الكتاب: حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة 1967 إلى 1987م
الكاتب: نهاد محمد الشيخ خليل
الناشر: مركز التأريخ والتوثيق الفلسطيني 2011م، الطبعة الأولى فلسطين
عدد صفحات الكتاب 432 صفحة
أولى الإخوان المسلمون أهمية خاصة بالقضية الفلسطينية، رجع ذلك الاهتمام لاعتبارات عقائدية، حيث أنهم رأوا في فلسطين أرضا مقدسة، بنص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، بل أنهم نظروا إلى اليهود على أنهم أهل كتاب لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، في الحالات الطبيعية من التعايش السلمي، ولكن مع الهجمة الصهيونية على فلسطين رأى الإخوان أن الصهيونية تشكل خطرا على الأمة الإسلامية، واعتبروا إنقاذ فلسطين من الهجمة الصهيونية والاستعمارية ضرورة لا تتم إلا بالجهاد.
برر الشيخ خليل وضع دراسته حول حركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة بقوله: "الفترة التي سبقت الانتفاضة مثلت فترة غياب الحركة الإسلامية، عن ساحة العمل الفدائي لم تحظ باهتمام كبير، رغم أنها هي فترة التأسيس وتجميع العناصر، والتغلغل في المجتمع وبناء التنظيم الذي جذب اهتمام العالم فور إعلانه عن نفسه، وانخراطه في العمل الكفاحي من أجل تحرير فلسطين".
اعتمد الكاتب على مجموعة من اللوائح والقوانين الأساسية، وشملت النظام الداخلي لجماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، التي أوضح الكاتب من خلالها بنية التنظيم في القطاع، وكذلك الأرشيفات والوثائق الخاصة بالجمعيات والشخصيات التابعة للحركة.
أرجع الكاتب بداية اهتمام الإخوان المسلمين بالقضية الفلسطينية إلى عام 1929، حينما كتب حسن البنا مقالاً في مجلة الفتح، حذر فيه من مطامع اليهود في فلسطين ودعا إلى تحرير المسلمين من غفلتهم، وطالبهم بالعمل على وقف المساعي الصهيونية المتصاعدة للسيطرة على فلسطين، وتلا ذلك تضامن الحركة مع الثورة الفلسطينية عام 1936، تلك الثورة التي انتهت دون تحقيق أهدافها، وتعرضت قيادة الحركة الوطنية للتشتت بعد خروج أمين الحسيني من فلسطين ويؤكد الكتاب أنه "لم يعد هناك قيادة فلسطينية موحدة أو فاعلة، وأن الإخوان المسلمين لم يصبحوا حتى نشوب الحرب العالمية الثانية جزءاً من الحركة الوطنية الفلسطينية أو قياداتها". (ص 10).
لقد بدأ تأسيس فرع الإخوان المسلمين في غزة يأخذ شكلاً تنظيمياً محدداً، بعد دخول متطوعي الإخوان في حرب فلسطين عام 1948، حيث تشكلت أول شعبة لهم في غزة... لتصبح شعبة موازية لشُعب الإخوان المسلمين لكل من يافا والقدس، التي تأسست في الثلاثينات، ومع ذلك يؤكد الكاتب تنامي حركة الإخوان في فلسطين "أصبح الإخوان بسرعة كبيرة قوة أيديولوجية مهمة في الساحة الفلسطينية، لكنهم لم يشكلوا قوة منافسة لقيادة الحاج أمين الحسيني، بل على العكس، فقد حرصت قيادة الإخوان على العمل جنباً إلى جنب من خلال الأطر التي قادها المفتي" (ص14)، أي أن مشاركة الإخوان في الحركة الوطنية جاءت عام 1948 في إطار العمل المشترك مع كافة القوى السياسية الفلسطينية وتحت قيادة المفتي.
ما بين الصعود والتراجع لنشاط الإخوان المسلمين أرجع الكاتب صعود نشاط الإخوان حتى عام 1955 إلى مجموعة من العوامل:
ـ انسجام إيديولوجية الإخوان مع الثقافة السائدة في المجتمع.
