كشف أحد زعماء المعارضة التشادية تفاصيل ونتائج مفاوضات السلام التشادية- التشادية التي تحتضنها العاصمة القطرية الدوحة منذ أشهر، مؤكدا أن حفل توقيع الاتفاق النهائي، الذي جرى التوصل إليه مؤخرا، سيتم تنظيمه في الدوحة خلال الأسبوع الأول من شهر آب/ أغسطس المقبل.
جاء ذلك في مقابلة مصورة أجرتها "عربي21" مع محمد بشير خليل، مُمثل الحركة الديمقراطية التصحيحية "MDR"، وهي أحد مكونات "المنسقية الوطنية من أجل التغيير والإصلاح (CNCR)".
وأوضح بشير أنه جرى تحديد يوم 20 آب/ أغسطس موعدا لانطلاق الحوار الوطني الشامل في العاصمة أنجمينا، بمشاركة الحركات السياسية العسكرية التي تتواجد الآن في الدوحة، والتي قال إنها "قدّمت تنازلات عديدة لإنجاح المفاوضات".
وهاجم الدور الفرنسي في تشاد، قائلا: "الفرنسيون هم مَن يديرون شؤون البلاد، ويعتدون على الدستور بدعمهم لنجل الرئيس الراحل إدريس ديبي"، منوها إلى أن "علاقة الحكومة الفرنسية بالمعارضة التشادية سيئة جدا وصلت حد التهديد بتصنيف المعارضين على قوائم الإرهاب إن لم يوقعوا على اتفاقية السلام".
وأكد بشير، المتواجد حاليا في مصر، دقة وصحة اتفاقية السلام التي نشرتها "عربي21" في وقت سابق من يوم السبت، وقال: "هي نفس ما ورد تماما في نص الاتفاقية النهائية التي بين أيدينا، وهي شروط المعارضة ذاتها في معظمها، غير أننا كمعارضة نريد التزاما وضمانا قطريا كوسيط، ومن باقي المنظمات والهيئات الدولية بضمان تنفيذ هذه البنود على أرض الواقع بعد انتهاء الحوار الوطني".
اقرأ أيضا: "عربي21" تنشر نص اتفاق السلام في تشاد بوساطة قطرية
وكانت "عربي21" قد انفردت بنشر النسخة الأخيرة من اتفاق السلام الجديد الذي تقدم به الوسيط القطري من أجل تحقيق السلام في دولة تشاد، وذلك في أعقاب استضافة الدوحة مفاوضات جمعت بين ممثلي المجلس العسكري الانتقالي والحركات المسلحة في البلاد.
وبخصوص تنظيم الحوار الوطني الشامل، قالت الاتفاقية إن المجلس العسكري الانتقالي والحركات السياسية العسكرية يتعهدون رسميا ببذل كافة الجهود لتنظيم حوار وطني شامل تكون قراراته مُلزمة لجميع الأطراف، وذلك في العاصمة أنجمينا في أقرب وقت ممكن، دون أن تحدد موعدا بذلك.
ومنذ 13 آذار/ مارس الماضي، تستضيف الدوحة مفاوضات السلام بين المجلس العسكري الانتقالي ونحو 52 حركة سياسية وعسكرية تشادية، بهدف التوصل إلى اتفاق سلام أولي ينهي عقودا من الحروب، ويمكّن حركات المعارضة من المشاركة في الحوار الوطني الشامل لتحقيق المصالحة الوطنية في البلاد، وإجراء انتخابات حرة يشارك فيها الجميع.
وفي ما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
ما الذي وصلت إليه مباحثات السلام مع الحكومة التشادية التي انطلقت في 13 آذار/ مارس الماضي بالعاصمة القطرية الدوحة؟
مباحثات السلام لم تأت بنتائج مرضية لجميع الحركات السياسية العسكرية المؤثرة في المشهد الثوري التشادي، بينما حققت للحكومة الكثير مما كانت تريده بسبب تعنتها وتصلبها في جميع المطالب والمقترحات.
إلا أنه كما وصلت المفاوضات الجارية حاليا ببعض الحركات التشادية إلى طريق مسدود، وصلت أيضا في الضفة الأخرى ببعض الحركات السياسية العسكرية إلى الذهاب إلى العاصمة أنجمينا والمشاركة في الحوار الوطني الشامل المزمع عقده في 20 آب/ أغسطس المقبل.
