قررت الجمعية العامة لشركة "النصر لصناعة الكوك"، الاثنين، تصفية أعمال الشركة رسميا بعد نحو 62 عاما من تأسيسها، لتلحق بعد عام برفيقتها شركة "الحديد والصلب"، ما مثل صدمة جديدة في ملف شركات قطاع الأعمال العام المصرية.
القرار الذي جاء عبر جمعية عامة غير عادية، ينص على تسريع إجراءات التصفية، لتبدأ مطلع الأسبوع المقبل، حيث سيتم حصر الأصول المملوكة وتقييمها لسداد المديونيات في شهرين، وفق مصادر لصحيفة "البورصة"، الاثنين.
و"النصر للكوك"، (أسست عام 1960)، هي رابع شركة حكومية يجري تصفيتها منذ 2018، وتأتي بعد "القومية للأسمنت" في 2018، و"المصرية للملاحة" بـ2020، و"الحديد والصلب" آذار/مارس 2021،
وسط انتقادات واتهامات للنظام ببيع الأصول لحل أزماته المالية وسداد الديون.
وفي 5 حزيران/ يونيو الماضي، كشف وزير قطاع الأعمال العام السابق هشام توفيق، عن الهدف الحقيقي من بيع الشركات الحكومية، حتى ولو كانت رابحة، وهو الحصول على السيولة والعملة الأجنبية لتوفير حاجة الدولة من الاستيراد ودفع فوائد وأقساط الديون.
تناقض مريب
وكانت الآمال قد تجددت في وقف تصفية الشركة خاصة وأن وزير قطاع الأعمال العام الجديد محمود عصمت، في 15 آب/ أغسطس الماضي، وبعد يوم من توليه المسؤولية أجل اجتماع الجمعية العمومية لمناقشة خطط تصفية الشركة.
لكن تم اتخاذ قرار التصفية، الذي يأتي برغم خطط حكومية سابقة لتطوير الشركة، ورغم زيادة الطلب المحلي على إنتاج فحم الكوك الذي يجري تصدير جزء كبير منه، ما يجعل مزاعم التصفية بدعوى وجود خسائر قرارا فيه تناقض مريب، وفق مراقبين.
وكانت هناك خطة سابقة من الشركة الأم، "القابضة للصناعات المعدنية" في 2021، لضخ 125 مليون دولار لإنشاء بطارية ثالثة، لكنها تراجعت في قرار مثير عن تنفيذ مشروع التطوير ما تسبب بغرامة 50 مليون دولار للشركة الأوكرانية صاحبة دراسات التطوير.
وأفران "النصر للكوك"، بها 4 مصانع هي: "الكوك والأقسام الكيماوية"، و"تقطير القطران"، و"النترات"، و"الوحدة متعددة الأغراض"، تقوم بتحويل الفحم الناعم لفحم الكوك، وكان دورها تغذية شركة "الحديد والصلب"، وصناعات "السكر"، و"المنجنيز"، و"المسبوكات المعدنية"، و"الصلب"، و"النترات والأمونيا"، و"الأسمدة".
ورغم أن جزءا من الإنتاج يوجه للتصدير للخارج، وتلقي الشركة عروضا من دول أوروبية لتصدير مليون طن سنويا، إلا أنه تم وقف التصدير قبل أشهر مع زيادة طلب الشركات المحلية على فحم الكوك مع نقص الفحم بالأسواق العالمية منذ الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير الماضي.
وتمتلك الشركة 3 أرصفة، الأول بميناء الإسكندرية خاص بتصدير فحم الكوك، وتفريغ الفحم الحجري، والثاني بميناء الدخيلة بالإسكندرية لتفريغ الفحم الحجري، بجانب رصيف على نهر النيل لاستقبال الصنادل لنقل الكوك والفحم الحجري.
إعاقة وتعجيز
ورغم زيادة الطلب المحلي على منتج الشركة من فحم الكوك إلا أن أفران الشركة مغلقة منذ أشهر بدعوى عدم جدوى استمرار العمل بها، وبزعم أنها تحتاج إلى تطوير وإعادة هيكلة.
وفيما يبدو أنها محاولات لتعجيز الشركة وإعاقة أعمالها عبر قرارات إدارية، قال عضو باللجنة النقابية بالشركة لموقع "مدى مصر"، إن "رفض وزارة البيئة الشهر الماضي منح الشركة قرارا بالتوافق البيئي، بسبب زيادة الانبعاثات، مهد للتصفية".
