تساءل الكاتب، فيصل حنيف، في موقع
"ميدل إيست آي" عن الوقت الذي سينظر للمسلمين فيه على أنهم الضحايا في
وسائل الإعلام البريطانية، مشيرا إلى أحداث الشغب الأخيرة في مدينة
"ليستر"، الشهر الماضي.
وقال حنيف بحسب ما ترجمته
"عربي21": عندما برزت أدلة مصورة في وقت متأخر من الشهر الماضي يظهر
فيها مشجعون هنود وهم يهتفون "الموت لباكستان" بعد مباراة كريكيت بين
الفريقين المتنافسين ضمن بطولة كأس آسيا، تبين أن معلومات مهمة أخرى حول من الذي
كان يهتف بصوت مرتفع وما الذي كان يهتف به كانت قد غيبت تماماً من وسائل الإعلام
المحلية ومن تقرير للبي بي سي.
استخدمت التقارير بدلاً من ذلك مصطلحات
مثل "هتافات عنصرية وكريهة". اقتبست تصريحات عناصر الشرطة لفظياً،
والتعليق الوحيد الصادر عن جهة خارجية كان ذلك الذي صدر عن اتحاد المنظمات
الإسلامية، حتى أن أحد القراء في معرض تعليقه على التغطية الإعلامية شعر بأن
التقارير كانت توحي بأن المسلمين هم الذين كانوا يمارسون العنف.
منذ ذلك الحين تكثف التحريض نهاية هذا
الأسبوع بتنظيم مسيرة هندوسية شارك فيها ما يقرب من 200 رجل جلهم يرتدون زي
الجماعات المسلحة، ويحاكون الأساليب المعادية للمسلمين من وحي الممارسات العنصرية
لرابطة الدفاع الإنجليزية التي كانت تنظم قبل وقت ليس بالبعيد. كان بالإمكان سماع
هتاف "جاري شاري رام"، وهو الهتاف الهندوسي الذي تحول إلى دعوة إلى
القتل في الهند، ويظهر بوضوح ما يعانيه المسلمون في الهند ويتعرضون له من
انتهاكات.
والمثير للانتباه أن تقرير البي بي سي
الإخباري حول ذلك لم يشر من قريب أو بعيد إلى الهتافات التي ارتفعت بها الحناجر أو
إلى عقيدة من خرجوا يشاركون في التظاهرة. استدعى الأمر قيام منظمة إخبارية مسلمة
بالتحقيق وتوثيق ما الذي كان يجري بالضبط في ليستر، في الوقت الذي يواجه فيه المسلمون مزيداً من العنف على أيدي العصابات الهندوسية التي تستلهم ما تقوم به من
الهندوتافا.
اقرأ أيضا: "الإسلامي البريطاني" يطالب بإجراءات ضد المتطرفين الهندوس
في وقت مبكر من هذا العام، تعرض فتى
مسلم لاعتداء بمضارب البيسبول على يد ثلاثين مهاجماً ينتسبون إلى عقيدة راشتريا
سوايامسيفاك سانغ الفاشية للحكومة الهندية المنتخبة. أدلت الأمهات المنتحبات
بشهادتهن حول ما تعرضت له عائلاتهن من معاناة نتيجة الاعتداءات التي يشعرن بأن
الشرطة تتجاهلها، حيث ما زال الجناة طلقاء. الأسلوب الذي تعمل به هذه العصابات يشبه
إلى حد مرعب الهجمات التي تشن على المسلمين في الهند، والتي تأخذ طابعاً مجتمعياً.
إن تقاعس الشرطة عن اتخاذ إجراء، وهو
ما تنفيه السلطات، هو المبرر الذي يتذرع به بعض المسلمين في المدينة لتنظيم أنفسهم
لمواجهة هذه الموجة الجديدة من الاعتداءات. ويوم الأحد ورد في تصريح للشرطة ما
يلي: "ما زلنا ندعو إلى الحوار والهدوء بدعم من زعماء المجتمع المحلي. ولن
نتساهل مع أي عنف أو فوضى في مدينتنا. وسوف تستمر الشرطة في القيام بعملية كبيرة
في المنطقة خلال الأيام القادمة."