كيف تابعت نص اتفاقية السلام التي نشرتها "عربي21" في وقت سابق من يوم السبت؟
بالفعل، لقد اطلعت عليها كما نشرتموها في "عربي21"، وهي ذات ما ورد تماما في نص الاتفاقية النهائية التي بين أيدينا، وهي شروط المعارضة ذاتها في معظمها، غير أننا كمعارضة نريد التزاما وضمانا قطريا كوسيط ومن باقي المنظمات والهيئات الدولية بضمان تنفيذ هذه البنود على أرض الواقع بعد انتهاء الحوار الوطني في أنجمينا.
وذلك بالتوقيع عليها في الدوحة قبل الذهاب إلى العاصمة التشادية، وأن يكون رئيس الوزراء بعد الحوار الوطني من المعارضة.
برأيكم، ما هي أبرز بنود مشروع اتفاق السلام الجديد الذي طرحه الوسيط القطري مؤخرا؟ وفي ما يختلف عن باقي المشاريع الأخرى؟
أرى أن من أبرز البنود عدم ترشح أعضاء المجلس العسكري الانتقالي الحالي، ومحاسبة المجرمين سياسيا وعسكريا وجنائيا واقتصاديا (نهب المال العام)، فضلا عن شكل الدولة والدستور، وكل هذه الأمور تريد المعارضة أن يتم التوقيع عليها وضمان تنفيذها هنا في الدوحة، بينما تقول الحكومة إنها ستناقش في الحوار الوطني في أنجمينا.
وما أبرز نقاط الاتفاق والاختلاف بين المعارضة والحكومة؟
أبرز نقاط الاختلاف والاتفاق أيضا هي إعادة هيكلة الجيش التشادي.
هل توصلتم إلى تصور واضح بخصوص انعقاد الحوار الوطني الشامل؟
بخصوص الحوار الوطني الشامل في أنجمينا، فجميع أجنداته مُعدّة سلفا، وتفاجأنا قبل أيام بتسريب الورقة النهائية للحوار الوطني الشامل، وكان مُصادقا عليها ومُوقعة بتاريخ 31 آب/ أغسطس.
ما مدى اتفاق وتوحد المعارضة التشادية في مواقفها خاصة بعدما شكّلت سابقا وفدا موحدا ورؤية مشتركة واحدة؟
المعارضة كانت متفقة تماما حتى تاريخ إصدار البيان الموحد الذي أدان تصرفات الحكومة وتدخلها في شؤون الحركات السياسية العسكرية، لكن بعد ذلك انقسمت إلى مؤيد للوفد الحكومي ورؤيته وإلى باحث عن سلام حقيقي يرضي الجميع، وهو الأمر الذي دفع بعض الحركات إلى الإعلان، في بيان مشترك، عن تعليق مفاوضات السلام الجارية في الدوحة.
بعض الحركات السياسية العسكرية أعلنت مساء الجمعة استئناف مشاركتها في محادثات بناء السلام مع السلطات المؤقتة بعد قطع المفاوضات قبل أيام.. ما تعقيبكم على تلك الخطوة؟
بالفعل، تم فك التعليق وعادت بعض الحركات إلى المفاوضات مرة أخرى، لكن نعتقد أن تلك الخطوة لن تأتي بجديد، خاصة بعد الإشارة إلى أن الورقة الأخيرة لاتفاق السلام نهائية وغير قابلة للنقاش.
هل هناك جهات بعينها (محلية أو دولية) تسعى لإجهاض مفاوضات السلام؟ ومَن هي تلك الجهات تحديدا؟
الجهات التي تحاول عرقلة المفاوضات هي بعض قادة المجلس العسكري الانتقالي الحالي، وبعض القيادات القبلية الحاكمة حاليا والمتواجدة بكثرة ضمن الوفد الحكومي، بالإضافة لفرنسا التي تريد بقاء الشخصيات الحالية في الحكم.
لماذا هددت المعارضة التشادية خلال الشهر الماضي بالانسحاب من محادثات السلام؟
الحركات التي هددت بالانسحاب هي التي علّقت مشاركتها بسبب تدخل الوفد الحكومي في شؤونها الداخلية، ومحاولاته شق الصف، وزرع الفتن، وبيع وشراء الذمم، والتهديد للمعارضين، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير للأسف.
