لم تكن مشيخة عبد الله بن حسين الأحمر وراثية فقط، فقد خضع كما غيره من مشايخ الأسرة السابقين لمبايعة زعماء القبيلة، الذين يختارون شيخ مشايخها وفقا لشروط معينة، من بينها السلوك الأخلاقي الحميد والاستقامة وأداء الفرائض الدينية والعبادات والتحلي بالشجاعة والكرم وحسن المعاملة، وأن يجيد المرشح فنون القتال والكفاءة العلمية. وهذا الأخير ليس شرطا، وإنما بداهة تميز المرشحين لهذا المنصب.
اجتمعت هذه الشروط وغيرها في الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، لكن شرطا لم يطلبه أحد، وإنما فرض نفسه وسيحصل عليه بعد سنة من مشيخته في سن الـ 17، حيث تزوج للمرة الأولى وسيتزوج لمرات أخرى في حياته الطويلة وسينجب 19 طفلا، عشرة صبيان وتسع بنات. أولاده هم على التوالي صادق (شيخ مشايخ حاشد الحالي) حِمْيَر وحَمِيد وحسين وحاشد وبكيل وهاشم وهمدان ومذحج وقحطان. وقد توفي نجله الشيخ حسين مؤخرا بعد صراع مع المرض.
وللشيخ عبد الله مصاهرات مع أسر معروفة، فقد تزوجت شقيقته من الشيخ الراحل مجاهد أبو شوارب وشقيقته الثانية من الشيخ الراحل محمد أبو لحوم، الذي عمل في آخر مناصبه دبلوماسيا في السفارة اليمنية في باريس.
الشيخ الأحمر محاطا بأبنائه
تعرض الشيخ الأحمر لتحديات كبيرة خلال سنين مشيخته الأولى. كان عليه أن يخرج أباه وأخاه من السجن، وأن ينظم العلاقة مع الإمام أحمد حميد الدين بطريقة تتيح تحقيق مصالح الأسرة من جهة والقبيلة من جهة أخرى. لكن الأهم، هو الاشتراك في رسم السياسات المفيدة لليمن في تلك الفترة المضطربة، التي شهدت زلازل سياسية في العالم العربي، في طليعتها ثورة 23 تموز/يوليو المصرية عام 1952، ولها الأثر الأكبر في الإطاحة بالنظام الأمامي في صنعاء بعد عشر سنوات من اندلاعها.
على الرغم من تضرره من النظام الإمامي، لم يكن يتردد الشيخ عبدالله في وصف الأئمة الذين عرفهم بما يستحقون من الوصف في عرفه، ومن بينهم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، فهو على حد وصفه "شخصية نادرة، شهم وشجاع وكريم وعالم وشاعر ومحنك وجبري، وصاحب قرار وصاحب رأي وظالم ومستبد".
لم يكن تغيير النظام الإمامي مطروحا من طرف المعارضة في هذه المرحلة، على الرغم من تعسف وظلم الأئمة، خصوصا أن النظام يستمد شرعيته من مقاومته الناجحة للسيطرة العثمانية، ومن التفاف القسم الأكبر من اليمنيين حوله. لذا، لم يشترك الشيخ عبد الله ولا القادة الكبار من مشايخ اليمن في محاولة الاغتيال التي نفذها قائد حامية تعز العسكرية المقدم أحمد يحيى الثلايا الذي حاصر قصر الإمام في تعز، فانتفضت نساء القصر، وأرسلن خصلا من شعورهن إلى قبائل شمال اليمن مع رسائل أوضحن فيها أن حرائر بني هاشم يتعرضن للعسف والاعتداء وأن من واجب القبائل نصرتهن، فكان أن هاجمت قبائل الشمال وعلى رأسها حاشد مدينة تعز، وفَكّتْ الحصار عن قصر الإمام.
فيصل جلول في بني حشيش إحدى قبائل الطوق الصنعاني
شاركت حاشد في هذا الهجوم؛ لأنها، بحسب الشيخ عبد الله "، كانت تراهن على انتقال الإمامة لمحمد البدر نجل الإمام أحمد، حالها كحال قادة الرأي الكبار في اليمن"، ومن بينهم عبد الله السلال وحسن العمري ومحمود الزبيري وعبد الرحمن الإرياني رئيس الجمهورية المقبل وغيرهم. وقد بايع هؤلاء البدر "الإصلاحي" المزعوم وليا للعهد وبعضهم بايع من سجنه. في حين كان المقدم أحمد الثلايا قد خطط للانقلاب مع مجموعة من السياسيين والعسكريين، من أجل تنصيب الأمير عبد الله شقيق الإمام أحمد الذي يتمتع ـ بخلاف البدر ـ بشخصية قوية وموثوقة، في ضمان حكم البلد عبر إصلاحات أساسية كان اليمنيون بأسرهم يتطلعون إليها.
