قال المستشار الثقافي الإيراني في
لبنان سابقا ونائب رئيس جامعة الأديان والمذاهب في الشؤون الثقافية، الدكتور عباس
خامه يار، إنه "لا توجد احتجاجات داخل إيران في الوقت الحاضر، بينما هناك
تضخيم مُتعمد على غير الواقع والحقيقة".
واعترف، في مقابلة خاصة مع
"عربي21"، بأن "الإيرانيين بشكل عام لم يفهموا لغة الشباب، مثلما
هو الحال في كل الدول الإسلامية والعربية"، مضيفا: "نواجه جيلا يختلف
كثيرا عن الأجيال السابقة؛ فهو جيل له لغته، وتصوره، وفكره، ويعيش حياة خاصة
به".
ورغم تأكيد خامه يار بأنه لا يؤمن
بنظرية "المؤامرة"، إلا أنه رأى أن "التخريب والتجييش والتأجيج
الإعلامي الكبير يؤكد بلا شك بأن وراء هذه الاحتجاجات قوى أجنبية رسمية لا تريد
خيرا لإيران"، بحسب تعبيره.
وأشاد كثيرا بدعوة شيخ الأزهر، أحمد
الطيب، للوحدة الإسلامية، قائلا: "لم أكن أتصور أن بلدا كإيران تستقبل هذه
الدعوة بهذا الشكل الكبير من الترحيب منذ اللحظة الأولى، وأنا أعرف بأن لدى طهران
والأزهر إرادة قوية للتقريب بين المذاهب الإسلامية، وهذه الإرادة يجب أن تعطي
ثمارها بعد الجلوس على طاولة الحوار".
لكن الدبلوماسي الإيراني السابق عبّر
عن خشيته من أن تقوم بعض الأنظمة والحكومات والأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي
لم يُسمّها بعرقلة هذه المشاريع، و"تخنقها قبل أن تُولد؛ فالتجربة التاريخية
علمتنا أن نخاف من هذه المشكلة، بينما نأمل ألا يحدث ذلك".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع
"عربي21":
كيف ترى الاحتجاجات المستمرة في إيران
للشهر الثالث على التوالي؟
في البداية أود أن أشير إلى نقطة مهمة:
ما يصل إلى الإعلام ليس الواقع أو الصورة الكاملة؛ فأنا الآن في طهران ولا أرى أو
أسمع عن احتجاجات، ربما هناك احتجاجات من مجموعات لا يزيد عددها عن أصابع اليد
الواحدة، ومهما كان حجم تلك الاحتجاجات يجب أن نكون واقعيين؛ فالقضايا الاجتماعية
لها أبعادها وأسبابها المتعددة، ولتفسير وتحليل هذه القضايا يجب أن ندرس واقع
الساحة الإيرانية، وعندما توصف هذه الاحتجاجات بالمستمرة فأنا أقول: ليست هناك
احتجاجات في الوقت الحاضر.
وما الأسباب التي أدت لاندلاع تلك
الاحتجاجات سابقا؟
أسباب الاحتجاجات متعددة، منها: الضغوط
الاقتصادية المتراكمة على مدى عقود لها تأثير كبير، وأيضا العقوبات الاقتصادية
المستمرة منذ انتصار الثورة الإسلامية وحتى الآن بأشكال مختلفة، والتي ازدادت خلال
العقد الأخير -على أقل تقدير- كان لها تأثير على الشارع الاقتصادي، ولكن في هذه
المرة لم يُرفع شعار اقتصادي ولم يُرفع شعار الخبز أبدا، والمشاركون في تلك
الاحتجاجات من الشباب هم الطبقة فوق المتوسطة، والكثير يعرف أن في إيران سياسيون،
وأساتذة الجامعات، ونقابات، وغيرهم من الفئات التي لم تشارك في الاحتجاجات مع هذه
المجموعات التي ظهرت مؤخرا في الشارع، وهذا بالطبع له أسبابه، ودلالاته، ويمكن
القول بأن العامل الاقتصادي مؤثر على الوضع الاجتماعي في إيران، ولكنه بالتأكيد لم
يكن السبب الأساس في هذه الاحتجاجات.