إسلاموفوبيا بإيحاء من الهندوتفا
إن ليستر واحدة من البوتقات العظيمة في
بريطانيا حيث يتحدث الناس فيها بما يزيد عن سبعين لغة، ويعتقد بأنها أول مدينة في
بريطانيا بات السكان البيض فيها أقلية. ولطالما كانت العلاقات ما بين مختلف مكونات
المجتمع فيها جيدة عبر السنين. إذن ما الذي جرى الآن؟
يرى البعض أن السبب في ذلك يعزى إلى
وصول موجة حديثة من المهاجرين من الهند ممن يحملون عقيدة هندوتفا القومية، حيث
يواجه المسلمون أحوالاً تقترب من الإبادة الجماعية. ولكن، وكما وثق آخرون، انتشرت
عقيدة هندوتفا في بريطانيا قبل وصول نارندرا مودي إلى السلطة، حيث غدت ليستر واحدة
من أهم المواقع التي تنتشر فيها هذه العقيدة.
لئن كان من المبالغة نوعاً ما الزعم
بأن مسلمي ليستر يواجهون شيئاً مشابهاً لما يتعرض له إخوانهم في الهند التي يهيمن
على مقاليد الأمور فيها رئيس الوزراء نارندرا مودي، إلا أنه تم توثيق وإثبات وصول
رياح الشؤم التي تبثها الهندوتفا في كراهية الإسلام والعداء له.
وكما لاحظ أحد الصحفيين البريطانيين:
"هناك بالتأكيد مشكلة متنامية من التعصب ضد المسلمين في أوساط الهندوس،
ورياحها تهب على الغرب من الهند."
ولقد تجلى ذلك في السياسة البريطانية،
حيث نظم أنصار حزب بي جيه بيه في بريطانيا حملات لدعم حزب المحافظين في 48 دائرة
أثناء الانتخابات التي فاز بها في عام 2019. بل بلغ الأمر بأحد أعضاء حزب
المحافظين في البرلمان أن يدعو هندوسياً قومياً للحديث في نشاط نظمه داخل مجلس
العموم، وأصبح "المتحدث الرئيسي" باسمهم داخل البرلمان.
وكان رد حزب العمال على هذا التغيير
الطارئ هو إعادة النظر في موقفه السابق الذي طالما تمسك به تجاه قضية احتلال الهند
لكشمير، فبدلاً من الثبات على المطالبة بحق تقرير المصير لسكان الولاية، يرى رئيس
حزب العمال كير ستارمر الآن بأن كشمير قضية تهم الهند وباكستان على حد سواء.
وهذا الأسبوع تضافرت جهود المواطنين
ومنظمات المجتمع المدني للضغط على وزارة الداخلية لإلغاء تأشيرة دخول كانت قد
منحتها لسادفي ريتامبهارا، المتطرفة الهندوسية المعروفة بعدائها للمسلمين
والمسيحيين من خلال خطابات الكراهية التي تلقيها ونظراً لأنها كانت من بين أكثر
المتحمسين لهدم مسجد بابري على يد عصابات من الرعاع الهندوس في عام 1992. مما تجدر
الإشارة إليه أنه كان من المقرر لها أن تلقي كلمات في عدد من المعابد الهندوسية في
أربع مدن بريطانية.
كما تجلى عداء نشطاء الهندوتفا في
بريطانيا من خلال ما ينشر في وسائل الإعلام الرئيسية. فهذه صحيفة الإندبندنت تحذف
مقالاً لامرأة هندوسية وصفت فيه التعصب الذي لاحظته ضد المسلمين في أوساط طائفتها،
وذلك بعد أن تلقت كاتبة المقال بعض التهديدات. ويلاحظ هنا أن كتائب المدافعين عن
حرية التعبير حين يتعلق الأمر بانتقاد المسلمين التزمت الصمت إزاء هذا الترهيب.