وأرجع زيادة الانبعاثات لتوقف مشروعات التطوير منذ 10 سنوات، كانت "البيئة" خلالها تمنح الشركة قرارات مؤقتة بالتوافق البيئي، بدأت في تقصير مددها، حتى منعها من استيراد الفحم، حتى انتهى مخزونها آب/ أغسطس 2021.
ورغم أن الشركة حققت أرباحا بلغت 114 مليون جنيه حتى نهاية نيسان/ أبريل الماضي، إلا أنه ووفق الجمعية العامة، فإن قرار تصفية الشركة استند إلى خسائر تجاوزت 15 مليون دولار في (2019-2020)، زاعما أن الدراسات الفنية أثبتت عدم جدوى استمرارية الشركة.
وقال العضو المنتدب للشركة "القابضة"، محمد سعداوي، في تصريحات تلفزيونية، مساء الاثنين إن "الشركة تحتاج لنحو 750 مليون يورو حتى تنتج مرة أخرى، وأنها خسرت أكثر من ربع مليار جنيه في عام، ونشاطها الأساسي متوقف منذ عام".
ووفقا للتقرير المالي للشركة خلال المدة من مطلع تموز/ يوليو 2021 وحتى 30 نيسان/ أبريل 2022، فإن الشركة حققت أرباحا بلغت 114 مليون جنيه من حجم مبيعات بلغ 613 مليون جنيه، عن ذات الفترة، علما بأن الشركة تعمل بـ25 بالمئة فقط من طاقتها الإجمالية.
ودفع ارتباط شركة الكوك بصناعة الحديد والصلب الاستراتيجية في مصر، الكثيرين لرفض القرار واتهام الحكومة الحالية بتصفية أهم الصناعات وأقدمها بمصر، والتساؤل أيضا عن مصير 1200 عامل بها وعن تعويضاتهم بعد التصفية.
كما تطالب اللجنة النقابية بـ300 ألف جنيه لكل عامل كحد أدنى للتعويضات، خاصة وأن أغلب العاملين لن يحصلوا على معاش لأن عدد سنوات خدمتهم أقل من الحد الأدنى للحصول على المعاش بحسب قانون التأمينات الجديد.
اقرأ أيضا: مصر تقترض 61.8 مليار جنيه عبر بيع أذون بأكبر قيمة في التاريخ
قرار سياسي
وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعات المصرية، مجدي محمد في تصريح خاص لـ"عربي21" إن "فحم الكوك صناعة مؤثرة ومرتبطة بصناعات استراتيجية هامة، ولها تأثيرها الاقتصادي؛ ولكن البلد تدار بشكل سيء، ولو أن من يقررون مسلطون عليها فلن يفعلوا أكثر من هذا".
وأكد الأكاديمي المصري أن "قرار التصفية خطير لأن الشركة رابحة، ومجال عملها تستوعبه الصناعات المحلية والخارجية؛ لكنهم يدعون أنها خاسرة ولا بد من التخلص منها ما يثير الشكوك بشأن القرار".
وأوضح أنه "اقتصاديا عندما تُقدم على قرار مثل هذا فلا بد من عمل دراسة جدوى، وقد تكون الشركة متعثرة ولكن هذا التعسر لا يعني بالضرورة تصفيتها"، موضحا أننا "نعطي المريض دواء للصداع ولا نقطع رأسه".
ولفت محمد إلى أن "الوسائل الاقتصادية كثيرة لحل أي أزمة، ولكن بالتصفية تفجر ألف مشكلة أخرى، وباستمرار تشغيل الشركة يمكن تفادي أزمتها بدلا من وضع البلد بأزمات أخرى"، متسائلا: "كان لديك قوة اقتصادية كيف تحرقها وتخسرها؟".
واعتبر أن ما يجري من "بيع واستحواذ لصالح الأجانب وخسارة الأصول، قرار سياسي"، مضيفا: "مصر تدار سياسيا لحساب آخرين، ولو أديرت بفكر اقتصادي لتغير الحال"، موضحا: "لو أن شركة تخسر نعيد هيكلتها ودراسة مواطن القوة لدعمها ومناطق الضعف لمعالجتها".
خطأ فادح
وفي تقديره لخسائر مصر من تصفية "النصر لصناعة الكوك"، قال المستشار السابق بالحكومة المصرية المهندس حسام محرم إنه "في ظل عدم وجود رؤية لتأسيس كيان بديل يملأ الفراغ الذي ستتركه شركة الكوك أرى أن التصفية خطأ فادح".
