خلال
الفترة الماضية كانت هناك معركة علمية بين عالِم الفضاء
المصري عصام حجي، وبين فريق
ضم باحثين مصريين وأكاديمي إثيوبي وآخرين من جامعة أوكسفورد البريطانية على صلة وطيدة
بشركات استشارية عملت في ملف
سد النهضة لصالح إثيوبيا، على خلفية تشكيكهم في دراسة
أجرتها جامعة جنوب كاليفورنيا الأمريكية بالتعاون مع جامعة كورنيل تحت إشراف
"حجي" بشأن سد النهضة، وتم نشرها خلال شهر تموز/ يوليو 2021.
تلك
المعركة العلمية فجّرت أحاديث بشأن وجود "جماعات ضغط منظمة إثيوبية تستغل أسماء
مصريين" تعمل في ملف سد النهضة من خلال محاولة التشكيك في أي أبحاث تُحذّر من
المخاطر المحتملة للسد على دولتي المصب (مصر والسودان).
من جهته،
قال خبير هندسة السدود، الدكتور محمد حافظ، إنه "من المعروف أن إعلان مبادئ سد
النهضة الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015، والقانون الدولي للأنهار يسمح لأي
دولة من الدول الثلاث بإقامة المنشآت على أرضها كما تشاء، إلا إذا كان هناك ضرر سيقع
على دول المصب، وفي هذه الحالة يستوجب عمل اتفاقية بين الدول، وإنشاء إدارة مشتركة
لتلك المنشآت".
وأضاف،
في حديث مع "عربي21": "يعتمد إثبات الضرر على الدراسات والأبحاث العلمية
المُحكمة لإثبات ما إذا كان هناك ضرر من عدمه جراء إنشاء سد النهضة؛ فإذا وجدت دراسات
علمية محكمة ومنشورة تثبت احتمالية وقوع ضرر على مصر أو السودان بسبب السد، فهذا سيستوجب
عقد اتفاقية لتفادي هذه الأضرار طبقا للقانون الدولي، وهو ما تعيه إثيوبيا جيدا".
وتابع:
"من أجل تفادي توقيع اتفاقية ملزمة بين الدول الثلاث، مما تعتبره إثيوبيا انتهاكا
لسيادتها في إدارة مواردها، تم إنشاء مجموعة أكاديمية تعمل مع مجموعة دعم في واشنطن
تدعى (وي آسبير)، وتهدف –كما هو مُعلن من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لأعضائها-
لمحاربة الأفكار، والأبحاث الخاطئة، وسيئة النية التي تسيء لسد النهضة، وتعمل هذه المجموعة
على مهاجمة وحذف أي بحث علمي في أي مجلة علمية مرموقة وذات مصداقية إذا كان هذا البحث
يُحذّر من آثار السد".
مجموعة
الضغط الإثيوبية
ولفت
إلى أن "عمل مجموعة الضغط الإثيوبية بدأ في 2019؛ فحين توقفت المفاوضات بدأت بمهاجمة
أول بحث علمي للكاتب الصحفي المصري أحمد السعيد المختص في شؤون البيئة، والذي نشر مقال
رأي باللغة الإنجليزية في مجلة الجمعية الجيوفيزيائية الأمريكية يلخص فيه نتائج أبحاث
منشورة عن إمكانية انهيار سد النهضة نتيجة الطبيعة الجيولوجية للتربة المُقام عليها
السد، ونشر المقال في دورية إيوس (EOS)".
على
إثر ذلك، أرسلت مجموعة الضغط تلك شكاوى لمجلة الجمعية الجيوفيزيائية، وطلبوا من المجلة
حذف مقال السعيد، وبالفعل قامت المجلة بحذفه لاحقا، ثم احتفلت هذه المجموعة بحذف هذا
البحث، ومن هنا بدأت فكرة حذف الأبحاث التي تتناول آثار سد النهضة، بحسب حافظ.
وأشار
خبير هندسة السدود إلى أن "وجود علماء أجانب ومصريين يضفي ثقلا لهذه المطالب
(حذف الأبحاث)، حيث يُمثل على أنه توافق بين طرفي النزاع وطرف محايد، بينما الحقيقة
أن كل هذه الأطراف جزء من مجموعة ضغط واحدة".
واستطرد
قائلا: "تستند مجموعات الضغط لحذف الأبحاث العلمية المُحكمة على الزعم بأن آثار
سد النهضة في تلك الأبحاث مبالغ فيها، وأنها تهدف لرعب الشعوب، وبعيدة عن المنطق، وأنها
أبحاث مُسيّسة، أو بدعوى مخالفتها لمعايير النشر العلمي".
