سياسة دولية

هكذا استخدمت الشرطة الصينية الهواتف والكاميرات لتعقب المتظاهرين

خففت الصين بعض قيود كورونا إثر احتجاجات- جيتي
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن التكتيكات والاستراتيجيات التي استخدمتها السلطات الصينية للتعرف على هويات المتظاهرين ضد سياسات الحكومة الصارمة بشأن فيروس كوفيد-19.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الشرطة استخدمت أنظمة التعرّف على الوجوه والهواتف والمخبرين لتحديد هوية المشاركين في الاحتجاجات، وعادة ما تجبر المتظاهرين على التعهّد بعدم الاحتجاج مرة أخرى.

وخوفًا من تعريض أنفسهم لتداعيات أخرى، فقد حذف الكثيرون التطبيقات الأجنبية مثل تليغرام التي تم استخدامها لتنسيق ونشر صور الاحتجاجات في الخارج.



ونقلت الصحيفة تجربة المواطن تشانغ الذي خرج للتظاهر احتجاجًا على سياسات صفر كوفيد في بكين معتقدا أنه تمكن من إخفاء نفسه بارتداء غطاء للوجه ونظارات، وعندما تبعه رجال شرطة يرتدون ثيابا مدنية فإنه غيّر سترته لتضليلهم. لقد كان يظن أنه تمكن من الإفلات منهم، لكن الشرطة اتصلت به في اليوم التالي لإخباره أنهم اكتشفوا مشاركته في المظاهرات من خلال رصد هاتفه في منطقة الاحتجاجات، وبعد عشرين دقيقة، كان ثلاثة ضباط يطرقون بابه مع أنه لم يخبرهم بمكان إقامته.

روى المتظاهرون في جميع أنحاء الصين قصصًا مماثلة هذا الأسبوع، وذلك وفقًا لمقابلات مع المستهدفين ومجموعات حقوق الإنسان. وإلى جانب تتبع وترهيب واحتجاز أولئك الذين تظاهروا في تحد لسياسات الحكومة الصارمة بشأن فيروس كوفيد نهاية الأسبوع الماضي، فإنها تتجه السلطات إلى استخدام أدوات قوية للمراقبة قضت الدولة العقد الماضي في بنائها لاسيما في ظل تنامي شريحة السكان التي أدانت توسع نفوذ الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.

وذكرت الصحيفة أن الشرطة الصينية استخدمت أحد أكثر أنظمة المراقبة تطورا في العالم. لقد علقوا ملايين كاميرات في زوايا الشوارع ومداخل المباني، واشتروا برنامجًا للتعرف على الوجه لاكتشاف هويات المواطنين المحليين، ثم يقوم البرنامج الخاص بتدقيق البيانات والصور التي يتم جمعها. وعلى الرغم من أن تركيز نظم المراقبة لم يكن سريا، إلا أن الكثير من الصينيين كانوا يعتقدون أنهم في منأى من التهديدات التي تشكلها مثل هذه الأجهزة عليهم لأن الشرطة كانت تستخدمه بشكل أكثر شيوعًا لتتبع المنشقين والأقليات العرقية والعمال المهاجرين.



لكن ما حصل خلال الفترة الأخيرة قد يغير نظرة الكثير من الصينيين تجاه هذه الكاميرات التي ترصد تحركاتهم طوال اليوم. فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها توجيه جهاز مراقبة دولة بشكل مباشر إلى أعداد كبيرة من أفراد الطبقة الوسطى في أكثر مدن الصين ثراءً. وحتى مع استخدام الكثير من الصينيين طرقًا للالتفاف حول أجهزة المراقبة، فإن زيارة الشرطة في المنزل كانت أمرا غير متوقعا بالنسبة لهم.

ونقلت الصحيفة عن ألكان أكاد، الباحث المعني بالصين في منظمة العفو الدولية، قوله إنه "وردتنا قصص عن قدوم الشرطة إلى عتبات منازل الناس لسؤالهم عن مكان وجودهم أثناء الاحتجاجات، ويبدو أن هذا يستند إلى الأدلة التي تم جمعها من خلال أجهزة المراقبة الجماعية". وأضاف أن "الحكومة تأمل أن يكون استخدام تكنولوجيا الأخ الأكبر التي تقوم على الرصد والمراقبة المستمرة فعالا في إخماد الاضطرابات".

