تشهد الليرة السورية انهيارا متسارعا
وصل بها إلى حدود 5900 ليرة مقابل الدولار الواحد، بالتزامن مع أزمة خانقة للوقود
في مناطق سيطرة النظام، تسببت بتمديد أيام العطلة ووقف النشاطات الرياضية، وتخفيض
مخصصات وسائل النقل من المحروقات.
ومن اللافت أن أزمة المحروقات في سوريا، تفاقمت عقب إعلان صحيفة الوطن
شبه الرسمية عن موافقة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، على زيادة كميات التوريدات
النفطية إلى سوريا، من مليونين إلى ثلاثة ملايين برميل شهريا، لمساعدتها في تجاوز
أزمة الطاقة التي تعاني منها.
وتقدر حكومة النظام السوري حاجة المناطق الخاضعة لسيطرتها للمحروقات
بنحو 200 ألف برميل، بينما الإنتاج لا يتجاوز 20 ألف برميل، خاصة أن معظم حقول
النفط تتركز في مناطق شمال شرق سوريا، التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
وكشفت حكومة النظام في وقت سابق، أنها تعمل شهريا على تأمين 3.5 مليون
برميل من النفط الخام، عن طريق "الخط الائتماني الإيراني"، الذي أعلن
عنه عقب زيارة بشار الأسد إلى إيران في أيار/ مايو الماضي.
وشكك اقتصاديون بقدرة "الخط الائتماني" على تلبية رغبات
النظام السوري، لا سيما أن إيران تشهد احتجاجات مستمرة منذ ثلاثة أشهر، عقب مقتل
الشابة مهسا أميني على يد شرطة الباسيج.
ورصدت "عربي21" دعوات صفحات وشبكات موالية للنظام السوري
حلفاء النظام (روسيا وإيران)، للمساعدة في حل أزمة المحروقات المتفاقمة، بينما
تحدث آخرون عن عدم رغبة موسكو وطهران بمساعدة النظام؛ لأن كلا البلدين حصل على ما
يريده في سوريا، من خلال احتكار القطاعات الحيوية في البلاد.
وأقر مسؤولو النظام بعدم وصول أي كميات من لمشتقات النفطية إلى سوريا
عبر الدول الصديقة، وهو ما أكده وزير النفط السوري بسام طعمة، الذي عزا سبب الأزمة
الحاصلة بـ"تأخر وصول ناقلات النفط، ما اضطر الحكومة إلى اتخاذ إجراءات
لتغطية الحاجات الأساسية فقط".
لكن رصدا أجرته "عربي21" أظهر وصول 3 ناقلات نفط إيرانية
إلى ميناء بانياس في سواحل مدينة طرطوس خلال الأسبوعين الماضيين، ما يعني أن
الإمدادات الإيرانية لم تنقطع عن النظام.
وأكد الدبلوماسي السوري السابق، المقيم في واشنطن، لـ"عربي21" أنه لا يوجد أزمة في
نقص المحروقات داخل مناطق سيطرة النظام، مشيرا إلى أن الإمدادات الإيرانية لم تذهب
إلى حكومة النظام ومؤسساتها، وإنما جرى السيطرة عليها من قبل "مافيات"
النظام.
وشدد على أن الأزمة الحالية "مفتعلة" أكثر من أن تكون أزمة
حقيقية، لإفقار الشعب والتضييق عليه أكثر من السابق، خاصة أن سفن النفط الإيرانية
لم تنقطع عن الموانئ السورية.
واتفق الباحث حسن الشاغل، مع حديث بربندي، مؤكدا أن أزمة المحروقات
الحالية لا تتعلق بشكل أساسي بخط الائتمان الإيراني، الذي يعتمد على تصدير بين 2
إلى 3 مليون برميل نفط إلى سوريا بشكل شهري.
وأوضح لـ"عربي21" أن المشكلة الأكبر التي تعصف في أزمة
المحروقات بسوريا هي البنية التحتية المدمرة، مشيرا إلى أن النظام يملك مصفاتي نفط
في حمص وبانياس، وكلاهما عاجزتان عن تكرير النفط الخام، وإنتاج كمية كافية لسد
الحاجة اليومية في مناطق سيطرة النظام، التي تقدر بنحو 200 ألف برميل.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي ورئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أسامة
القاضي، لـ"عربي21"؛ إن هناك إدراكا من قبل إيران بأن سوريا غير قادرة على
دفع المزيد من الديون، فضلا عن أن صناع القرار في طهران لا يلتفتون إلى المشاكل
السورية، بقدر ما يركزون على حلحلة العقد السياسية الداخلية.
وبين أن هناك مجموعة من الضغوطات المحلية والإقليمية التي تعيق وصول
إمدادات النفط عبر "الخط الائتماني الإيراني"، التي تتمثل بمعوقات من
الولايات المتحدة على ناقلات النفط الإيرانية، وعدم السماح لها بالمرور عبر قناة
السويس، بالإضافة إلى ضغوط داخلية تمنع شركة القاطرجي من الحصول على النفط عبر
المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
وأوضح أن هذه الضغوطات تتناسب مع حجم الخلافات الروسية الأمريكية في
أوكرانيا وغيرها من الملفات، بحيث إن البيت الأبيض، حتى لو أراد التساهل مع الروس، لم يعد بإمكانه فعل ذلك، ولم يعد بإمكانه تسهيل مرور البضائع والوقود إلى سوريا.
وأضاف: "بعد ثبوت تورط قوات النظام بإرسال مقاتلين لدعم روسيا في
أوكرانيا، وأيضا دخول إيران على خط الحرب، بات الضغط أكثر جدية والمنع أكثر جدية
على حلفاء روسيا بالمنطقة".
بدوره، لفت الشاغل إلى أن طريقة النظام في إدارة الأزمة والفساد داخل
المؤسسات، تساهم في تفاقم أزمة المحروقات، مؤكدا أن شبكة من تجار الأزمة الذين يتبعون
للنظام بشكل أو بآخر، يقومون باحتكار المحروقات لرفع سعرها بعد انخفاض قيمة الليرة
السورية.
وأشار إلى أن النظام حاليا يعاني من عدم قدرته على استيراد المحروقات
من مناطق شمال شرقي سوريا، كما انخفضت حركة تهريب المحروقات عبر لبنان، الذي يعاني
أصلا من أزمة حادة اقتصادية ومعيشية حادة.
طائرات مسيرة تدمر شحنة وقود إيرانية متجهة إلى لبنان