تحالف
في الوسط العلمي
وزاد:
"هذه المجموعة عملت فيما بعد على إدارة مجموعة من الندوات الدولية تدعو فيها علماء
يعملون في ملف سد النهضة؛ لتكوّن تحالفا في الوسط العلمي يتعاطف مع ملف سد النهضة بما
فيهم أسماء مصرية، وبمجرد ظهور أي بحث يُحذّر من آثار سد النهضة يُهاجَم هذا البحث
دون حق الرد واستضافة كتابه، وهذا ما صار مع بحث فريق حجي الذي صدر في صيف
2021".
وقال:
"من الواضح أن هذه المجموعة هاجمت دراسة حجي، لأنها حظيت بتغطية صحفية وإعلامية
واسعة، بعدما نُشرت في مجلة علمية مرموقة، ومعروفة بالحياد والتحكيم الشديد، وهي مجلة
(Environmental Research Letters) التي استخدمت مبدأ
(التحكيم الأعمى من الطرفين) في عملية التحكيم؛ فلا يعرف الناشر أسماء أعضاء لجنة التحكيم،
ولا تعرف لجنة التحكيم اسم كاتب البحث، بالتالي أعطي أعلى درجات المصداقية العلمية
في التحكيم".
وأكمل:
"فور صدور الدراسة بدأت التغطية الإعلامية والصحفية، وبدأ معها عمل هذه المجموعة
لحذفها حسب المذكور في مواقع التواصل الخاصة بأفراد تلك المجموعة، وكشف تحقيق لبرنامج
(مصر النهارده) المُذاع على قناة مكملين، مواقع التواصل الخاصة بأعضاء هذه المجموعة".
وأردف:
"بدأت مجموعة الضغط في تكوين جيش إلكتروني من طلاب الدراسات العليا الإثيوبيين
المُقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية، ويقوم هؤلاء الطلاب بمراسلة المجلة بمجرد
ظهور البحث، ويقوموا بتقديم شكاوى باعتبار أن البحث غير دقيق، ويثير الكراهية بين الشعوب،
وبالتالي تجد المجلة نفسها أمام العديد من الشكاوى".
وتابع:
"ثم يأتي دور مجموعات بحثية أصغر مكوّنة من مصريين وإثيوبيين لإضافة مصداقية للحذف،
حيث أنه مُقدّم من طرفي النزاع ثم تقدم شكاوى رسمية في الأبحاث من مجموعة أخرى من باحثين
يرأسها باحث من جامعة أوكسفورد ومالك شركة استشارات خاصة تعمل عن قرب مع الطرف الإثيوبي،
لكن المجلة المعروفة في النهاية لم تقع في الخطأ الذي وقعت فيه مجلة الجمعية الجيوفيزيائية
الأمريكية، ولم تقم بحذف الدراسة واكتفت بنشر التعليقات النقدية والردود عليها التي
أوضحت الأخطاء والمغالطات".
حسم
المعركة العلمية
وأشار
إلى أن "مجلة (Environmental Research Letters)حسمت النقاش العلمي الذي دار مؤخرا بنشر تعليقات مجموعة الضغط وقبول
الردود العلمية عليها، والذي بيّن أن ما ذكروه ليس له أي أساس من الصحة، وأنه اقتطاع
من نصوص، واستشهاد خاطئ منقول من مواقع التواصل الاجتماعي ومقارنات غير صحيحة، ولم
تستجب المجلة لطلب حذف الدراسة".
وكان
عصام حجي قد قال في مقابلة مع قناة "الجزيرة مباشر": "هل نحن نرفض تكوين
مجموعات عمل مشتركة بين مصريين وإثيوبيين؟ الجواب لا بالطبع، بل نرحب بذلك، ولكن يجب
أن تكون تلك المجموعات مُعلنة لتسمح للكل بالمشاركة وتبادل الأفكار؛ فهناك مجموعة التقنية
العلمية المشتركة لدراسة السد، ومكوّنة من عدد من الخبراء ولهم باع طويل في الأبحاث،
وأُسست في عام 2019، وقد توقفت بسبب توقف المفاوضات، وهناك لجنة التفاوض، فلماذا العمل
في الخفاء؟ ولماذا لا تنتقد أي أبحاث تهون بشكل غير علمي من آثار السد؟".
وأثار
الإعلامي محمد ناصر الشكوك حول أن "مجموعة الضغط تنتهج مسلكا جديدا إن أرادت حذف
أحد الأبحاث - بعدما فطنت لأفعالهم المجلات العلمية، وأن اعتراضهم على الأبحاث لمجرد
تعصبهم لإثيوبيا – فلجأوا إلى استقطاب علماء بريطانيين وأجانب، وأعطوهم هذا الدور،
بقيادة باحث له شركة خاصة، ويعمل في جامعة بريطانية، هذه الشركة سبق لها أعمال كثيرة
مع الحكومة الإثيوبية، وفي نفس الوقت استعانوا بأسماء باحثين اثنين مصريين، بحيث يقدموا
تعليقين منفصلين لإيهام المجلة أنهم ليسوا مجموعة واحدة".