لماذا أسست المعارضة التشادية أجنحة عسكرية خلال الفترة الأخيرة، خاصة أن البعض يرى أن هذا يخصم من رصيدكم السياسي؟
معظم الحركات المعارضة لم تنشئ أجنحة عسكرية؛ فهي عسكرية سياسية أصلا منذ تأسيسها، ورصيدها تضامن الشعب التشادي معها لاعتقاده أنها سوف تجلب الحرية والاستقرار له.
ما التنازلات التي يمكن للمعارضة تقديمها لمحاولة إنجاح المفاوضات؟
المعارضة لم تقدم شيئا تعجيزيا حتى تتنازل عنه؛ فكل مطالبها حقوق طبيعية وتريد ضمان التنفيذ فقط.
والحقيقة أن معظم الحركات السياسية العسكرية التي تتواجد الآن في الدوحة قدّمت تنازلات عديدة، منها التنازل عن الطلبات الشخصية لقادة وزعماء تلك الحركات، وأيضا متطلبات خاصة، فضلا عن إبدائها إمكانية مناقشة بعض البنود والنقاط التي لا تؤثر في مجمل المشهد التشادي.
لكن لا يمكننا التنازل عن القضايا المصيرية والرئيسية مثل هيكلة الجيش التشادي، ومسألة تطبيق وحماية الدستور، وغيرها.
ما تقييمكم لأداء الوفد الحكومي؟ وهل يتعاطى بمسؤولية وجدية مع مفاوضات السلام؟
أداء الوفد الحكومي سيئ جدا، ولم نلتق به إلا 3 مرات فقط بحضور الوسيط القطري.
ما أبعاد الدور الفرنسي في تشاد حاليا؟
الدور الفرنسي في تشاد لا يخفى على أحد، فهم مَن يديرون شؤون البلاد حتى الجيش والأمن العام. والدور الفرنسي في بلادنا حاليا يتمثل في الاعتداء على الدستور الذي تم وضعه خلال فترة حكم الرئيس الراحل إدريس ديبي، إذ اعتدى عليه الفرنسيون بإتيانهم بمحمد نجل الرئيس الراحل وتثبيته في السلطة، وإقناع دول العالم والمنظمات والهيئات الدولية ليكون امتدادا لنظام أبيه.
ما طبيعة العلاقة بين المعارضة التشادية والسلطات الفرنسية حاليا؟
علاقة الحكومة الفرنسية بالمعارضة التشادية الموجودة حاليا في الدوحة هي علاقة فرنسا ذاتها بالشعب التشادي، الذي قال كلمته المشهورة: "تشاد حرة وفرنسا برا".
وبالتالي فهي علاقة سيئة جدا، وصلت حد تهديد المندوب الفرنسي المراقب للمفاوضات المعارضين بأنه سيتم تصنيفهم على قوائم الإرهاب إن لم يوقعوا على اتفاقية السلام.
برأيكم، متى ستنتهي مفاوضات السلام؟
على أرض الواقع، انتهت المفاوضات بتقديم الوسيط القطري الورقة الأخيرة كما قال لرؤيته يوم الخميس 21 تموز/ يوليو الجاري، لكن المفاوضات ستنتهي رسميا بداية الأسبوع الأول من شهر آب/ أغسطس المقبل، والذي سيشهد حفل توقيع تلك الاتفاقية في الدوحة، حسبما هو مُخطط لها مؤخرا، وقد جرى تحديد يوم 20 آب/ أغسطس موعدا لانطلاق الحوار الوطني الشامل في العاصمة أنجمينا.
إلى أي مدى ستكون تلك الاتفاقية مرضية لكل الأطراف؟
لن يكون هناك اتفاق يرضي الجميع؛ فالتوصل لاتفاق عادل ومُرض لكل الأطراف غاية لا تُدرك، خاصة أن الحركات السياسية العسكرية بكل تأكيد لم تكن لديها نفس وجهات النظر والقناعات، وهذا أمر نحن نتفهمه.
لكن ماذا لو فشلت المباحثات الجارية الآن في الدوحة؟
نحن نرى أن تلك المفاوضات قد فشلت بالفعل؛ نظرا لتعنت وغطرسة الوفد الحكومي، ونعتقد أن الأوضاع لن تتحسن كثيرا في البلاد بالشكل المأمول.