وأضاف محرم في تصريح خاص لـ"عربي21": "وتأصيلا للمشكلة، فإن القطاع العام تدهور منذ سبعينات القرن الماضي بفعل عوامل في مقدمتها سوء الإدارة، والفساد السياسي، وغياب الرقابة البرلمانية والشعبية والإعلامية، فضلا عن الاستهداف الخارجي الممنهج للقطاع مع الاختراق الصهيوني أو الطابور الخامس بكافة القطاعات".
ورأى أن "هذا التدهور يساهم في عدم ضخ استثمارات للتطوير التدريجي للشركات حتى أصبحت خارج التاريخ، ووصلت مرحلة لا يمكن السكوت عليها، وفي نفس الوقت لا يمكن التفريط بها كصناعات مؤثرة، وتشريد العمالة والكفاءات الفنية".
وأشار المستشار الحكومي السابق إلى أن تلك التصفيات تتواكب مع "مشكلة تضخم الدين الخارجي، ونقص السيولة الدولارية اللازمة لاستيراد خطوط إنتاجية جديدة لتطوير شركات القطاع العام"، معتبرا أن "هذا وضع معقد يحتاج مداخل غير تقليدية لحل المعادلة الصعبة".
ولا يعرف محرم، إن "كانت الحكومة قادرة على ذلك، أم أنها ستميل للحلول السهلة كالبيع والتصفية لفقر الفكر أو للعجز أو لوجود عناصر متواطئة على المصالح العليا للبلاد؟ أم أننا سننتظر حكومات أخرى لصياغة وتنفيذ حلول خارج الصندوق؟".
حلول مفقودة
ورصد المسؤول الحكومي السابق بوزارة البيئة، لـ"عربي21"، أفضل الحلول للتوفيق بين هذه الاعتبارات المتضاربة، مطالبا بـ"تكوين تحالف للشركات المنتفعة من منتجات الكوك للاستحواذ على جزء من أسهم الشركة وإدارتها بشكل أفضل من الحكومة، مع ضخ استثمارات جديدة".
وأوضح: "بدراسة استمرار المصنع، وبالتوازي إنشاء توسعات بشراكة القطاع الخاص المصري والبنوك الوطنية فقط، مع استمرار الملكية العامة بالاستثمارات القديمة التي سيكون الحفاظ عليها شرط الشراكة ولو لفترة لحين تغطية الخطوط الجديدة للطلب على منتجات المصنع".
وتابع: "ومن أجل خفض التكلفة الاستثمارية للخطوط الجديدة، فإنه يمكن تصميم وتصنيع أكبر قدر ممكن منها محليا بالهندسة العكسية، أو أي آلية أخرى عبر الهيئة العربية للتصنيع، وقطاع الإنتاج الحربي، وقطاع البحث العلمي، والجامعات، للتحايل على مشكلة نقص السيولة الدولارية".
وزاد محرم: "وبالنسبة لمصنع الكوك بالتحديد ينبغي اختيار موقع مناسب حال ما إذا تم إنشاء مصنع جديد، لمراعاة الجوانب البيئية والناحية الفنية والاقتصادية والتسويقية، مع وضع المواقع القريبة من موانئ التصدير التابعة للشركة كأحد البدائل عند إجراء دراسة اختيار الموقع بطريقة علمية".
ولفت إلى أن "ذلك يساهم في تلافي التلوث الذي سببته هذه الصناعة بموقعها القديم في حلوان (جنوب القاهرة) إضافة للصناعات الأخرى هناك، والتي أضرت بصحة سكان المنطقة والعيون الكبريتية الاستشفائية".
وأكد أنه "غير مقبول إغلاق الشركة دون بديل لملء الفراغ بهذه الخامة الهامة لصناعات كثيرة منها المعدنية كالحديد والصلب، واستخلاص المعادن، لأن ذلك يؤدي لمزيد من التبعية الصناعية والاقتصادية، وتهديد استمرارية صناعات أخرى تعتمد على منتجات الكوك".
وأشار إلى أهمية استمرار الشركة، "مع المشاكل المتوقعة بسلاسل الإمداد، والتطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية العالمية الراهنة، والتي تعرض الدول النامية لأخطار التبعية الاقتصادية بمجال تصنيع مدخلات الإنتاج (ومنها الكوك) ومدخلات النشاط الزراعي، وإنتاج الغذاء، والدواء ومدخلاته، والسلاح وباقي المجالات الاستراتيجية".
هل خدعت الحكومة المصرية المتصالحين في مخالفات البناء؟
اقتصادي مصري: "مافيا سياسية" سرقت منزلي ورسالتهم وصلت
هل أزاح جيش مصر شركة "الشرقية للدخان" من السوق؟