منذ الانتخابات البلدية في 2019 والتي خسر فيها حزب
العدالة والتنمية بلديتي أنقرة وإسطنبول، بما لهما من أهمية ورمزية، والمعارضة
التركية تنادي بتبكير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، مدعية أن شعبية
الحزب الحاكم في تراجع كبير، وأن أردوغان بات غير قادر على حل مشاكل البلاد التي
تحتاج لقيادة جديدة تنبثق من انتخابات مبكرة في البلاد.
ومع الأوضاع الاقتصادية المتراجعة لعدة أسباب داخلية
وخارجية، منها جائحة كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية وتدهور قيمة الليرة
التركية مؤخراً، رفعت المعارضة السقف للمطالبة بانتخابات فورية وليس فقط مبكرة.
رداً على كل ذلك، كان حزب العدالة والتنمية الحاكم
وحليفه حزب الحركة القومية يؤكدان في كل فرصة على أنه لا تبكير للانتخابات في البلاد
وأنها ستجرى في موعدها الطبيعي المقرر في حزيران/ يونيو 2023. بل إن وزير العدل
بكير بوزداغ حدد موعد الانتخابات بشكل دقيق في 18 من حزيران/ يونيو المقبل، مؤكداً
أنه لا تفكير مطلقاً لدى الحكومة بتبكيرها عن موعدها.
ومع ذلك، بل رغمه، لا يمكن الجزم بعدم تبكير الانتخابات
في تركيا، إذ أنه في نهاية المطاف قرار سياسي يخضع لتقدير الموقف الذي قد يتغير مع
الوقت وفي أي حين، ويمكن حينها النظر لهذه التصريحات على أنها مناورات سياسية
مفهومة السياق والأهداف.
لا يمكن الجزم بعدم تبكير الانتخابات في تركيا، إذ أنه في نهاية المطاف قرار سياسي يخضع لتقدير الموقف الذي قد يتغير مع الوقت وفي أي حين، ويمكن حينها النظر لهذه التصريحات على أنها مناورات سياسية مفهومة السياق والأهداف
أحد الاحتمالات التي تبقى قائمة دائماً هو تبكير
الانتخابات مدة قصيرة جداً، من حزيران/ يونيو إلى أيار/ مايو على سبيل المثال، لتجنب عقد الانتخابات في أشهر
الصيف التي يسافر فيها المواطنون لقضاء الإجازات، وبالتالي يتوقع أن تتراجع فيها
نسبة التصويت، لا سيما إن كان هناك جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية وهو ما يبدو
مرجحاً وفق المعطيات الحالية.
لكن ماذا عن إمكانية تبكير الانتخابات أكثر من ذلك،
وعقدها في الخريف أو الشتاء المقبل على سبيل المثال، كما تنادي المعارضة أحياناً
وتدعي أن الرئاسة تخطط لها أحياناً أخرى؟ هل ذلك ممكن؟ ووفق أي شروط وظروف؟
دستورياً، يحق للرئيس الدعوة لانتخابات مبكرة وتشمل
حينها الرئاسية والبرلمانية معاً، دون الحاجة لموافقة أي طرف آخر ولا إبداء السبب،
وكذلك يحق لأغلبية الثلثين في البرلمان نفس الأمر. ووفق الخريطة الحزبية في
البرلمان الحالي، التي لا يحظى فيها أي من التحالفَيْن الحاكم والمعارض بنسبة
الثلثين، وفي ظل عدم توقع توافق الطرفين على الأمر، يبقى الخيار الوحيد دستورياً
لتبكير الانتخابات هو دعوة أردوغان لذلك.
فهل يمكن أن يفعلها الرئيس؟
المنطق السياسي في قرار من هذا النوع يقول إن أردوغان -أو
أي سياسي مكانه- سيذهب للانتخابات في الظروف الأمثل والفرص الأوفر للفوز بالنسبة
له. ووفق هذا المنطق، كان خيار تبكير الانتخابات مستبعداً، إذ أن استراتيجية
أردوغان والحزب الحاكم تقوم على
خطة اقتصادية ومالية يتوقع أن تؤتي ثمارها وآثارها
الإيجابية على المواطنين بداية السنة المقبلة، ما يعني أن عقد الانتخابات قبل هذا
الموعد يضعف من فرص أردوغان وحزبه وتنظيمها بعده يرفع من فرصهما، من باب أن
الاقتصاد هو الملف الأهم في البلاد حالياً والعامل الأكثر ثقلاً في قرار الناخبين.
