قالت
صحيفة "
نيويورك تايمز"، في تقرير أعدته فيفيان يي واليسون ماككان وجوش هولدر، إن الصحيفة قامت بتحليل سلسلة من الوثائق لمعرفة مصير آلاف من الأشخاص العالقين في
نظام يجدد حجز المعتقلين لمدة طويلة، بطريقة تمثل سخرية من القانون.
فعندما
اعتقل طالب الدكتوراه في جامعة واشنطن بينما كان يعمل على بحث حول
القضاء المصري، سأل
محامي المتهم عن التهمة، فقيل له إنها الانضمام لمنظمة إرهابية ونشر الأخبار الكاذبة.
وقال وليد سالم، 42 عاما، إنه فرح بالتهمة الثانية؛ لعدم وجود أدلة تثبتها، لكن قيل له
لاحقا إن وصم المتهم بهذه التهمة هي طريقة لوضعه في الخانة السوداء.
ويعني
أنه علق في مرحلة ما قبل المحاكمة، ولم توجه إليه تهمة أبدا أو قدم للمحاكمة بشكل رسمي،
وبدلا من ذلك، فكلما انتهت فترة الحكم يقوم القاضي بتجديد الفترة في جلسة استماع تستغرق
عادة 90 ثانية.
وقال
سالم: "في الخمس الأشهر الأولى، تحاول إقناع نفسك أنها فقط خمسة أشهر"، و"لكن
بعد مجيء وذهاب الخمسة أشهر تبدأ بتوقع الأسوأ".
وذكّرت
الصحيفة بتراجع الرئيس جو بايدن عن
حقوق الإنسان في لقائه بجدة مع ولي العهد السعودي
محمد بن سلمان، الذي لامه على مقتل جمال خاشقجي عام 2018، كما والتقى يوم السبت مع الرئيس
المصري الذي شجب سجله في حقوق الإنسان.
تعتقل
مصر عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، حسب جماعات حقوق الإنسان والباحثين، وزاد
عددهم بعد الحملة التي قام بها السيسي لسحق المعارضة. ورغم سجن السابقين للسيسي المعتقلين، إلا أنه حول أداة إدارية روتينية إلى آلة مصر الرئيسية للقمع.
وتقوم
قوات الأمن باعتقال الأشخاص من الشوارع أو بيوتهم، وتحتجزهم في أماكن غير معروفة ودون
محامين، وعندما يظهرون يتم اتهامهم بالإرهاب وسجنهم لمدد لا نهائية، دون منحهم الفرصة
لإثبات براءتهم أمام القضاء.
وأدت
الحملة القمعية التي وقع سالم في شركها عام 2018 لاعتقال المصريين من كل الألوان، واتهامهم
بمعاداة الدولة، وشملت سياسيا فكّر بالترشح ضد السيسي وامرأتين اشتكتا من ارتفاع سعر
تذكرة المترو، ومجندا وضع "ميم" يشبه السيسي بميكي ماوس.
وتمت
محاكمة بعض السجناء السياسيين، وإن بطريقة روتينية، ليحكم عليهم بمدد طويلة. وفي المحاكم
الخاصة التي تحول حكومة السيسي معظم السجناء السياسيين إليها، لا تقدم الأدلة، ولا يسمح
للمتهمين بالدفاع عن أنفسهم. ولا يوجد هناك سجل حول عدد المعتقلين بانتظار محاكمتهم،
إلا أن سجلات مكتوبة بخط اليد أعدها محامون متطوعون وحصلت "نيويورك تايمز"
عليها تكشف ولأول مرة عدد الأفراد المعتقلين دون محاكمة والعملية القضائية الدائرية
التي تبقي على سجنهم بلا نهاية.
فقد
سجنت قوات الأمن في ستة أشهر فقط ما بين أيلول/ سبتمبر 2020 إلى شباط/ فبراير 2021 حوالي
4.500 شخص علقوا في مرحلة ما قبل المحاكمة. ورغم الفترة التي يحددها القانون المصري
على فترة الاحتجاز قبل المحاكمة، إلا أن المدعين والقضاة يمددون الفترة وبعد جلسة استماع
روتينية. وهناك واحد من كل أربعة معتقلين مددت فترات احتجازهم دون محاكمة لأكثر من
عام. وعادة ما يتم الجمع بين العشرات أو المئات في حالة واحدة، حيث يتم تمديد حبسهم
بشكل جماعي. وفي قضية واحدة شملت على 600 محتجزا اعتقلوا أثناء احتجاجات ضد الحكومة.