ـ دور الإخوان في حرب فلسطين.
ـ العلاقة الحسنة بين الإخوان والإدارة المصرية في غزة.
ـ رغبة الإدارة المصرية بتحجيم النشاط الشيوعي عبر إفساح المجال أمام نشاط الإخوان.
ـ مساهمة البعثات الدينية المصرية في نشر الوعي الديني (ص44).
إلا أن منتصف خمسينيات القرن العشرين شهد تراجعاً ملحوظاً لحضور الإخوان في غزة بسبب جملة من المتغيرات لم يتحسب لها الإخوان وتتمثل في:
ـ المد القومي، حيث حقق جمال عبد الناصر نجاحات عديدة من أبرزها تأميم قناة السويس، وإضعاف حلف بغداد، ودعم الثورة الجزائرية التي نالت استقلالها، حيث رفع عبد الناصر شعارات الوحدة العربية من أجل تحرير فلسطين.
ـ وجود توجهات جديدة في أواسط المجتمع الفلسطيني، حيث انتشر التعليم وفتح آفاقاً لخروج الكوادر المتعلمة من قطاع غزة، وارتبط الناس بمؤسسات الإدارة المصرية.
ـ تحالفت الحركات القومية والنظام الناصري مع الاتحاد السوفيتي، الأمر الذي وفر لهذه الحركات والنظم دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وجعل الشعب الفلسطيني يثق بها ويخشى الالتفاف حول أي حركة تعادي هذه النظم وتوجهاتها(ص45).
ـ الحالة الإيجابية التي نشأت بين الإخوان والإدارة المصرية قبل عام 1945 أدت إلى حالة من الارتخاء داخل التنظيم، ولهذا لم يستعد الإخوان للعمل في ظروف سلبية.
عكس تأسيس حركة "فتح"، وخروج أغلب مؤسسيها من رحم جماعة الإخوان المسلمين، عدم قدرة الجماعة على تطوير تنظيرها الفكري والسياسي بطريقة مقنعة للأجيال في ظروف انفتاحها، أي الأجيال من خلال رابطة الطلاب الفلسطينيين في مصر وتعرضها للمحنة والملاحقة والاعتقال. (ص54)
تضمن الفصل الأول البناء الداخلي لحركة الإخوان المسلمين في قطاع غزة 1967 ـ 1987م ناقش فيه الكاتب البنية التنظيمية للإخوان المسلمين في القطاع، وعن ذلك يقول: "تعرضت حركة الإخوان المسلمين قبل سنة 1967 لضربة قاسية على يد السلطات المصرية، وهاجر أغلب الفاعلين فيها إلى دول الخليج للعمل، وانتقل الكثير منهم إلى صفوف حركة فتح وبعد احتلال 1967م، بادر الشيخ أحمد ياسين بدعوة مجموعة من الشخصيات المنتمية لحركة الإخوان، الراغبين في العمل لإعادة تشكيل التنظيم" (ص59)، انبثق عنها أهم هيئات التنظيم مجلس الشورى الذي يعتبر أعلى هيئة قيادية للحركة، وله السلطة العليا على جميع الهيئات التنظيمية واللجان المنبثقة عنها، وقراراته ملزمة لها جميعاً، ومنذ نهاية السبعينيات أصبح مجلس الشورى يتم عبر الانتخابات الداخلية، وكان صاحب الحق في الاقتراع كل من وصل إلى مرتبة نقيب فأعلى. (ص65)
بين الكاتب النشاط العام للإخوان في مواجهة السياسات الإسرائيلية في الفصل الثاني، ومما جاء فيه الموقف المثير والمستغرب للاحتلال إزاء حركة الإخوان المسلمين في القطاع، فهناك من الكتاب من رأى أن سلطات الاحتلال دعمت الإخوان، وغضت الطرف عن أنشطتهم، وأفسحت المجال أمامهم لجمع التبرعات نكاية في تطور حركات منظمة التحرير، وفصائل الحركة الوطنية الفلسطينية الأخرى، فساندت السلطات الإسرائيلية الحركة الإسلامية، وغضت الطرف عن نشاطاتها، حينما ساد العداء بين حركة الإخوان وفصائل المنظمة، ولاحقتها وطاردت أفرادها عندما تراجع هذا العداء (ص151)، أي أنها عملت على إضعاف التيار العلماني في الحركة الوطنية والتضييق عليه؛ بينما أفسحت المجال أمام حركة الإخوان لكي تنمو وتكبر، في حين رفض آخرون تلك الشبه الخطيرة" لم نجد دليلاً واحداً على صحة هذه الشبه خاصة أن كل الحجج والبراهين التي سبقت للتدليل على صحة هذه الشبهة، تنطبق على كل الفصائل، فهل قامت إسرائيل على مساعدة الجميع!