النقطة الأخرى هي أننا يجب أن نعترف
بأن الإيرانيين بشكل عام لم يفهموا لغة الشباب، ونحن في كل الدول الإسلامية
والعربية نواجه جيلا يختلف كثيرا عن الأجيال السابقة وعن جيلنا الحالي؛ فهو جيل له
لغته، وتصوره، وفكره، وذهنه يختلف عن هذا الجيل، ويعيش حياة خاصة به، حيث يعيش
حياة "العالم الافتراضي" إن جاز التعبير، وهذه ربما تكون الثغرة التي
اُستغلت من قِبل هذا الفضاء.
وأنا لست مؤمنا بنظرية
"المؤامرة" بشكل كبير، ولكن عندما ننظر إلى هذه الوقائع التي شاهدناها،
ونتابع المحطات التلفزيونية، والفضاء الافتراضي، وعشرات المحطات الناطقة باللغة
الفارسية التي تبث برامجها من دول أوروبا، وبريطانيا وأمريكا على وجه الخصوص، سنرى
كيف تحولت هذه المحطات إلى غرف قيادة عمليات تأجيج وتعبئة لهؤلاء الشباب في الشارع
الإيراني، وبث مواد عن كيفية صنع واستخدام الأسلحة لمواجهة القوى الأمنية، وتغيير
الأساس السلمي لهذه الاحتجاجات، والهجوم على المؤسسات الحكومية، والمساجد، وكثير
من البنى التحتية.. فهذا بلا شك بُعد خارجي وأجنبي، و"توجيه استعماري"
لاستعمال الآلة الإعلامية لتأجيج وتهييج الشارع، وهو ما يثبت أن وراء تلك
الاحتجاجات قوى رسمية، وسياسية من خارج إيران.
أيضا بالنظر للمواقف الرسمية الداعمة
لهذه الاحتجاجات، ورصد الميزانيات كالتي أُعلنت رسميا من قِبل الكونغرس الأمريكي،
هذا كله يدل على أن هناك أهدافا خارجية وراء هذه المطالب الشعبية، وقد استطاع
المحتجون -الذين لا يرغبون في هذا التخريب والهدم- تنقية صفوفهم من هؤلاء،
واستطاعت القوى الأمنية أن تُلقي القبض على النواة الأساسية التي كانت على اتصال
مباشر مع الخارج، وربما هذا أحد أسباب خفوت الاحتجاجات بشكل كبير، وأصبح هناك
معالجة يومية مع كثير من هذه الشرائح في كل مكان؛ فقبل أيام ذهب وفد كبير إلى مدينة
زاهدان نيابة عن السيد الخامنئي والتقى القادة المحليين.
وأعود وأؤكد بأنني لا أؤمن بنظرية
"المؤامرة"، ولكن ما نشاهده على الأرض من تجييش، وتأجيج، وهذا التخريب،
يؤكد بلا شك بأن وراء هذه الاحتجاجات قوى أجنبية لا تريد خيرا لإيران كما حدث في
كثير من دول المنطقة، خاصة أننا ضمن مشروع سايكس بيكو جديد، ووعد بلفور جديد، لكنه
يحمل عنوان "صفقة القرن".
هل يمكن القول بأن إيران تفادت هذه
الاحتجاجات وآثارها؟
أعتقد أنها تفادت بشكل كبير ولكن هذا
لا يكفي، يجب أن تكون هناك معالجة ميدانية من قِبل الحكومة والجهات الرسمية، لأن
هذه الاحتجاجات كان مُخططا لها أن تبدأ مع بداية السنة الدراسية، لكن أتى موضوع "مهسا
أميني" وتقدم المشروع، ولهذا أقول ربما الذريعة كانت أميني ومن الممكن أن
تكون هناك ذرائع أخرى في المستقبل وتُستغل بنفس الطريقة.
وبالتالي إذا أردنا أن ننهي هذه الاحتجاجات
ولا نعطي مبررا للآخرين يجب أن نعالج هذه الأمور بتقنية جديدة إن صح التعبير،
والتقنية التي أقصدها بلغة الشباب هي منح حريات أكثر مما كنا عليه، وتحسين الوضع
الاقتصادي لهذه المجموعات، وإن كنت أؤكد بأن المطلب الاقتصادي لم يُطرح، ولو مرة
واحدة، في هذه الاحتجاجات، لكن حتى لا يكون ذريعة في المستقبل.