ومنهم طفل عمره 14 عاما اعتقل في الجيزة وامرأة من الإسكندرية عمرها 57 عاما ورجل عمره
20 عاما اعتقل في مكتب هندسة معمارية بالسويس.
وللحصول
على عدد تقريبي للمعتقلين ضمن هذا النظام الدائري للاعتقال، قامت الصحيفة بمقارنة الأسماء
في القوائم المكتوبة وعدد حالات الظهور أمام المحاكم، وأخذت بعين الاعتبار التباين
في كتابة الأسماء وتلك التي تكررت. وما حصلت عليه هو عدد تقديري، وبالتأكيد فعدد المعتقلين
في نظام ما قبل المحاكمة يعتبر أكبر. لكن الرقم يعطي في النهاية صورة عن هذا النظام،
ولم يتم شمل المعتقلين الذين اعتقلوا وأفرج عنهم قبل نهاية فترة الخمسة أشهر، حيث يقتضي
من المعتقل الحضور أمام المحكمة لتمديد سجنه أو إطلاق سراحه. ولم يشمل أيضا على المصريين
الذين حوكموا خارج العاصمة. ولا توجد سجلات للمعتقلين خارج القانون، في مراكز الشرطة
أو المعسكرات ومن اختفوا دون أثر.
ويقول
المحامي خالد علي: "تم اعتقال المزيد والمزيد من الأشخاص"، ومن المفترض أن
تعطى فترة ما قبل المحاكمة السلطات الفرصة للتحقيق، إلا أنها تستخدم "كعقاب".
وتقدر منظمات حقوق الإنسان عدد المعتقلين في مصر بـ60.000، بمن فيهم أولئك الذين ينتظرون
المحاكمة ومن صدرت ضدهم أحكام والذين اتهموا بالإرهاب، وكذا من رأت السلطات أنهم يحملون
أفكارا سياسية منحرفة. وتنفي الدولة أنها تحتجز معتقلين سياسيين، وأنها تعتقل فقط المتهمين
بنقد السلطات. وقال صلاح سلام، العضو السابق في المجلس الوطني لحقوق الإنسان:
"لدينا قانون ضد الاحتجاج"، و"لا يمكنني وصف من يتآمر على الدولة بالمعتقل
السياسي".
وفي
الأسابيع الماضية، بدأ بعض المسؤولين بالاعتراف بوجود معتقلين سياسيين، وأن الضرورة
دعت لذلك من أجل إعادة الاستقرار بعد الربيع العربي عام 2011. وقال طارق الخولي، عضو
البرلمان: "عندما يمر بلد في فترات، مثل فترة الهجمات والإرهاب والإصلاح الاقتصادي، وعندها يجب اتخاذ إجراءات".
وفي المحاكم والسجون، لا أحد يتظاهر بطبيعة السجين،
فالقاضي والمحامي والحارس يشيرون إليهم بالمعتقلين السياسيين. ومن الناحية الرسمية
فكل المعتقلين بانتظار المحاكمة وجهت إليهم تهمة الإرهاب، ما يسمح للسلطات أن تعتقلهم
باسم الأمن. ولا تفرق السلطات بين المتشدد الذي يزرع قنبلة ومن ينشر على "فيسبوك"
متذمرا من ارتفاع الأسعار، فكلهم إرهابيون.
ووجدت
جماعة بحث في مصر تتابع النظام العدلي المصري أن حوالي 11.700 شخصا اتهموا بالإرهاب ما
بين 2013 و2020 لا علاقة لهم بالعنف المتطرف. وقال محمد لطفي، من الهيئة المصرية للحقوق
والحريات: "يظهر هذا كيف فقدت تهمة الإرهاب معناها".
