تخبرنا وسائل الإعلام حول العالم بأنّ الجيش الأوكراني يحصل على الأسلحة
المتطورة والحديثة في حربه ضد روسيا من الدول الغربية، مثل: الولايات المتحدة وبريطانيا
وألمانيا وفرنسا، إضافة إلى بولندا. هذا في الظاهر، لكن في الخفاء ثمّة آلية
إضافية أخرى، مختلفة تماماً، تقودها الدول الغربية نفسها وعلى رأسها الولايات
المتحدة، من أجل رفد كييف بأسلحة تعود إلى الحقبة السوفييتية، ولصدّ التقدم الروسي
على الأرض بواسطة أسلحة تمرّس عليها لسنوات.
الأسلحة الغربية المتطورة مثل مدافع "هيرماس" الأمريكية أو
"سيزار" الفرنسية أو حتى مدافع "فوندرڤافي" الألمانية وغيرها من
الأسلحة المتطورة، لا تزال في ما يبدو محرّمة على عدد كبير من الجنود الأوكرانيين،
نتيجة عدم كفاءتهم في التعامل مع أسلحةٍ لم يتدرّبوا عليها مسبقاً.. وبهذه الطريقة
يُمسي الجنود الأوكرانيون والمليشيات المشاركة في عمليات القتال، مجرّد
"بيادق" تُقدّم مثل الأضاحي في المعارك من أجل تغطية أو مساند الأسلحة
الغربية الحديثة خوفاً من خسارتها، فتنقلب اللعبة بشكل سريالي، ويموت المئات من
هؤلاء الجنود دفاعاً عن الأسلحة، وليس العكس!
هذه باختصار "فلسفة الحرب" الدائرة اليوم في أوكرانيا، أقلّه من
وجهة نظر الغرب، الذي يسعى ويبذل الجهود من أجل التخلّص من هذه الطريقة بأسرع وقت،
في سبيل إبطاء التقدم الروسي. وحتى تنجح مساعي الغرب، كان لا بدّ من دعمٍ عسكريّ
تقنيّ مختلف ودائم، ولو في السرّ، من خلال أروقة خفية أو عبر ما يُسمى "حدائق
خلفية"، وتولّت شركات خاصة تنفيذ هذه المهمة.
بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تزويد أوكرانيا بالسلاح السوفييتي، لم
يكن وليد الحرب التي نشبت في الرابع والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، بل سبقها
بسنوات طويلة، لكنّ الفساد المستشري في صفوف الجيش والمسؤولين الأوكرانيين بلغ
أشدّه، نتيجة المتاجرة المستمرة في محتويات المستودعات العسكرية طوال هذه السنوات،
وهو ما كشفت عنه القيادة الأوكرانية نفسها قبل أشهر، وخاضت حملات تطهير منذ شهر
آذار/ مارس الفائت، بعد ملاحظتها أنّ هذا السلوك، بدأ يؤدي إلى نتائج مدمّرة.
في حينه، اضطرت دول حلف "وارسو" السابق، بعضها بمبادرة منها
وبعضها الآخر بتوجيه غربي، إلى تزويد كييف بمعدات سوفييتية قديمة مثل مدافع
"هاوتزر" تشيكية وبولندية وسلوفاكية، إضافة إلى ذخائر كثيرة متنوعة، ثمّ وضعها تحت تصرف
السلطات في كييف، التي كانت تقود عمليات عقابية ضد إقليم دونباس، وكانت تستعدّ
لمواجهات شبه جزيرة القرم من أجل استعادته من روسيا.
هذه الوقائع تكشفها مستندات مسرّبة، نشرت
المواقع ووسائل الإعلام الروسية جزءا يسيرا منها مؤخراً، وتكشف أنّ بين الأعوام
2014 و2015 حاولت شركات أجنبية كثيرة شراء الأسلحة السوفييتية وشحنها إلى
أوكرانيا.
في جمهورية التشيك مثلاً، ثمة شركة أسلحة اسمها Read Trade Praha، اشترت هذه الشركة من كازاخستان أكثر من 100 مدفع نوع "هاوتزر"
وآلاف القذائف المخصصة للدبابات والمدافع. وشركة تشيكية أخرى اسمها STV Group أظهرت هي الأخرى في آب/ أغسطس 2021، اهتمامها
بالحصول على 385 قذيفة هاون سوفييتية من مختلف التعديلات.
وهنا يبرز سؤال: لماذا قد يحتاج التشيك إلى أسلحة سوفييتية قديمة؟ الجواب
الذي تكشفه وسائل الإعلام الروسية، يبوح بأن هذه الأسلحة كانت مخصصة للجيش
الأوكراني، من أجل الاستعداد للمعركة ضد روسيا.