نظريات المؤامرة
كما وجدت بعض نظريات المؤامرة
للهندوتفا طريقها إلى المواقع الإخبارية البريطانية، بما في ذلك مزاعم
"الطوفان الجهادي" السخيفة، حيث يُتهم مسلمو ولاية آسام الشمالية
الشرقية في الهند بالتسبب في الفيضانات المدمرة. كما اهتمت وسائل الإعلام الكبرى
في بريطانيا بنظرية المؤامرة حول "جهاد الحب"، والتي تزعم أن الرجال
المسلمين يسعون إلى تحويل النساء الهندوسيات عن دينهن من خلال الزواج.
رغم أن التغطية الإعلامية للأحداث في
ليستر كانت مقتضبة إلا أنها تكشف عن توجه آخر مزعج حول تغطية العنف الذي يمارسه
الهندوس ضد المسلمين، ألا وهو تشخيص المذابح والعنف على أنه صراع بين جانبين
متكافئين، لدرجة أن المرء حين يقرأ ما تصفه هذه التغطيات، إلى جانب التقارير التي
تنشرها وسائل الإعلام المعادية للمسلمين، لا يملك إلا أن يتساءل: هل يُسمح
للمسلمين بأن يكونوا ضحايا؟
لكن تحليل محتوى التغطية الإعلامية في
بريطانيا وحول العالم يشير إلى أن الإجابة على السؤال هي لا، لن يُسمح. فقد أثبت
مركز الرصد الإعلامي وجود حذف متكرر لحقيقة أن المسلمين هم المستهدفون. وكما هو
حال التغطية التي نالتها أحداث ليستر، نجد أنفسنا بسبب التوصيف المنقوص لحقائق ما
يجري أمام تساؤل حول من هم الجناة ومن هم الضحايا.
خلال اعتداءات فبراير 2020 على
المتظاهرين المسلمين في دلهي، وثق الصحفيون المستقلون حصول عصابات الهندوتفا على
مساعدة من الشرطة الهندية "التي إما شاركت بفعالية في الاعتداءات أو لم تفعل
شيئاً لمنعها"، كما وجد المركز. اعتبرت عشرات المقالات الأحداث
"شغباً" بينما لم يرد إلا في عدد قليل جداً من المقالات توصيف دقيق
لطبيعة الهجمات وسياقها.
ومن الأمثلة الأخرى استخدام عبارة
"توترات دينية" لوصف قيام عصابة من الهندوس بإلقاء الحجارة وإغلاق الطرق
السريعة بعد انتشار شائعات تقول بأن المسلمين كانوا يذبحون الأبقار من أجل لحومها.
وفي خضم المذابح التي ارتكبت بحق المسلمين من قبل القوميين الهندوتفا في دلهي في
عام 2020، وصف أحد المعلقين كيف "انفجر الحي المسلم في العاصمة في أعمال
عنف".
وفي سياق الحديث عن هجمات الهندوتفا
على المسلمين في الهند، يتم استخدام مصطلحات مثل "اشتباكات" و"شغب" و"عنف مجتمعي"، وأقل ما يقال في ذلك أنه مضلل ناهيك عن
كونه باطلا. على الرغم من مساعي وسائل الإعلام وغيرها من المؤسسات التي تعمل على توصيف
هذه القضية باعتبار أنها صراع بين جانبين متكافئين، إلا أنه بات واضحاً من هو الذي
يحرض على من. وكما كتب معلق هندي بارز، يبدو أن "المرض الهندي آخذ بالانتشار
في بريطانيا".
التايم: علاقة الملك تشارلز بالإسلام تدفع لوحدة الصفوف
NYT: الملك تشارلز يرث ثروة هائلة إضافة لإمبراطوريته السرية
NYT: مناهضو الملكية التزموا الصمت بعد وفاة إليزابيث.. مؤقتا