مقابلات

وزير بريطاني سابق يتحدث لـ"عربي21" عن بلاده والشرق الأوسط

ديفيد ميليباند - عربي21

تناول وزير الخارجية البريطاني السابق ورئيس لجنة الإنقاذ الدولية، ديفيد ميليباند، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، ملفات داخلية بريطانية مثل استقالة بوريس جونسون، وكذلك أخرى خارجية تتعلق بالأزمة الأوكرانية وتأثيرها على الشرق الأوسط.

  

وقال إن بلاده تمر حاليا بفترة عدم استقرار ديمقراطي وسياسي كبير، وذلك على خلفية الأزمة التي تشهدها بريطانيا إثر استقالة رئيس الوزراء، بوريس جونسون، الذي رضخ مؤخرا وقدّم استقالته من منصب زعيم حزب المحافظين بعد سلسلة استقالات هزت أركان الحكومة وضغوط كبيرة تعرض لها من أعضاء الحزب.

وخلال الأشهر الماضية، تزايدت وتيرة الانتقادات الموجّهة لـ "جونسون" بسبب حفلات، تم الكشف عنها، أقيمت في مقرات حكومية في داوننغ ستريت (مقر الحكومة البريطانية) خلال فترة جائحة كورونا.

 

اقرأ أيضا: الغارديان: فترة حكم جونسون إرث من الكذب واحتقار البسطاء

وحول مدى فاعلية وتأثير حركة اليسار الآن في بريطانيا، أوضح ميليباند، الذي ينتمي لأسرة يسارية عريقة، أن بريطانيا أخذت منعطفا يمينيا خلال العقد الماضي؛ فحكومة حزب العمال التي كنت عضوا فيها استقالت عام 2010، وخلفتها حكومة محافظة متعاقبة، مضيفا أنها "فترة قاحلة تماما لتيارات اليسار الوسطي أو اليسار في المملكة المتحدة".

وأشار الرئيس والمدير التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية، في مقابلة خاصة مع "ضيف عربي21"، إلى أن "منطقة الشرق الأوسط الآن تعدّ موطنا لإحدى أكبر أزمات اللاجئين المعاصرة في العالم"، مؤكدا أن المنطقة تأثرت بتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية من خلال "التأثير الواضح على أسعار الغذاء والطاقة، فضلا عن تراجع الالتزام بسيادة القانون والأعراف الدولية".

 


وذكر ميليباند أنه بالرغم من شعورهم بالارتياح لأن مجلس الأمن الدولي قد صوّت مؤخرا على تجديد قرار عبور المساعدات الإنسانية إلى سوريا، إلا أنه أكد أنه من غير الممكن تفسير خفض مدة صلاحية عبور تلك المساعدات، خاصة أن الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا وصلت إلى مستويات قياسية.

واعتمد مجلس الأمن، في 12 تموز/ يوليو الجاري، قرارا بتمديد آلية المساعدات الإنسانية إلى سوريا عن طريق معبر "باب الهوى" على الحدود التركية، لمدة 6 أشهر فقط بدلا من عام كامل.

وتاليا نص المقابلة مع "ضيف عربي21":

ما تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية على أوضاع حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط؟


هناك اثنان من التداعيات الرئيسية لحرب أوكرانيا على الشرق الأوسط. أولا، التأثير الواضح على أسعار الغذاء والطاقة. من الجلي أن هذين المؤشرين سيؤثران على أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط بشكل مختلف بالقياس على درجة الاعتماد على الواردات الأوكرانية من الحبوب والذرة، التي تُعد مرتفعة جدا في بعض دول الشرق الأوسط مثل مصر واليمن.

 

ولكن أيضا استنادا إلى ما إذا كانت الدول منتجةً للنفط أم لا، إذ ستستفيد الدول المنتجة للنفط من ارتفاع أسعار النفط، بينما سيعاني البقية. إذن، سيكون التأثير الأول مباشرا على مستويات معيشة عدة ملايين من الناس في جميع أنحاء المنطقة.

يمسّ التأثير الثاني الأعراف الدولية والالتزام بسيادة القانون؛ فقد أدانت 141 دولة في الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة غزو أوكرانيا، ومن الواضح أن الحفاظ على السلام والأمن الدوليين يعتمد على الحفاظ على سيادة القانون الدولي.

 

لقد تحدثت عن مخاطر عصر الإفلات من العقاب، وغزو دولة من دولة أخرى يصنّف بشكل واضح على أنه إفلات من العقاب. وبالتالي، فإن سيادة القانون الدولي تكتسي أهمية بالغة للناس في الشرق الأوسط، وهي على المحك في ما يتعلق بمسألة أوكرانيا التي تعتبر غاية في الأهمية في الوقت الحالي.