البعض يرى أن المجتمع الإيراني يرغب في
تجاوز العادات والتقاليد القائمة منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران في شباط/
فبراير عام 1979.. ما صحة ذلك؟
عندما نتحدث عن التقاليد بشكل عام لا
نستطيع أن نفرض نسخة عامة ونُعمّمها على الجميع، يجب أن نعرف بأن هناك أقليات غير
مسلمة تعيش في إيران؛ فهناك عدد كبير من المسيحيين، وغيرهم من التابعين للديانات
الأخرى التي لا تريد أن تخضع لهذه "القيم"، ولكن في نفس الوقت كل شخص
يزور إيران من أي خلفية دينية أو قومية أو مذهبية أو جغرافية يتفاجأ بهذا الكم
الهائل من الحريات مقارنة بكثير من دول منطقتنا على كل الأصعدة، لكن أعتقد بأن
طموحات الشباب في هذه المرحلة أكثر بكثير مما نتصوره نحن أو نعيشه، ولهذا نحن
بحاجة إلى تطوير هذا النمط، وأعتقد أن الحكومة تعرف هذا جيدا وتسير في هذا
الاتجاه.
الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات
إضافية على إيران خلال الأسبوع المقبل، على خلفية قمع طهران للاحتجاجات.. ما
تعقيبكم؟
كل ما تستطيع الولايات المتحدة فعله،
ومعها الدول الغربية، لفرض عقوبات على إيران فعلته خلال العقود الماضية، ولم يبق شيء تستطيع أن تفرضه علينا. النقطة الثانية: إذا كانت هذه العقوبات دفاعا عن الشعب
الإيراني، ودفاعا عن المحتجين؛ فمن المفترض أن يفسحوا المجال ليعيش الشعب حياة
أفضل؛ فهذه عقوبات مباشرة على أبناء الشعب، والجميع يعرف أن كل القادة الذين تُفرض
عليهم عقوبات ليست لديهم حسابات في بنوك أجنبية، ولا زيارات خارج إيران، ولا أيّ
ممتلكات أو استثمارات في الخارج، وبالتالي هذه العقوبات تُفرض على الشعب الإيراني،
وإن كانوا صادقين فليرفعوا العقوبات.
وهناك نقطة مهمة أريد أن أذكرها
ليعرفها الجميع: في عام 1950 عندما أتى رئيس الوزراء المُنتخب ديمقراطيا، الدكتور
محمد مصدق، بمشروع لتأمين النفط الإيراني في الأمم المتحدة قامت الولايات المتحدة
آنذاك برفض المشروع، وصوّتت ضده، بل واتهمت المشروع بأنه يضع السلم العالمي في
خطر، وفي تلك الفترة فرضت عقوبات على الشعب الإيراني، وفي عام 1953 دبرت انقلابا
عسكريا مع بريطانيا ضد الدكتور مصدق الذي لم يكن يحمل فكرة ثورية ولا أيديولوجية،
ولم يكن له مشروع نووي، ولم يكن يملك منظومة صاروخية، بل كان متعاونا مع الولايات
المتحدة الأمريكية ومع الغرب، وكل ما كان يريده فقط هو الحصول على الحد الأدنى من
الثروة الإيرانية التي كانت في تلك الفترة تُختصر في الثروة النفطية، ولهذا قاموا
بانقلاب عسكري ضده.
لذا، فالعقوبات ليست عقوبات الساعة،
وليست عقوبات نتيجة التعامل مع الاحتجاجات؛ فهذه أكاذيب أمريكية بامتياز، لأن
العقوبات بدأت عام 1950 ولم تكن هناك احتجاجات، وإنما لمجرد طلب تأمين النفط
الإيراني، هذه مجرد ذرائع؛ فقد سرقوا أموالنا منذ انتصار الثورة الإسلامية، وكل
أموال وميزانيات الشركات التي كانت مودعة عند الأمريكيين خلال تلك الفترة سرقوها؛
فالولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أي اتفاق نووي مع إيران. هذا مُخطط صهيوني،
وهذه تصريحات نسمعها يوميا وسمعناها خلال الأيام الماضية من نتنياهو، وكل الأمور
تشير بأن هناك إرادة أمريكية غربية لمواجهة أي تقدم إيراني يجعل من الجمهورية
الإسلامية الإيرانية نموذجا يُحتذى به، هذه هي النقطة الأساسية التي نواجهها نحن
مع الأسف.