هناك من الكتاب من رأى أن سلطات الاحتلال دعمت الإخوان، وغضت الطرف عن أنشطتهم، وأفسحت المجال أمامهم لجمع التبرعات نكاية في تطور حركات منظمة التحرير، وفصائل الحركة الوطنية الفلسطينية الأخرى، فساندت السلطات الإسرائيلية الحركة الإسلامية، وغضت الطرف عن نشاطاتها..
برر الكاتب الرأي بأن سلطات الاحتلال لم تلاحق نشطاء م.ت.ف في تفنيده للشبهة "من المعروف أن الحركة الإسلامية بدأت عملها بالدعوة للالتزام بتعاليم الدين الإسلامي من عبادات ومعاملات، ولم يشكل هذا خرقاً للقوانين الإسرائيلية، فلم يكن باستطاعة الاحتلال أن يغلق المساجد، ويمنع صلاة الجماعة فيها أو دروس تحفيظ القرآن (ص153)، نفذ الاحتلال سياسته لتحقيق مصالحه ضد الحركات والفصائل الفلسطينية، فهو لا يتسامح مع أحد، وأراد إضعاف الجميع، وهو من جهة لا يريد حشر التيار الوطني في الزاوية، حتى لا تتفجر المشاعر الوطنية وبخصوص الحالة الإسلامية فقد كان الاحتلال أكثر حذراً، حتى لا تنفجر المشاعر الإسلامية ضده (ص155).
أوضح الكاتب في الفصل الثالث علاقات حركة الإخوان مع الفصائل الفلسطينية، واستكشف حالات التعاون والتنافس والصراع بين حركة الإخوان والفصائل الأخرى، كحركة الجهاد الإسلامي و"فتح"، واليسار الفلسطيني، وبين الخلافات الفكرية والسياسية بين الطرفين، فقد اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي، أنه إذا كان غياب الحركة الإسلامية مفهوماً ومبرراً في فترة الخمسينات والستينات؛ فإنه لا يمكن تبرير غيابها فترة السبعينات عن تبوء موقعها الحقيقي، أما العلاقة مع فتح ومنظمة التحرير "فلم ينضم الإخوان إلى م.ت.ف، ليس لأنهم اتخذوا موقفاً سلبياً منها، أو أنهم يريدون أن يكونوا بديلاً عنها، لكن ظروفهم لحظة تأسيس المنظمة كانت صعبة، وكانوا منشغلين بإعادة ترميم صفوفهم، ربما كان لديهم نقاش مع م.ت.ف والفصائل، ولكن هذا لا يعني أنهم أرادوا أن يكونوا بديلاً عن م.ت.ف، فعندما تأسست المنظمة كان الإخوان يعيشون الأزمات والابتلاءات، ولا زالوا يضمدون جراحهم ويلملمون صفوفهم" (ص250).