في حقيقة الأمر، لم تكن جمهورية التشيك البلد الوحيد الذي تتّم من خلاله
عمليات شراء هذه الأسلحة، إذ تظهر الوثائق المسرّبة أنّ شركة
سلوفاكية أخرى تدعى Robus قامت في العام 2018 بشراء أكثر من 500 مدرعة من
نوع BMP من الجيل الأول والثاني،
وذلك من وزارة الدفاع في كازاخستان، ثمّ سلمتها بنجاح إلى أوكرانيا. وكذلك خلال
شهر أيار/ مايو الفائت، شاركت الشركة نفسها في "مناقصة مقفلة" لشراء
معدات عسكرية من مستودعات موجودة في كازاخستان، معربة عن رغبتها في شراء العديد من
ناقلات الجند المدرعة وطائرة هليكوبتر من طراز Mi-24 ومحركات طائرات من نوع Klimov.
في حينه، ما كان مثيراً للاهتمام عَجَلَة السلوفاكيين في البحث عن فرصة
لإعادة تصدير هذه الأسلحة، كما أنّه لم يكن ممكناً تمريرها إلى كييف عبر أراضي
روسيا، التي كشفت أجهزة الجمارك فيها هذه العملية قبل نحو شهر من اندلاع الحرب في
أوكرانيا، ورفضت تمريرها. إلاّ أنّ الشركة السلوفاكية استخدمت دولة أوغندا غطاءً
لهذه الشحنة، بحسب ما تظهر المستندات.
كان من الصعب إيجاد حلٍ بديل، لكن مع اندلاع الحرب في الشهر التالي (شباط/
فبراير) أصبح تصدير الأسلحة علنياً ومباحاً. وبالتالي، أصبحت مصالح الشركة وعملها
مشروعاً بشكل أوسع، ثمّ ما لبث أن توسع عمل الشركة ليشمل، إلى جانب توريد
المدرعات، الأسلحة والمعدات الخاصة بالطيران.
أمّا شركة Kazarnauliexport في كازاخستان، ففعلت الأمر ذاته، إذ نقلت صواريخ
من صنف "غراد" إلى كييف، بواسطة شركة Northrop البيلاروسية المخصصة للشحن حسب الوثائق المسربة نفسها.
ثم خلال الأشهر التي تلت الحرب، في 24 شباط/ فبراير، استَعَرَ الطلب على
ناقلات الجند المدرعة السوفييتية، لكنّ الشهية على الأسلحة السوفييتية تحوّلت إلى
جنوب الكرة الأرضية، وتحديداً إلى منطقة الشرق الأوسط، إلى دولة الأردن، حيث تملك
وزارة دفاع كازاخستان مستودعات للأسلحة في المنطقة الحرة هناك.
هذه المرة تمّت الصفقة بين شركة الأسلحة Technoexport LLP الكازاخستانية، التي تملك ترخيصاً
حكومياً لبيع المعدات العسكرية، ومصرّح لها بإجراء المفاوضات بالنيابة عن الدولة،
وبين فرع شركة Blue Water Supply البريطانية
في الأردن، المتخصّصة ببيع معدات اليخوت المدنية، وليس الأسلحة والمعدات العسكرية.
الفرع الأردني اسمه "الماء الأزرق للتزويد"، ويتعاقد مع "مركز الملك
عبد الله الثاني للتصميم والتطوير" (Joddb) الذي
يعمل تحت مظلّة القوات المسلحة الأردنية، ويقوم بتوريد قطع الغيار والملابس
والأدوات والمستلزمات الطبية لوزارة الدفاع في المملكة.
هذه الشركة في الأردن، يمثّلها شخص مقرّب من العائلة المالكة، تقول الأوساط
الروسية إنّه يُدعى تحسين ياسين، وهو مقرّب من العائلة المالكة. أعربت الشركة عن
رغبتهم في شراء ناقلات جند مدولبة سوفييتية من نوع BTR-82A وذخائر وقذائف الهاون.
في الوقت نفسه، كان لشركة Taha Savunma التركية مصالح مماثلة، إذ قررت شراء ناقلات جند مدرعة من الطراز BTR-70 وBTR-80 السوفييتية من كازاخستان، وكان يفترض أن تكون
وجهتها أذربيجان في النهاية.
كل هذا غيض من فيض، وهو جزء من عمليات شراء تقوم بها شركات أسلحة
وبمساندة دولها لتنفيذ أكبر عملية شراء مركزية للمعدات العسكرية السوفييتية
والروسية، بغية شحنها في نهاية المطاف إلى مناطق القتال في أوكرانيا.
موسكو تغلق فرع "الوكالة اليهودية للهجرة لإسرائيل" في روسيا.. لماذا؟
هل بات مسرح البلقان مهيّأ للحرب؟
قوة "سيبريا 2" في مواجهة العقوبات الأوروبية