المنطق السياسي في قرار من هذا النوع يقول إن أردوغان -أو أي سياسي مكانه- سيذهب للانتخابات في الظروف الأمثل والفرص الأوفر للفوز بالنسبة له
لكن ثمة أسباب ومعطيات قد تجعل فكرة تبكير الانتخابات
أمراً محتملاً في وقت ما وفق المنطق ذاته.
فمنها أن الرئاسة/ الحكومة قامت بالعديد من الخطوات التي
هدفت لتخفيف العبء المالي عن المواطنين، مثل رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة قياسية
وأكثر من مرة في السنة، وتخفيف الكثير من الضرائب، ودعم بعض الشرائح مثل محدودي
الدخل والطلاب، وجدولة ديون الغارمين، ودعم الدولة للكثير منهم وسدها قروضاً عن
المواطنين، والإعلان عن مشاريع إسكان بأسعار تشجيعية.. الخ. ومن نتائج هذه
السياسات وغيرها أن بعض المؤشرات بدأت في التحسن وإن بشكل تدريجي بطيء، مثل تراجع
نسبة البطالة وتباطؤ حدة ارتفاع نسبة التضخم وغيرهما، فضلاً عن شعور المواطنين/ الناخبين
بأن الحكومة تسعى بما تملك لتخفيف العبء عنهم..
ومنها استثمار الخلافات بين الأحزاب الستة المعارضة التي
تعمل في إطار تنسيقي سمي "طاولة الستة"، لا سيما ما يتعلق بفكرة تقديم
مرشح توافقي لمنافسة أردوغان. وبالتالي فإن الإعلان عن انتخابات مبكرة، افتراضاً،
سيعمل على تعميق الشرخ بين هذه الأحزاب وسيضغطها في أجندة انتخابية محمومة قد لا
تكون مستعدة لها، وبالتالي قد تؤثر على فرصها فيها.
ومنها الاستفادة من الدور التركي في الحرب الروسية- الأوكرانية
وعلى هامشها، وما حسب لأردوغان من إنجازات في هذا السياق، وخصوصاً اتفاق تصدير الحبوب
الأوكرانية، ثم استثمار مناخ
التوتر مع اليونان مؤخراً والذي يذكي المشاعر القومية
(وربما الدينية) بما يرفع من أسهم أردوغان والحزب الحاكم، بل إن البعض يتهم
أردوغان بافتعال التوتر للاستفادة منه انتخابياً، وهناك من يتوقع أن يعمد الأخير
لاحتكاك عسكري مع أثينا لنفس الهدف.
إذا ما رجح أن تبكيرها سيعظم فرص أردوغان والحزب الحاكم وتحالفه فيها، سيكون من المنطقي والطبيعي توقع قرار بهذا الاتجاه. بل أكثر من ذلك، إذا ما رجح لدى الرئيس التركي أن نتائج الانتخابات ستكون في المستقبل أسوأ أو أقل فرصاً منها في الوقت الراهن، سيكون قرار التبكير كذلك منطقياً، ليس لتعظيم فرص الفوز وإنما لتقليل هامش الخسارة في تلك الحالة
ومنها، أخيراً وكنتيجة لكل ما سبق وغيره من العوامل،
الاستفادة من التحسن النسبي في استطلاعات الرأي المتعلقة
بفرص أردوغان في
الانتخابات المقبلة مؤخراً، حسب ما يرشح في بعض وسائل الإعلام.
ولذلك، ختاماً، رغم تأكيدات الحكومة والحزب الحاكم على
تثبيت الانتخابات في موعدها المقرر صيف العام القادم، إلا أن تبكيرها يبقى
احتمالاً قائماً اعتماداً على تقدير موقف متعلق بفرص الفوز فيها. فإذا ما رجح أن
تبكيرها سيعظم فرص أردوغان والحزب الحاكم وتحالفه فيها، سيكون من المنطقي والطبيعي
توقع قرار بهذا الاتجاه. بل أكثر من ذلك، إذا ما رجح لدى الرئيس التركي أن نتائج
الانتخابات ستكون في المستقبل أسوأ أو أقل فرصاً منها في الوقت الراهن، سيكون قرار
التبكير كذلك منطقياً، ليس لتعظيم فرص الفوز وإنما لتقليل هامش الخسارة في تلك
الحالة. والحديث هنا عن الانتخابات البرلمانية أكثر من الرئاسية بطبيعة الحال، حيث
إنه من المتوقع أن تتراجع نتيجة العدالة والتنمية بشكل ملحوظ عن الانتخابات
السابقة.
twitter.com/saidelhaj