أثار
الإعلان عن تجاوز السعة الاستيعابية للسجون في الأردن بنحو سبعة آلاف نزيل، تساؤلات
حول أسباب ارتفاع عدد الموقوفين والمحكومين في المملكة، ومدى علاقة ذلك بالأزمة الاقتصادية
التي تمر بها البلاد منذ سنوات، وما نتج عنها من ارتفاع في نسب البطالة والفقر ومظاهر
التفكك الأسري، أم أن ثمة أسبابا أخرى لذلك؟
ووفق
تصريح لـ"إدارة السجون" الأردنية، الأحد، فقد تجاوز عدد نزلاء السجون السعة
الاستيعابية ليصل إلى 20 ألفا، مشيرة إلى أن السعة الاستيعابية لها تبلغ 13 ألفا و282
نزيلًا.
وأوضح
الخبير في علم الاجتماع، حسين الخزاعي، أنه "منذ أكثر من سنة؛ لم ينخفض مجموع
النزلاء في مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية عن 19 ألفا، جراء زيادة نمط الجرائم، خصوصا
المتعلقة بالاحتيال والمخدرات".
وقال
لـ"عربي21" إن 66.6 بالمئة من الجرائم التي ترتكب في الأردن "اقتصادية"،
والتي تطلق عليها الأجهزة الأمنية وصف "الجرائم التي تقع على المال" وهي
"السرقة الجنائية والجنوحية، والشروع بالسرقة، والاحتيال، وسرقة السيارات".
وأضاف
الخزاعي أن "طبيعة هذه الجرائم تشير إلى أن دافعها هو الحصول على المال بالدرجة
الأولى، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعانيها مرتكبوها، حيث إن معظمهم
عاطلون عن العمل، والدخل الوحيد لهم بات هو الجريمة".
ولفت
إلى أن من أسباب اكتظاظ السجون ارتفاع نسبة مكرري الجرائم، حيث تبلغ 39 بالمئة، مبينا
أن "هؤلاء ليس لهم عمل إلا الجريمة، ولا مأوى سوى السجن، وهم يضحّون بالحرية مقابل
الأكل والشرب والنوم في مراكز الاحتجاز، والبقاء برفقة أصدقاء السجون".
وأشار
إلى أن "20 بالمئة من نزلاء السجون حاليا احتُجزوا سابقا في مراكز الأحداث، فهم
ترعرعوا على الجريمة، وخاصة جرائم السرقة، وحين بلغت أعمارهم 18 عاما تم تحويلهم إلى
سجون البالغين، ليتعرفوا على أصدقاء السوء الذين يقومون بتحريضهم على ارتكاب المزيد
من الجرائم".
ورأى
الخزاعي أن من أسباب الاكتظاظ في السجون أيضا؛ ارتفاع عدد الموقوفين إداريا، حيث بلغوا
في بداية العام الحالي ألفين و199 موقوفا، لافتا إلى أن "هؤلاء يشكلون عبئا كبيرا
على مراكز الإصلاح والتأهيل".
وقال
إن التكلفة المالية لإنشاء مراكز سجون جديدة عالية جدا، فهي لا تقل عن 10 ملايين دينار
للمركز الواحد، عدا الكلفة التشغيلية التي لا تقل عن مليون دينار، مشيرا إلى أن
"الوضع الاقتصادي للبلاد لا يسمح بإقامة المزيد من هذه المراكز".
ومن
أجل التخفيف من أعداد الموقوفين والمحكومين؛ دعا الخزاعي إلى معالجة أسباب الجريمة
والتوقيف، وخصوصا ما يتعلق منها بالجانب الاقتصادي، وتسرب طلاب المدارس، وعمالة الأطفال،
والتفكك الأسري، والخلافات الشخصية، وحوادث السير.
العقوبات
البديلة
وطالب
الخزاعي بتفعيل العقوبات البديلة التي تحول دون اختلاط السجناء الجدد بمكرري الجرائم،
وتمنح فرصة لمرتكبي الجرم الخفيف للاندماج في المجتمع، والتعرف على حاجاته ومشاكله،
وتقديم الخدمة لأبنائه.