كيف تنظرون إلى أبعاد أزمة اللاجئين في الشرق الأوسط؟

يُعدّ الشرق الأوسط الآن موطنا لإحدى أكبر أزمات اللاجئين المعاصرة في العالم. ومن الواضح أننا شهدنا أزمة لاجئين على مدار سنوات عديدة، لكن الأزمة المعاصرة التي تضاف إلى تدفق الأشخاص في المنطقة من سوريا هي واحدة من أكبر الأزمات بوجود ستة ملايين ونصف لاجئ من سوريا.

لقد سلطت (أزمة اللاجئين) ضغطا على كامل نظام الشرق الأوسط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وهي جزء من الاتجاه العالمي لارتفاع عدد الأشخاص الفارين من العنف والاضطهاد في جميع أنحاء العالم الذي تجاوز الآن 100 مليون شخص.

ولجنة الإنقاذ الدولية هي مؤسسة خيرية إنسانية دولية تم إنشاؤها لأول مرة لمساعدة اللاجئين في أوروبا خلال الثلاثينات، ونحن نعمل حاليا في جميع أنحاء العالم بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط لمساعدة الأشخاص الذين دُمرت حياتهم بسبب النزاعات والكوارث للنجاة واستعادة السيطرة على حياتهم.

  

هذا يعني أننا نعمل في اليمن وسوريا ولبنان والأردن التي تُعتبر من الدول المضيفة للاجئين، وفي العراق أيضا.

هناك دول يكون فيها التوظيف لدى لجنة الإنقاذ الدولية من السكان المحليين، ولكن في جميع الحالات فإن الموظفين المحليين يمثلون أغلبية موظفينا. إن العمل الذي نقوم به والخبرة التي نُقدّمها والتجربة التي نمتلكها يمكن أن تكون مفيدة للمنطقة.

ما مدى أهمية قيام مجلس الأمن الدولي بإعادة المصادقة على القرار رقم 2585 لنقل المساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي من تركيا إلى سوريا لمدة 6 أشهر فقط؟ وما دوركم في هذا الصدد؟

إن لجنة الإنقاذ الدولية هي مؤسسة خيرية إنسانية عالمية، ونعمل في الشمال الغربي والشمال الشرقي لسوريا، ونعمل بطريقة مستقلة وغير متحيزة لمساعدة المحتاجين، سواء لتوفير الإمدادات الطبية أو سبل العيش أو التعليم أو الرعاية الصحية.

تم توثيق الحاجة إلى نقل المساعدات عبر الحدود بشكل جيد من وكالات الأمم المتحدة ومسؤوليها.

 

ويُمثّل معبر باب الهوى المنفذ الوحيد المتاح كشريان حياة لأكثر من مليون شخص في شمال غرب سوريا. لقد جادلنا بأن الأدلة واضحة، وتشير إلى أنه يجب في الواقع أن يكون هناك أيضا معبر ثان في شمال غرب البلاد، ومعابر أخرى شرق البلاد من العراق إلى سوريا.

وسبب عبور هذه المعابر الحدودية هو عدم إمكانية نقل الإمدادات عبر خطوط النزاع، وهذا هو الحال بشكل خاص بالنسبة للمساعدات الطبية، ولكنه يشمل مسائل أوسع نطاقا.

 

وتجدر الإشارة إلى أنه صدر مؤخرا قرار من الأمم المتحدة يسمح باستمرار عبور الحدود لمدة ستة أشهر فقط، وهو أمر لا نعتقد أنه مبرر للفترة المحددة بستة أشهر بالنظر إلى الأدلة الموجودة على أرض الواقع التي نراها كل يوم.

ورغم أننا نشعر بالارتياح لأن مجلس الأمن قد صوّت على تجديد قرار عبور المساعدات الإنسانية، إلا أنه من غير الممكن تفسير خفض مدة صلاحية عبور تلك المساعدات من 12 شهرا إلى 6 أشهر من ناحية إنسانية.

وفي هذا الصدد، نشير إلى أن الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا وصلت إلى مستويات قياسية، حيث ازدادت بنسبة 20% خلال العام الماضي في الشمال الغربي وحده. واليوم هناك أكثر من مليوني شخص في الشمال الغربي يعتمدون على المساعدة المُقدمة عبر الحدود للبقاء على قيد الحياة.

