بعد سلسلة الحوادث الأخيرة التي اعتدى فيها جنود الاحتلال على نشطاء يساريين إسرائيليين، وسلسلة الصلاحيات الأمنية الموسعة التي حصل عليها الوزراء اليمينيون في الحكومة المقبلة، تصاعدت في الأيام الماضية جملة من المخاوف التي حملها مسؤولون سياسيون وعسكريون إسرائيليون من مغبة تحول جيش الاحتلال من مؤسسة نظامية إلى ميليشيات عصابية.
أول هذه التحذيرات صدر عن يائير
لابيد رئيس حكومة الاحتلال المنتهية ولايته، الذي وجه في تغريدة عبر "تويتر" ترجمتها "
عربي21"، اتهامات خطيرة لوزراء الحكومة الجديدة بأنهم يحرضون جنود الجيش الإسرائيلي على قادتهم، خاصة رئيس الأركان، وهو تحريض خطير ووحشي ومدمر على مؤسسة الجيش، فلا يمكن للجنود الحصول على إذن من الوزراء وأعضاء الكنيست لخرق أوامر قادتهم، لأن حياة الإسرائيليين تعتمد على وجود جيش قوي مع التسلسل القيادي والانضباط القتالي، أما هذا التحريض المتنكر في صورة الدعم فهو خطير وغير مسؤول، ويقضي على قوة الجيش".
أما وزير الحرب ورئيس الأركان السابق بيني
غانتس، فحذر "من مغبة نقل الصلاحيات على حرس الحدود إلى وزارة الأمن الوطني بقيادة رئيس العصبة اليهودية إيتمار بن غفير، فضلا عن كوني منزعجا من محاولة تغيير قواعد فتح النار على الفلسطينيين من أشخاص لم يخدموا في الجيش دقيقة واحدة، ومع ذلك فإني أثق في الجيش وقيادته بعدم الرضوخ للمطالب غير القانونية التي تأخذ الجيش إلى "تشكيل ميليشيا" تابعة لأطراف بعينها".
وأضاف في تصريحات نقلتها "
القناة 12" العبرية، وترجمتها "
عربي21": "أحذر من تسلل السياسة إلى الجيش، واليوم الذي سيصبح فيه الجيش الإسرائيلي "جيش نصف الشعب"، لكن من الواضح أنه في مفاوضات الائتلاف الحالية يبدو أن هناك من يرتكب ليس تصريحات خاطئة، بل أخطاء ستؤدي لانتهاكات أمنية كبيرة، وقد تكلف أرواحا بشرية في صفوف الإسرائيليين، فضلا عن الإضرار بالأمن، وسلسلة القيادة داخل مؤسسة الجيش".
وأشار إلى أن "مطالب أحزاب الائتلاف بنقل المزيد من الصلاحيات تحت إشراف وزير الأمن الوطني ينبع في أحسن الأحوال من عدم الفهم، وفي أسوأ الأحوال من الرغبة في إنشاء ميليشيا لرجل جديد، مما سيعرض الجنود والضباط لخطر العرض على المحاكم الدولية، فضلا عن انزعاجي من تراجع الجانب الأخلاقي ومستقبل "جيش الشعب"، التي أصبحت موضوعًا مثيرًا للجدل بسبب خطأ سياسيينا، وما بتنا نراه من مشاهد هي مقلقة".
من جهته، أكد عضو الكنيست غادي آيزنكوت قائد الجيش السابق أن "سلوك أعضاء التحالف الحكومي الناشئ يقوض سلطة القيادة في الجيش، ويضر بثقة الجمهور به، حتى أن اللقب الذي حصل عليه الوزير المكلف بالأمن الوطني، إيتمار بن غفير، يشير إلى حجم العبثية الذي نحن فيه، لأن المسؤولية المشتركة عن الأمن القومي تقع على عاتق اللجنة الوزارية لشؤون الأمن الوطني وهي مجلس الوزراء، وإذا أراد شخص ما خلق حالة من الفوضى في الضفة الغربية، فهذه هي الطريقة لفعل ذلك".
وأضاف في تصريحات نقلتها "
القناة 13" العبرية، وترجمتها "
عربي21"، أن "ما يحصل هو استهداف للتسلسل القيادي في الجيش، لأن قانونه الأساسي ينص على أن رئيس الأركان فقط هو من يعطي الأوامر للجنود، وليس رئيس الوزراء أو أي وزير آخر، فقط رئيس الأركان وتسلسل القادة، وللأسف فإن الإسرائيليين لا يعلمون شيئًا عن عمل الجيش في واقع معقد ضمن تحدياته لمحاربة المقاومة الفلسطينية، وإذا تم خرق هذا التوازن، فسيتم خلق واقع أكثر تعقيدا للغاية".
وأشار إلى أن "سلوك السياسيين يضعف الجيش الإسرائيلي، ويضر بثقة الجمهور به، وقد أدت الاحتياجات الشخصية والرغبة بتصدر العناوين الرئيسية لعدد من الساسة بتوجيه إصابة قاتلة لجيش الدولة، الحكومة القادمة تدخل في دوار حتى قبل أن تقلع، أنا لا أتصور أن هؤلاء السياسيين سيحددون للجنود تعليمات إطلاق النار باتجاه الفلسطينيين، والأخطر أن هؤلاء لم يخدموا في الجيش، فقط يسترشدون بالاعتبارات الشعبوية، ويتدخلون في ذلك لكسب عناوين الأخبار".
تكشف هذه التصريحات والتحذيرات المتصاعدة عن تخوف إسرائيلي حقيقي من استدراج الجيش الإسرائيلي إلى الاستقطاب السياسي والحزبي الذي تشهده دولة الاحتلال، ولا يتوقع أن يتراجع، حتى بعد تشكيل الحكومة القادمة، لأن اليمينيين المتطرفين عينهم على السيطرة على الأجهزة الأمنية، بما فيها الجيش والشرطة والشاباك، ومن دون التزامها بالأعراف المتبعة منذ تأسيسها، وفق التوصيف الإسرائيلي، فإنها ستصبح منظمات سياسية وحزبية، ومثيرة للجدل، وبالتالي لن تكون قادرة على أداء واجباتها، بالحفاظ على الدولة.
لا يتردد الإسرائيليون في إبداء مزيد من القلق أنه منذ اللحظة التي وصل فيها اليمين الفاشي إلى السلطة، فإنه سيسعى لإخضاع الجنود ورجال الشرطة والمخابرات لصلاحياته، وفي هذه الحالة ستكون أجهزة مصبوغة بألوان حزبية، مما يعني، وفق ذات القلق الإسرائيلي، الحكم عليها بالتدمير والخراب، والعمل في مثل هذا النمط سيؤدي إلى تفكك الجيش، ومع مرور الوقت سيتحول إلى فصائل متناثرة، وصولا إلى بناء ميليشيات حزبية!