وأوضحت الصحيفة أن السلطات الصينية تعتقد أنه يمكنها إخماد الاضطرابات من خلال استخدام التكنولوجيا فائقة الجودة لاستهداف المنظمين والناقدين واحتجازهم. كانت تجربة تشانغ شائعة، فرغم إدراكه وجود كاميرات التعرف على الوجه في الأماكن العامة في الصين، إلا أنه قلل من شأن أجهزة تعقب الهاتف. وعلى غرار الكثير من المتظاهرين الآخرين الذين تمت مقابلتهم، فقد رفض السيد تشانغ ذكر اسمه بالكامل خوفًا من التعرض لانتقام الشرطة. وقد كان محظوظًا لأنه بعد استجوابه وتحذيره من عدم المشاركة في المظاهرات مرة أخرى، فقد غادرت الشرطة شقته.

وذكرت الصحيفة أن السيد تشانغ يعتقد أن هذه التدابير الرقابية ستكون فعالة في كبح الزخم الذي ولّدته التجمعات. وبالنسبة لبعض المحتجين الآخرين، فقد تم التعرّف على هوياتهم  بواسطة تقنية التعرف على الوجه على غرار السيد وانغ، الذي انضم إلى الاحتجاجات في بكين وتلقى مكالمة تحذيرية من قبل الشرطة بعد يومين من المظاهرة بعد التعرف عليه من خلال هذه التقنية.



وعلى عكس المتظاهرين الآخرين في بكين، فإنه لم يقم وانغ بتغطية وجهه بقبعة أو نظارة شمسية، كما خلع قناعه الطبي خلال المظاهرات، وقد أعرب أنه لم يفاجأ بأن الشرطة تمكنت من التعرف عليه، لكن استخدام هذه التكنولوجيا جعله يشعر بالخوف والرعب.

وأوردت الصحيفة أن العديد من المتظاهرين أعربوا عن تخليهم عن استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية أو تطبيقات أجنبية أخرى مثل تليغرام وسيغنال بعد التعرض للاعتقال والترهيب من قبل الشرطة، مشيرين إلى أنهم يشعرون بالخوف من الرقابة المفروضة عليهم من قبل السلطات التي قد تساعد على مراقبة البرامج التي يستخدمونها على هواتفهم عن كثب، مما يؤدي بدوره إلى احتمال تعرضهم للاعتقال.

وبحسب مواطن صيني تعرض للاعتقال خلال مظاهرة في تشنغدو وسط الصين، فقد فحصت الشرطة هاتفه أثناء احتجازه واكتشفت استخدامه تطبيق تليغرام وتطبيقات أجنبية أخرى أُجبر على حذفها عند إطلاق سراحه.

وحاول بعض المتظاهرين التصدي للمراقبة باستخدام تكتيكات مماثلة لتلك المستخدمة في هونغ كونغ في سنة 2019، عندما حاول المتظاهرون الكشف عن هويات ضباط الشرطة، تماما مثل تلك التي استخدمتها الشرطة للكشف عن هوياتهم. وهذا الأسبوع، وُزعت قائمة بهويات حوالي 60 ألف ضابط شرطة في شنغهاي في بعض مجموعات تليغرام. وقد أُنشئ جدول الأسماء من تسريبات لأعضاء الحزب الشيوعي الصيني في سنة 2020. وقد أكدت صحيفة نيويورك تايمز دقة جزء من هذه البيانات التي تضمنت أرقام الهوية الوطنية للضباط، والعناوين، والحالة المدنية، والعرق، والطول.

وأشارت الصحيفة إلى أن سيدة أخرى، وهي مخرجة في العشرينيات من عمرها، انضمت إلى مجموعة من الأصدقاء في بكين ليلة الأحد.

لذلك فإنهم اتخذوا مجموعة من الاحتياطات مثل تغطية وجوههم بأقنعة طبية واستخدام سيارات أجرة كإجراء تمويهي. وعلى الرغم من أنه تم تحذيرهم بإيقاف تشغيل هواتفهم، فقد قاموا بدلاً من ذلك بتعطيل ميزات تحديد الموقع والتعرف على الوجه. لكنها شعرت بالدهشة برفقة صديقاتها عندما تلقى عدد منهنّ مكالمات هاتفية أو زيارات من الشرطة.