في العام 1959 أي بعد مضي أربع سنوات على انقلاب الثلايا الفاشل، اشتد المرض على الإمام أحمد، فقرر السفر إلى إيطاليا للعلاج، وبدأت الأنظار تتجه لتنصيب ابنه البدر إماما إصلاحيا على اليمن. أجرى البدر والمعارضون اتصالات مع مصر الناصرية لاعتراض طائرة الإمام أحمد خلال عودته من روما إلى صنعاء، واحتجازه في القاهرة ريثما يتم تنصيب ابنه البدر والحؤول، دون افتتاح باب المنافسة على الولاية بينه وبين أعمامه أشقاء الإمام؛ ذلك أن الخلافة في اليمن ليست قاصرة على الانتقال من الأب إلى الابن، بل مفتوحة على الأفضل من أعيان الأسرة الهاشمية، ممن تتوفر فيه شروط الحكم ومن يبايعه قادة المشايخ ورجال الدين وكبار الهاشميين وأهل الرأي في اليمن.
علم أحمد بالخطة المرسومة لتنحيته، فعاد من روما بالباخرة بدلا من الطائرة ورفض النزول في السويس، وقرر الانتقام من المعنيين لحظة وصوله إلى ميناء الحديدة؛ إذ أطلق صيحته الشهيرة أن "الإمام لا يطوى له علم"، وأن من لا يصدق فلينزل إلى الميدان. وهدد بقطع الرؤوس وبأنه لا يخشى "الأحمر ولا الأصفر والأخضر". وبعد أيام جرّد جيشا لقتال قبيلة حاشد "، فقرر والدي الدخول في وجه الإمام البدر لتفادي الهجوم ،وذهبتُ وإياه إلى الحديدة للسلام على الإمام وإقناعه بإلغاء الهجوم على القبيلة".
ويضيف الشيخ عبدالله: "كان الإمام أحمد يحترم والدي الطاعن في السن، لكنه رفض وساطة ابنه البدر للعفو عنه، وسخر منه وتحامل عليه ولوحق أخي حميد إلى أن اعتقل في الجوف. طلبتُ من الإمام أن يفرج عن أبي الذي لم يكن ناشطا في الحركة السياسية المعارضة، فانتفض وقال لي مهددا: والله لن أدع رأسا إلا وقطعتها ولن أدع بيتا من بيوت الأحمر إلا وهدمته من الخمري إلى قلعة سنجد". ومن ثم أرسلني إلى سجن المحابشة في ضواحي مدينة حجة، وهناك أعدم أبي وأخي بحد السيف سرا. لم يكن الإمام يعدم كبار الناس في الساحات العامة" ودائما بحسب الشيخ عبدالله.
فيصل جلول مع الشيخ محمد بن ناجي الشايف شيخ مشايخ قبائل بكيل
تقاعست قبيلة حاشد ولم تقاتل دفاعا عن شيخ مشايخها. كان الإمام يريد أن يعرف موقف القبيلة من إعدام شيخها، فبادر إلى إعدام ابنه حميد أولا، واحتجز الشيخ حسين الأحمر في مكان سري لمدة 15 يوما، كي يختبر رد فعل القبيلة وعندما أيقن أنها لم تحرك ساكنا بادر إلى إعدامه، وأمر باحتجاز الشيخ عبد الله في سجن المحابشة من العام 1959 إلى العام 1962.
"كنت أدير حاشد من السجن، وكان شركاؤنا وأولاد عمي يتلقون توجيهاتي طيلة سنوات الاحتجاز". والكلام للشيخ عبد الله الذي أكد أن قبيلته عوّضتْ عن تقاعسها في الدفاع عن أبيه وأخيه، عندما التفت حوله في مطلع الثورة الجمهورية في 26 أيلول/سبتمبر عام 1962، وبذلت خيرة رجالها دفاعا عن الثورة. واعتبر الأحمر أن الإمام ارتكب خطأ فادحا بإعدام شقيقه ووالده، ولو لم يفعل ذلك لما انحازت حاشد إلى صفوف الجمهوريين، ولما قاتلت النظام الإمامي حتى آخر رمق.
سيدافع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر عن الجمهورية دون هوادة، وسيشارك في قلب صفحة النظام الإمامي أولا، ومن ثم في دعم وحماية الحكومات الجمهورية المتعاقبة حتى وفاته في نهاية العام 2007.
اقرأ أيضا: الأحمر.. مشيخة معمرة في بيئة إسلامية لم تخترقها الكولونيالية
اقرأ أيضا: عبد الله الأحمر في عرين النظام الإمامي ومقاومة العثمانيين
جلول: هكذا طوى الأحمر الماضي مع الأئمة والسلاطين والاشتراكي
قصة عودة الأحمر إلى صنعاء يوم دفن الغشمي وبقائه بها حتى وفاته
الأحمر لم يغدر الرئيس الحمدي الذي قتلته استراتيجيته الخارجية