على صعيد آخر، كيف تنظر لدعوة شيخ
الأزهر أحمد الطيب، للوحدة الإسلامية وعقد حوار (إسلامي - إسلامي) جاد؟
لم أكن أتصور أن بلدا كإيران تستقبل
هذه الدعوة بهذا الشكل الكبير من الترحيب منذ اللحظة الأولى، بغض النظر عن مكان
انعقاد المؤتمر الذي أُطلقت فيه هذه الدعوة (ملتقى حوار الأديان بعاصمة البحرين
المنامة)، وبغض النظر عن الجانب الإعلامي والزمني للمؤتمر؛ لأن البلد المضيفة
للشيخ أحمد الطيب تُجرى فيها انتخابات برلمانية الآن.
أما مضمون الخطاب فهو مضمون جيد،
وسمعناه عدة مرات من الإمام الأكبر شيخ الأزهر في مناسبات مختلفة، وهو أمر مهم
جدا، وقد بعث الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية، الدكتور حميد
شهرياري، رسالة شكر لسماحة الشيخ أحمد الطيب، كما أبدى استعداده الكامل للقائه
سواء في القاهرة أو في طهران أو في أي بلد آخر لتنفيذ هذا الحوار على الأرض، واستثمار
هذا المشروع بما يخدم الأمة.
أيضا هناك شخصيات إيرانية كبيرة،
ومؤسسات وجامعات متعددة، أرسلت رسائل واضحة لتستضيف هذا المشروع، وللتحاور مع
الآخرين لإيجاد طريق للحل، وهو أمر ليس بجديد؛ فالجميع يعرف التواصل بين كبار
القادة العلماء في إيران ومع الأزهر؛ فقد تبنت شخصيات كبيرة هذا المشروع، وكانت
هناك لقاءات مهمة بين الجانبين، ولا نغفل الفتاوى التاريخية الكبيرة والمهمة التي
ما زلنا نحفظها من قِبل الأزهر، ومن مدينة قُم المقدسة، ومن مدينة النّجف الأشرف
العراقية.
لهذا، فالحوار له جذور تاريخية بين
المذهبين، وبين المذاهب الإسلامية الأخرى، لكن مع الأسف العامل السياسي، والمفردات
السياسية اليومية في العقد الأخير طغت على فكرة الوحدة، وكانت هناك أطماع سياسية
نعرفها جيدا ويعرفها الجميع هي التي أجّجت فتنة مُفتعلة بين الشيعة والسنة، وكلنا
نعرف أن هذه الخلافات هي خلافات بسيطة جدا، وتحصل حتى بين مذاهب أهل السنة، ولكن
الاستغلال السياسي لهذه الخلافات هو ما أدى بنا إلى هذا الواقع المر الذي نرجو
ونأمل أن نتجاوزه من خلال تصريح شيخ الأزهر، والعلماء الآخرين.
هل تعتقد أن دعوة شيخ الأزهر يمكن أن
تنجح في ظل المعطيات الراهنة؟
يمكن أن تنجح إذا كانت هناك إرادة
قوية، وأنا أعرف بأن لدى الجانب الإيراني إرادة قوية، وأيضا لدى الأزهر بهذا
الخطاب الذي شاهدناه وسمعناه؛ فقد كان خطابا دقيقا جدا أكد على نقاط مهمة، وهذه
الإرادة يجب أن تعطي ثمارها بعد الجلوس على طاولة الحوار، لكني أخشى أن تقوم بعض الدول
والحكومات وأجهزة أمنية استخباراتية بعرقلة هذه المشاريع، وتخنقها قبل أن تُولد؛
فالتجربة التاريخية علمتنا أن نخاف من هذه المشكلة، بينما نأمل ألا يحدث ذلك.