وتقول
الصحيفة إن نظام ما قبل المحكمة يعطي صورة عن وجود عملية قانونية، إلا أن مقابلات مع
معتقلين ومعتقلين سابقين وعائلات معتقلين وناشطين وباحثين ومحامين تؤكد أن المدعين
والقضاة يحاولون تحديد حقوق المعتقلين. وخلال الخمسة أشهر الأولى، يتم اعتقال الأشخاص
قانونيا لمدة أسبوعين بناء على الاتهام من المدعين، وهي فترة تمدد حالة طلب المدعون
وقتا للتحقيق، وهذا ما يفعلونه مع معظم المعتقلين ويجددون اعتقالهم لمدة أسبوعين دون
اتهامات. وبعد نهاية الخمسة أشهر، يظهر المحتجز أمام قاضي في محكمة إرهاب حيث يتم تجديد
الفترة لمدة 45 يوما في كل مرة. ومن الناحية العملية، فمن المفترض أن تعطي الجلسة المتهم
الفرصة للدفاع عن نفسه، لكن من النادر ظهور المحامي أو حتى الأدلة، حسب شهادات المعتقلين
السابقين والمحامين. وهي جلسات مغلقة حتى لعائلات المعتقلين. ويظهر المتهمون في أقفاص
زجاجية لا يسمع صوتهم ولا يسمعون الأحكام ضدهم. وفي حالة سالم، فعندما ورد اسمه فتح
القاضي الميكروفون وطلب منه الحديث. وقال سالم: "حضرة القاضي أنا أكاديمي مثلك
ولدي طفلة أرجوك أن تقدر هذا"، لكن القاضي مدد الاحتجاز لمدة 45 يوما أخرى. وعندما
أفرج عنه بعد 7 أشهر منع من السفر لرؤية ابنته البالغة من العمر 13 عاما مع أمها في
بولندا.
وأدى
كوفيد لوضع حاجز بعيد بين المعتقلين والعدالة، فضمن الإجراءات المعمولة للحد من انتشار
فيروس كورونا، نقل المسؤولون بعض المعتقلين لغرف تحت قاعة المحكمة دون جلبهم أمام
القضاة. وربما كانت الإجراءات مقنعة، كما يقول المحامون، لو لم تحتجز السلطات المعتقلين
في زنازين مكتظة أو قدمت لهم الأدوات الواقية وسمحت لعائلاتهم بدعمهم.
ولا
تستغرق جلسات الاستماع سوى دقائق قبل توقيع القاضي قرار التمديد. وقال خالد البلشي،
مدير تحرير "الدرب": "كل العملية لا علاقة لها بالعدالة".
ويستمر
تمديد مدة السجن كل 45 يوما حتى عامين، وعندها يجب الإفراج عن المعتقل، لكن هذا لا
يحدث؛ لأن المدعين يأتون باتهام جديد لبدء مدة عامين جديدين. وحسب مركز الشفافية المصري
للبحث والتوثيق وإدارة البيانات، فهناك حوالي 1.764 سجينا مروا خلال حالات جديدة من
كانون الثاني/ يناير 2018 وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2021.
فعلا
قرضاوي، 56 عاما، اعتقلت مع زوجها هشام خلف، 59 عاما، وهما في إجازة عائلية بمصر عام
2017. ويتهم الزوجان اللذان لديهما إقامة دائمة في الولايات المتحدة بالانضمام لجماعة
إرهابية، لكن التهمة الحقيقية هي علاقة النسب مع الشيخ يوسف القرضاوي الناقد لانقلاب
عام 2013 ضد محمد مرسي. وبعد انتهاء فترة العامين قضياها في حجز انفرادي، قام المدعون
بتقديم قضية جديدة ضدهما، وأنهما ارتكبا جرائم جديدة وهما في المعتقل. وقالت آية خلف،
المواطنة الأمريكية، وابنتهما: "كنا نخطط لحفلة، واعتقدنا أننا سنحتفل عندما يحضران"،
وأفرج عن القرضاوي في كانون الأول/ ديسمبر 2021، أما زوجها فلا يزال معتقلا.
ورغم
وجود فرق بين الاحتجاز قبل المحاكمة والحكم بالسجن، إلا أن ظروف الاعتقال دائما ما تكون
فظيعة، زنازين مكتظة، وحرمان من الفراش والطعام والدواء، وتعرض للتعذيب. وتقول منظمات
حقوق الإنسان إن مئات من المعتقلين ماتوا خلال السنوات الماضية بسبب الظروف السيئة
والحرمان من العناية الطبية والمعاملة القاسية.