مع العلم أن صلاحية تجديد شريان الحياة هذا تنتهي في ذروة الشتاء المقبل، الأمر الذي من شأنه أن يهدد وصول السوريين إلى الدعم المنقذ للحياة، مثل المأوى والطعام في الوقت الذي سيحتاجون إليه بشدة، وستتكرر المآسي المماثلة التي تحدث كل شتاء للأسف، حيث تضطر العائلات النازحة والمجتمعات المضيفة إلى النجاة من درجات الحرارة المنخفضة والفيضانات المفاجئة وفقدان الدخل الموسمي.

والدكم كان عضوا بارزا في حركة اليسار الجديد ببريطانيا، ووالدتك أيضا من أبرز وجوه اليسار البريطاني.. فما رؤيتكم لمدى فاعلية وتأثير حركة اليسار الآن في بريطانيا؟

قد تستغرق الإجابة عن هذا السؤال وقتا طويلا جدا. كان والدي أكاديميا وباحثا، وتوفي منذ ما يقارب 30 عاما. من الواضح أن بريطانيا أخذت منعطفا يمينيا خلال العقد الماضي. بالإضافة إلى ذلك إن حكومة حزب العمال التي كنت عضوا فيها استقالت في سنة 2010 وخلفتها حكومة محافظة متعاقبة.

وتمر بريطانيا بفترة عدم استقرار ديمقراطي وسياسي كبير، وعدم استقرار حكومي في الوقت الحالي. ومن وجهة نظري السياسية، وليس من جهة نظر الحكومة، فإنه يمكن للمرء أن يقول بصدق إنها فترة قاحلة تماما لتيارات اليسار الوسطي أو اليسار في المملكة المتحدة.

كنت أول وزير بريطاني يكتب مدونات على الإنترنت عندما كنت وزيرا للبيئة.. لماذا تراجعت عن هذا الأمر؟

لم أتراجع عن كتابة المدونات. فأنا أكتب مدونات داخلية كما أكتب خارجيا في الصحف المتاحة للجمهور بما في ذلك الصحف المحلية. أعتقد أن جوانب التحول الديمقراطي المستمدة من وسائل الإعلام الحديثة يتم تقويضها بسبب القيود المفروضة على وسائل الإعلام الحرة.

لقد رأيت فائدة الإعلام الحر في حياتي المهنية وحول العالم، وأرى أن جزءا مهما جدا من شفافية المساءلة يكمن في توفر حرية التعبير وحرية الإعلام. وقدرة الناس على أن يؤدوا دور الصحافي بأنفسهم هي حرية مهمة في العالم الحديث.

في عام 1933 تأسست لجنة الإنقاذ الدولية بهدف تقديم المساعدات الإنسانية والتنمية الدولية.. فكيف تقيم مجمل الأعمال التي قامت بها حتى الآن؟

تم إنشاء لجنة الإنقاذ الدولية من عالم الفيزياء الألماني الشهير ألبرت أينشتاين ومجموعة من مؤيديه وأصدقائه في ثلاثينيات القرن الماضي في مدينة نيويورك الأمريكية، ونحن الآن مؤسسة خيرية إنسانية عالمية.

 

لسوء الحظ، لدينا الكثير من العمل لنقوم به أكثر من أي وقت مضى، ولكننا الآن منظمة توظف حوالي 20 ألف شخص حول العالم في 200 موقع حرج. ونحن ملتزمون بتحقيق تأثير ملموس للفئات المستضعفة لأن حياتهم دُمّرت بسبب الصراع والاضطهاد والكوارث.

نحن نعمل في جميع مراحل الأزمات، من منطقة الحرب وحتى اللاجئين، وهذا جزء مهم من مهمتنا الإنسانية. وأعتقد أننا تمكنا من تقديم مساعدة حقيقية للكثيرين أكثر من أي وقت مضى، ولكن للأسف لا يزال أمامنا الكثير لفعله.

ما هي أهداف لجنة الإنقاذ الدولية ومشاريعها المستقبلية؟

يتم تحديد عملنا في الـ35 دولة التي ننشط فيها من فريقنا الدولي الذي يقوم عمله على الاحتياجات التي يتم تحديدها في جميع أنحاء العالم. إنهم يخططون كل عام لتحقيق النتائج التي نتعهّد بها، وهي توفير البقاء والصحة والتعليم والدخل والتمكين للمستفيدين من خدماتنا.

 

وحاولنا أن نقيس بدقة ما حققناه في كل من تلك المجالات. ساعدنا خلال السنة الماضية 31 مليون شخص ونحن مصممون على الاستمرار في الوصول للأشخاص على أساس الحاجة، ووفقا للمبادئ الإنسانية.