "سيناريو جهنم" للوقيعة بين السلفيين والإخوان