ويقول
المسؤولون إن واحدا من أسباب اكتظاظ السجون نابع من عدم قدرة النظام القضائي على التعامل
مع عدد كبير من الحالات بعد سيطرة الجيش، ولكن النقاد يقولون إن النظام استخدم الاعتقال
كوسيلة لتعزيز الديكتاتورية. واستهدفت الحكومة في البداية جماعة الإخوان المسلمين واتهمتم
بتنظيم عمليات إرهابية، ووسعت عملية الاعتقال لأعضائها ومن شاركوا في حكومتها. ثم جاء
دور الناشطين وأعضاء المعارضة والأكاديميين والصحفيين. فقد تم اعتقال حوالي 110 ناشطا
و 733 من العاملين في الإعلام و453 أكاديميا، ما بين 2013- 2020. وشمل القمع في النهاية
الناس العاديين والمحتجين. ففي عام 2019 تم اعتقال 4.000 شخصا في تظاهرات نادرة ضد
الفساد.
وكانت
الاعتقالات مقدمة لاعتقالات أخرى؛ منعا لربيع عربي جديد، حيث ركزت السلطات على اعتقال
من اعتقدت أن لديهم مواقف معارضة. وفي ميدان التحرير الذي شهد ثورة عام 2011، بدأت
قوات الأمن بإيقاف المارة وفتح هواتفهم؛ بحثا عن محتوى سياسي. وأنشئت وحدة خاصة في وزارة
الداخلية، بمهمة مراقبة منصات التواصل الاجتماعي، واعتقال من يشاركون بمحتوى تراها الدولة
معادية. وفي فترات ذكرى الاحتجاجات مثل 2011، تقوم الشرطة بمداهمات وبناء شبكات لاعتقال
شبان يتجولون حول نقاط الاحتجاج الساخنة.
وتم
اعتقال واستدعاء أكثر من 16.000 شخص في الفترة ما بين 2020- 2021 حسب المركز المصري
للشفافية، ولا يشمل هذا الرقم شمال سيناء حيث تخوض الدولة حربا ضد المتشددين.
وذهب
معظم المعتقلين إلى نظام ما قبل المحاكمة، وأفرج عن آخرين قبل نهاية مدة الخمسة أشهر.
ويقول محامون إن تزايد الحالات خلق وضعا لم يعد القضاة قادرين فيه على ملاحقة الكم
الكبير من الملفات. وقال محامون إنهم شاهدوا محكمة إرهاب انتظر فيها 800 معتقل في الأقفاص
الزجاجية حتى منتصف الليل. وأدى زيادة المعتقلين لعملية بناء سجون، حيث بنت الحكومة
60 سجنا منذ عام 2011.
وفي
حالات اعتقال الأشخاص من بيوتهم أو الشارع تنقطع أخبارهم عن العائلة، حيث يذهب الأشقاء
إلى مراكز الشرطة يبحثون عن مكان اعتقالهم دون خبر. وعادة ما تنتظر العائلات أسبوعين
أو أكثر كي تحصل على خبر، وأن ابنها قد قدم لجلسة استماع ما قبل المحاكمة. ويتطوع محامون
لتمثيل من ليس لديهم محامون وهي طريقة وحيدة لإخبار عائلاتهم. وفي أحيان يتم اعتقال
المحامين الذين جاءوا لتمثيل المحتجزين.
وتقول
الصحيفة إن الحكومة المصرية ردت على الضغوط الدولية وانتخاب الرئيس الأمريكي بايدن
الذي تعهد بعدم منح الديكتاتوريين الصك المفتوح بالإعلان العام الماضي عن وثيقة لحقوق
الإنسان وحوار وطني هذا العام، وأفرج عن بعض السجناء، لكنه يفرج ويعتقل في الوقت نفسه.
ورفض
معظم المسؤولين المصريين الذين حاولت الصحيفة سؤالهم عن فترة ما قبل المحاكمة، ولم
تتلق تعليقات من المدعين أو القضاة.