مطالَبةٌ
أيّدها رئيس جمعية جذور لحقوق المواطن، فوزي السمهوري، الذي قال إن تخفيف أعداد النزلاء
من خلال تكليفهم بتأدية خدمات مجتمعية بدلا من توقيفهم، واعتماد السوار الالكتروني
لضبط تحركاتهم، سيساهم في تخفيف الأعباء على مديرية الأمن العام، ويقلل من نفقات الدولة
على الموقوفين، حيث تقدر كلفة النزيل بنحو 750 دينارا شهريا.
وتطبَّق
العقوبات البديلة بحسب القانون؛ على المحكومين بالجنح التي تقل مدة الحبس فيها عن ثلاث
سنوات، ومن غير المكررين للأفعال الجرمية، وبالجنايات غير الواقعة على الأشخاص، باستثناء
حالات التكرار عند استخدام الأسباب المخففة والنزول بالعقوبة إلى سنة، على أن تستبدل
العقوبة بناء على تقرير الحالة الاجتماعية ببديل أو أكثر من بدائل العقوبات السالبة
للحرية.
وبلغ
عدد المستفيدين من العقوبات البديلة لهذا العام حتى منتصف الشهر الحالي، ألفا و66 محكوما،
بينما بلغ عددهم 302 خلال عام 2021، مما يؤشر على "نقلة نوعية، وتوسع بتطبيق العقوبات
البديلة"، وفق تصريحات إعلامية لأمين عام المجلس القضائي علي المسيمي.
وأشاد
السمهوري بتجربة العقوبات البديلة التي تهدف إلى توزيع ألف و500 سوار إلكتروني في المرحلة
الأولى منها، على أن يتم إيصالها إلى خمسة آلاف سوار، داعيا إلى "الإسراع في مضاعفة
هذا العدد، لمساعدة المتهم أو المحكوم بجنح بسيطة على إصلاح نفسه، وتحقيق الأمن النفسي
له ولأسرته وللمجتمع".
ولفت
إلى أن الاكتظاظ في السجون يؤثر على الوضع الصحي للنزيل، كما يعكر نفسيته، ويكون سببا
في وقوع مشاكل وخلافات بين النزلاء.
وطالب
السمهوري بتفعيل تصنيف كل من الموقوفين والمحكومين، لمنع اختلاط الموقوفين بسبب جنح
بسيطة أو حوادث سير بالمحكومين من ذوي الجنح الخطيرة، كالقتل والسطو المسلح وغيرهما.
ولفت
إلى أهمية أن "لا يُصدر القضاء قرارات بالتوقيف إلا في حالات الجنايات الخطرة،
والاكتفاء بربط أرباب الجنح البسيطة بضمانات يرى القضاء أنها كفيلة بعدم تكرارها، وبالإمكان
حضورهم في حال تم استدعاؤهم".
ورأى
أن من أسباب الازدحام في السجون؛ أن عددا كبيرا من الموقوفين والمحكومين ضحايا لـ"قانون
التنفيذ" الذي يقر حبس المدين، لافتا إلى أهمية أن يترجم الأردن عمليا مصادقته
على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تنص المادة 11 منه على أنه
"لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي".
وأشار
السمهوري إلى أهمية معالجة أسباب الجريمة، كالبطالة والفقر والأمراض النفسية وانتشار
المخدرات، مستدركا بالقول إن هذه الأسباب ليست مسوغا لارتكاب الجرائم؛ لأن ثمة طريقا
قويما يجب أن يسلكه الإنسان مهما ضاقت به الأحوال.
وبلغت
نسبة معدلات البطالة في الأردن نحو 25 بالمئة، وفق دائرة الإحصاءات العامة، إلا أن
البنك الدولي أعلن مؤخرا أن معدلات البطالة بين الأردنيين بلغت نسبة لا سابق لها وصولا
إلى نحو 50 في المئة.
وانعكست
معدلات البطالة بشكل مباشر على نسبة الفقر في المجتمع، حتى وإن لم تكن هناك أرقام جديدة
معلنة، فبحسب دراسة للبنك الدولي فإن مليون أردني يعيشون تحت خط الفقر الذي يبلغ
68 دينارا (نحو 95 دولارا) للفرد شهريا.
مصدر رسمي أردني يوضح لـ"عربي21" الموقف من مطار رامون
السفر عبر رامون.. مكاسب للاحتلال واستغلال لمعاناة الفلسطيني
اللاجئون في الأردن.. البحث عن سبل تجنب أزمة إنسانية مرتقبة