مَن هي هذه الدول التي تشير إليها؟
لا أشير إلى دولة بعينها، ولكن أعني
بعض الأنظمة أو الأجهزة التي لا تريد الخير للأمة وتعرقل الحوار، وهي تلك الأنظمة
التي تدعم وتنتج الأفكار التخريبية والتكفيرية التي تقتل الإنسان؛ فهذه الأنظمة لا
تريد هذا الحوار وتخشى نتائجه، حتى تبقى الأجندة تسير في اتجاه سياساتها، وهي دول
معروفة للجميع، هي التي موّلت وسهّلت ودافعت، ولا تزال، عن هذه القوى التفريقية
والتكفيرية، ولسنا بحاجة لذكر الأسماء الواضحة كطلوع الشمس.
انطلاقا من الواقع الحالي المُشار إليه
هل ستكلل دعوة شيخ الأزهر بالنجاح أم لا؟
لا أقول لا، وأتمنى نجاح هذه الدعوة؛
فهناك إرادة قوية، وهناك الشعوب التي دفعت الثمن؛ فهي بحاجة إلى حلول، وبحاجة إلى
وحدة وحوار والتقاء مُجددا، وهؤلاء استقبلوا الدعوة ويؤكدون على ضرورة تنفيذ
الفكرة على الأرض وفي الميدان، لكني أخشى دخول دول وأنظمة وأجهزة أخرى على الخط
ليفشلوا هذا المشروع، ونتمنى ألا يحدث ذلك، لأننا جميعا في قارب واحد يسير في بحر
واحد، وهذا القارب إذا هُدد سنُهدد جميعا، وهذه حقيقة والسنوات الماضية أثبتت هذا
الواقع، وكلنا خسرنا جراء ما حصل في منطقتنا، نحن كأمة خسرنا الكثير من الأرواح
والبيوت والأموال والثروات، وأعتقد أن الإرادة التي نشاهدها من خلال هذا الخطاب
ستُكلل بالنجاح، ولا نفكر بفشل هذا المشروع.
لماذا لا تقدم إيران على اتخاذ خطوات
عملية من أجل التقريب بين المذاهب الإسلامية؟
حتى تعرف أين كنّا؟ وأين وصلنا؟ يجب
أن تعرف كيف كان الحال في زمن الشاه قبل انتصار الثورة الإسلامية، وكيف كان يُخطط
هؤلاء لهذه الفرقة بين المسلمين؟ وكيف تأججت الخلافات بين الشيعة والسنة؟ وقد
عشت تلك المرحلة ولا أريد ذكرها. الآن الوضع يختلف كثيرا، فهل يتجرأ أحد هنا الآن
أن يطبع كتابا، أو يكتب سطرا واحدا، في اتجاه الإساءة للخلفاء الراشدين أو الإساءة
لرموز أهل السنة ولمناطق السنة. انظر للجامعات، والمعاهد الدينية، والمؤسسات
الكبرى التي أُسست هنا وهناك في المناطق التي تقطنها الأغلبية السنية، وهذه حقيقة
لا يستطيع أحد أن ينكرها، الكثير من العلماء السنة من دول منطقتنا جاءوا إلى إيران
وشاهدوا هذه المشاهد، وتحدثوا، وتوصلوا واجتمعوا بالمواطنين السنة في كل مكان،
وأصبح أمرا بديهيا أن نعيش كمواطنين في السراء والضراء مع بعض، ونحن نريد أن تعمّ
هذه الفكرة وهذا النهج في كل دول المنطقة، ولكن كما قلت وأكرر هل ستسمح
"المؤسسات التكفيرية" بإيجاد هذا السبيل؟ هذه مشكلتنا مع هؤلاء.
هل من المحتمل أن يزور شيخ الأزهر
إيران في وقت ما؟
شيخ الأزهر مُرحب به في إيران دائما،
وهناك رسائل قد بعثتها المؤسسة الدينية في قُم، وكثير من المراجع الدينية، منهم
المرجع الكبير آية الله ناصر مكارم الشيرازي إلى شيخ الأزهر، ورد شيخ الأزهر على
هذه الرسالة؛ فهناك تواصل بصورة مباشرة وغير مباشرة، ودائما كانت الدعوة موجّهة
ومفتوحة، وهناك دبلوماسيون ذهبوا إلى هذا الصرح المبارك (الأزهر الشريف) في
القاهرة لدعوة سماحة الشيخ وغيره من العلماء؛ فإيران أبوابها مفتوحة للجميع، وخاصة
للأزهر، منذ سنوات طويلة.