يضيف الكاتب: "اتهمت حركة "فتح" الإخوان المسلمين بفقدان الشرعية؛ لأنهم خارج مؤسسات م.ت.ف التي كرست شرعيتها بالبندقية، وأنهم يعملون في نفس الاتجاه في القوة المعادية للشعب الفلسطيني، التي تريد إضعاف م.ت.ف وإيجاد البديل عنها"، ولكن العلاقة بين الطرفين اتسمت بالتعاون أحياناً، والتنافس أحياناً، والصراع أحياناً أخرى، وعندما كان الأمر يتعلق بالصراع مع الاحتلال، كان يحدث التعاون، بينما إن تعلق الأمر بالسيطرة على أماكن النفوذ كان يجري الصراع بينهما، ثم إن تطور العلاقة بين الإخوان وفتح في قطاع غزة لم يسر وفق خط تصاعدي أو تنازلي، سواء نحو التعاون أو التنافس أو الصراع، ففي أوجه الخلاف كان يحدث بينهما التنسيق والتفاهم. (ص268).
حول المواقف السياسية والمقاومة المسلحة لحركة الإخوان المسلمين من القضية الفلسطينية وخاصةً موقفها من مشاريع التسوية السياسية، فقد رأى الإخوان فلسطين أرض وقف إسلامي لا يملك أحد حق التنازل عنها أو التصالح عليها، ويعتبر الإخوان أنه لا يوجد حل للقضية الفلسطينية؛ إلا طريق واحد هو الإسلام فكرةً وحركةً وجهاداً؛ لأنه القادر على توحيد الأمة وزرع اليقين بحتمية الانتصار، ولأنه يوفر للمسلمين رؤية في كيفية التعامل مع اليهود. (ص316)
ومن أهم الانتقادات التي وجهها الإخوان لاتفاقية كامب ديفيد "أنها رسمت سقفاً لحقوق الشعب الفلسطيني، حيث اعتبرت الاتفاقية أن الحكومة الفلسطينية تقتصر على إقامة حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي يعني إدارة مدنية للسكان دون الأرض، حتى أن الماء يقع تحت سيطرة الاحتلال، وهو المشروع الذي قدمه سابقاً رئيس الوزراء مناحيم بيغن للكنيست" (ص312)، كما أن الاتفاق حدد سوابق وقواعد خطيرة بهدف الابتزاز والحصول على تنازلات أخرى لصالح دولة الاحتلال، ومنها التفاوض المباشر، والاعتراف بدولة اليهود، كدولة من دول المنطقة، لها الحق في العيش بأمان، وعدم التعرض لموضوع القدس، أو معالجة موضوع المستوطنات، بل أنه حصر حق المشاركة في المفاوضات لفلسطيني قطاع غزة والضفة الغربية؛ وما يعنيه ذلك تجريد فلسطينيي الخارج من أي حقوق واستبعاد فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 م.
ختم الكاتب دراسته بمجموعة من النتائج أهمها: أن جهود الإخوان المسلمين لنصرة القضية الفلسطينية امتداد لجهود الحركة الأم في مصر.
ـ على الرغم مما بين الشيوعين والإخوان المسلمين من خلافات أيديولوجية؛ إلا أنهم تعاونوا لمواجهة الأزمات الرئيسية مثل إقامة نقابة معلمي وكالة الغوث، لكي تكون واجهة للأنشطة السياسية، وظهر تعاونهم أيضاً في إسقاط مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين.
ـ أعنف الابتلاءات التي تعرض لها التنظيم في غزة خروج أعداد كبيرة من كوادرها وتأسيس حركة فتح، أو مغادرة القطاع للعمل في الخليج هروباً من ظروف المحنة التي مرت بها.
ـ ظهر في خطاب الإخوان شيء من التردد بشأن تعريف طبيعة الصراع فترةً يعتبروه عقائدياً بين المسلمين واليهود وتارةً أخرى حضارياً، ومرةً ثالثة صراعا بين حق وباطل.
ـ شهد شهر ديسمبر عام 1987 بداية مرحلة جديدة في تاريخ الإخوان المسلمين الفلسطينيين عنوانها الرئيس مقاومة الاحتلال وعمل الإخوان فيها تحت اسم حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ولم يشهد ميلاد حركة جديدة على الإطلاق.
لماذا يستهدف الاحتلال الطفل الفلسطيني؟ كتاب يجيب
حرب المئة عام على فلسطين.. قصة الاستعمار والمقاومة
حقيقة الخلاف بين البورقيبية واليوسفية حول استقلال تونس