الشيخ القرضاوي
ينبوع من عين:
الإسلام ليس
تعاليم عبادة فقط كما هو المصطلح على كلمة دين، وإنما هو بمعنى منهج وطريق، وعندما يقال
إن الشيخ القرضاوي شيخ الوسطية، وشيخه الشيخ الغزالي شيخ
الفكر والوسطية، فإننا
نقرر أمرا مهما لا يتعلق بالشيخ يوسف عبد الله القرضاوي الذي توفي عن 96 سنة جهدا. نحو قرن من الدراسة والتعلم والتعليم والصواب والخطأ والقرارات التي تجتزأ اليوم
عند البعض لتشوه صورة إنسان قدوة، كإنسان وليس كملاك سماوي، وهو القائل: أنا إن
خفت الموت فلأني إنسان كثير الذنوب، ومن يشعر بالذنب إلا إنسان مؤمن يثقل عليه أي
هفوة، فيحسها بثقل أحد؟
لمن يهمه الأمر، فأنا
شخصيا لم أنتمِ إلى تنظيم أو جماعة، ولكن رأيت في الشيخ ينبوعا من عين أدركتُ أنه
الشيخ الغزالي، وهما منارتان لفهم معاني الإسلام ولا أقول الوسطية؛ لأننا نعلم أن
الإسلام دين وسط وأن الأمة أمة وسط، ليس بمعنى المنتصف، وإنما بمعنى النظرة
الشمولية الواقعية والمثاني القرآنية، أي الطيات التي تتعامل مع الزمكان. كان
الشيخ مشجعا جدا لعلماني متوجه إلى الفكر الإسلامي وهو يتلمس معاني الإسلام
العميقة، هل تفكيره صواب أم يتراجع. أنت تقرأ القرآن وتفهمه وتفهم الواقع، فأنت في
مجال استنباط الحلول بعد استقراء الواقع.
تعرفنا إلى الشيخ
من خلال برنامج "العلم والحياة" على الجزيرة، وكان يديره المرحوم ماهر عبد
الله، فلم نكن في تواصل مع الخارج قبل هذا لظروف بلدنا.
لا نتطابق لكنه
أستاذنا:
لقد خرجت بنظرة ألا أهتم بالتسميات والمسميات، وإنما أهتم بحقيقة الأمور، وإن الإسلام هو العدل والإحسان
وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، "إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم
بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم
بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً". هذه هي الأوامر، وما خلا ذلك
فيا أيتها المنظومة العقلية الآدمية أنت في اختبار الحياة، وإذا كان الباري بعد "يأمركم"
يقول "يعظكم" ويتلطف، فما بال البشر يضعون أنفسهم عن غيرهم وكلاء! الله
لم يعط الوكالة لرسول الله (ما أنت عليهم بوكيل)، ما بال الناس تنظر إلى الشريعة
وكأنها قوانين عقوبات، بينما الأمر ليس كذلك؟ وإن القانوني في عصرنا يستنبط من
النص قوانين وفقرات في استقراء للواقع.
ليس من الضروري أن
تسمى الدولة دولة إسلامية أو الحزب حزبا إسلاميا، وإنما عليك أن تجسد الإسلام
كقدوة للآخرين وهم سيتبعونك؛ لا جبرا ولا قوة ولا عنوة ولا فضاضة أو وكالة؛ لأنهم
سيختارون بكامل أهليتهم.
الحُكم (بملك أو أمير
أو رئيس) بالإحسان والعدل هو حكم إسلامي؛ لأنه يمنح الآدمي أهليته وقدرته على
الخيار، من ثم يُمتحن من الله، لا أن يفقد الأهلية فيكون منافقا مظلوما.
كان الشيخ القرضاوي
طفرة في جيله في الفهم الصواب، وإن كانت مساندته للربيع العربي تؤخذ عليه من البعض
بعد أن اجتُزئت أقواله، فلا بد أن يوضع الكلام مروءة في موضعه. والإنسان لا يعلم
الغيب ولا هو يعلم كل شيء، ولعله لو علم المآلات لكان صمت، لكنه لم يكن محرضا
بمعنى التحريض، وإنما كان يناصر فكرة الحق وكرامة الإنسان وأهليته التي هي ضرورة
للحياة أكثر من التزامه أو عدم التزامه، فهذه خياراته هو، وليس مرغما عليها.
القرضاوي وقصتي
مع التأليف:
كنت أكتب كتيبات
ومقالات ولكن لم أكتب كتبا كبيرة الحجم حتى عام 2011-2012، عندما أعلن موقع الشيخ
القرضاوي عن جائزة القرضاوي لكتاب بعنوان "الثورة ما بين الشريعة وإشكالات
الواقع"، الموضوع جذبني؛ فهو واحة للفكر السياسي، فدخلت في بحث عميق في التاريخ
والفلسفة والشريعة، وهنا كانت الفائدة.
صحيح أن الجائزة
لم تأخذ طريقها لما أراها ظروفا قاهرة وانكسارا تاريخيا في حينها، لكن الأمر لم يكن مهما؛ لأني ألفت خلال هذه الفترة أربعة كتب تتجاوز 300 صفحة، منها كتاب الجائزة،
وكتاب عن الشيخ محمد عبد الله دراز، حيث جمعت نتاجه الفلسفي بطريق الرسوم الذكية، وقد
أرسلت نسخا منه إلى مكتب الشيخ أيضا، وكتاب في فلسفة الأخلاق. والكتابان نشرا
ورقيا قبل أيام.
وكتبت كتابا في
فلسفة السياسة، إلا أني لم أنشر كتاب الجائزة وكتاب فلسفة السياسة؛ لأني قررت أن أفيد
من المهم منهما في كتاب قادم، وضعت له عنوانا أوليا "الحداثة حداثات" أعمل
عليه الآن.
مسؤولية لأبنائه
وتلاميذه:
الشيخ ترك
مسؤولية كبرى على الأولاد والأحفاد والتلاميذ، ولا يقولن أحد ما ذنب نوح إن خرج
ابنه إلى الجبل، اليوم غير ذاك الزمان، والناس تتصيد في المياه العكرة، وأهل البيت
ومن انضم لهم بعلم ليس كغيرهم، فسلوكياتهم تحت المجهر حتى حين.
أعان الله
الجميع، ونشكر الله أن وضع هذا الرجل في طريق يعلمنا لكيلا نكون متطرفين في الفكرة
أو غلاة ولا نكون مضيّعين متهاونين، لا نقول التزاما بقوله، ولكن تطويرا لمنهج
الفهم والوسطية.
رحمه الله وغفر
له وتجاوز عنا وعنه وجمعنا في عليين.