والآن الدعوة مفتوحة، وستظل مفتوحة،
وأتصور أن هذه خطوة مباركة، وهذه الزيارات ستؤدي إلى ثمار تقطفها الأمة، وليست
المشكلة المكان؛ فالإيرانيون خلال الرسائل الأخيرة أبدوا استعدادهم لزيارة الأزهر،
ولقاء الأمام الأكبر في القاهرة أو في أي مكان آخر، وبالطبع قدموا دعوة لسماحته
لزيارة طهران.
هل لديكم أي تفاصيل أو معلومات حديثة
بخصوص التقريب بين المذاهب الإسلامية؟
هناك لقاءات مستمرة، وزيارات لوفود من
القيادات العلمية السنية والشيعية المشتركة من إيران إلى دول العالم، ومن دول
العالم إلى إيران، وهناك مؤتمرات الحوار، آخرها كان مؤتمر التقريب الكبير في دورته
الرابعة والثلاثين الذي عُقد قبل أقل من شهر بمناسبة ذكرى مولد الرسول الأعظم (صلى
الله عليه وعلى آله وسلم)، وهذه اللقاءات مستمرة في كل مكان، وقد حضرت قبل أيام
افتتاح ورفع الستار عن مجلة الفقه المقارن باللغة العربية في مدينة قُم، والتي
يُشرف عليها سماحة الشيخ الدكتور أحمد المبلغي، ويصب في هذا الاتجاه المناهج التي
توضع الآن في الحوزة العلمية، وهذه المجلة في الفقه المقارن، وهذه الإصدارات التي
تصدر هنا في إيران، وخاصة في مجال الأبحاث، مهمة للغاية.
أيضا جامعة الأديان والمذاهب في مدينة
قُم، التي تضم أكثر من أربعة عشر طالبا أجنبيا ناطقين باللغة العربية لهم دور كبير
في هذا الاتجاه، وهذه المشاريع مستمرة، ولكن أعرف جيدا بأن الكثير من
الإمبراطوريات الإعلامية المعادية والموجّهة -مع الأسف- لن تسمح برفع هذا الصوت،
بل ستحاول أن تعطي صورة غير حقيقية لواقعنا.
كيف تنظر لمطالبة البعض بضرورة تجديد
المذهب الشيعي وتنقيته مما يوصف بـ"الغلو والانحرافات"؟
نحن نطالب الجميع في كل المذاهب لرفع
الغلو من كل مكان؛ فكل المذاهب، وكل الديانات، لهم دور في هذا المجال، عندنا السيد
الخامنئي في لقائه مع علماء السنة في اجتماع الذكرى النبوية يقول: "نحن يجب
أن نتحرر من التشيع الإنجليزي اللندني، والتسنن الأمريكي"، وهو يشير إلى
هؤلاء الغلاة أتباع المذهب الشيعي الذين يؤججون تحت العلم البريطاني، وبغطاء
بريطاني، والغلاة من السنة الذين يمرحون تحت العلم الأمريكي في الولايات المتحدة؛
فالغلاة متواجدون في كل المذاهب، لكن هذه إرادتنا وقوتنا يجب أن تسير في هذا
الاتجاه. عندما تُقتل طائفة من المسلمين باسم الرافضة، وعندما يُسب الخلفاء على
الجانب الآخر من قِبل مجموعات أخرى هؤلاء هم الغلاة، ولهذا يجب القضاء على هذه
الظاهرة في كل مكان، والإمام الخامنئي يُحرّم سب الخلفاء وأم المؤمنين، وهذه فتاوى
واضحة وموجودة، وكما قلت هذا التأجيج وهذه الإثارة من قِبل البعض، وهذه الفرقة بين
المسلمين هي ما تجعلنا نسمع الصوت العالي لهؤلاء، وهناك محاولات لإخفاء الأصوات
الحقيقية التي تصدر من المذاهب سواء من الشيعة أو من السنة لتبيين الإسلام الأصيل.
خبير أمريكي: أتوقع فوز الجمهوريين.. وهذا تأثيره على بايدن