سلطت صحيفة "
نيويورك تايمز" الضوء على توسع دولة
قطر في قطاع تصدير
الغاز الطبيعي إلى العالم، لا سيما
أوروبا التي تعاني نقصا حادا في إمدادات الطاقة، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.
وقالت الصحيفة في تقرير للصحفي المخضرم كليفورد كراوس، ترجمته "عربي21"، إن قطر توسع من هيمنتها على سوق الغاز الطبيعي على حساب
روسيا، وتخطو البلاد باتجاه أن تصبح أكبر مزود طاقة لأوروبا التي نأت بنفسها عن روسيا بعد غزوها لأوكرانيا.
ولفت التقرير إلى أن صادرات البلد من الطاقة، والتي يعتبر الغاز أهمها على الإطلاق، تضاعفت هذا الصيف مقارنة بما كانت عليه في العام الماضي، حتى وصلت في شهر آب/ أغسطس إلى 9.2 مليار دولار.
وشدد على أن قطر في وضع أفضل من أي أحد آخر للاستفادة من الوضع في أوروبا. وذلك أن منافسي قطر إما أنهم يواجهون عقبات سياسية، مثل إيران وليبيا، أو مثل نيجيريا والجزائر، التي لا تملك المصادر الكافية لتوريد أحجام إضافية بات السوق بحاجة إليها.
وتمكنت قطر بفضل الثراء الذي يوفره لها الغاز من استضافة كأس العالم في كرة القدم، كما أنه مكنها من لعب دور الوسيط في العديد من النزاعات في شمال أفريقيا وفي الخليج.
وساهمت قناة الجزيرة الفضائية التي تمولها الحكومة القطرية في تعزيز نفوذ البلد، ناهيك عن أنها منحت صوتاً للمعارضين من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وفق التقرير.
وتاليا نص تقرير "نيويورك تايمز":
لقد هزت الحرب الروسية في أوكرانيا أسواق الطاقة وجعلتها تتأرجح، وبالنتيجة صارت أوروبا تعاني من نقص في الغاز الطبيعي، بينما ارتفعت أسعار الوقود الأحفوري، وبات الجميع مهدداً بركود عالمي.
إلا أن بلداً واحداً سلك طريقاً مكنه من الاستفادة اقتصادياً وسياسياً من الجلبة، ألا وهو قطر.
لم تزل قطر منذ وقت طويل تصدر الغاز الطبيعي المسال إلى البلدان الآسيوية، ولكنها توشك الآن أن تصبح مصدر طاقة هام لأوروبا، التي تسعى للنأي بنفسها عن الاعتماد على روسيا.
كما أن قطر بدأت تقترب أكثر من الصين، الأمر الذي قد يقوض من آمال روسيا في أن تحول إلى آسيا معظم الطاقة التي لم تعد تشتريها منها أوروبا.
يقول كثير من خبراء الطاقة إن قطر تغدو شيئاً فشيئاً كما لو كانت المملكة العربية السعودية في ما يتعلق بالغاز الطبيعي – أي إنها مورد طاقة لا استغناء عنه يحتفظ باحتياطيات ضخمة وبتكاليف إنتاج زهيدة. وهذا يعني أن قطر سوف تتمكن من بيع الغاز الطبيعي لمدة أطول وبأرباح أكبر مقارنة بغيرها من كبار المصدرين مثل أستراليا وروسيا، حتى في الوقت الذي يفرض التغير المناخي على كثير من البلدان خفض استخدامها للوقود الأحفوري.
يقول بين كاهيل، خبير الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "هذه هي لحظة قطر. الجميع في العالم بحاجة إليهم.".. تكاد تكون قطر مربوطة بأستراليا والولايات المتحدة كأكبر منتج للغاز الطبيعي المسال، وهو وقود يتم تبريده إلى درجات حرارة منخفضة جداً ومن ثم يشحن في ناقلات. ويقول الخبراء إن أستراليا ربما وصلت إلى ذروة صادراتها وأن بعضاً من حقولها القديمة بدأت تتراجع.
يجري حالياً إنشاء محطات تصدير جديدة في الولايات المتحدة، ولكن بوتيرة متواضعة نسبياً، وذلك جزئياً بسبب إحجام كبار المستثمرين الذين باتوا أقل رغبة في ضخ المال في الوقود الأحفوري مما كانوا عليه قبل سنوات قليلة بسبب القلق بشأن التغير المناخي.
كما أن روسيا أيضاً من كبار المصدرين للغاز، ولقد ظلت منذ وقت طويل تبيع جله لأوروبا عبر خطوط الأنابيب.
إلا أن تلك الصادرات تراجعت إلى حد كبير منذ أن غزت روسيا أوكرانيا في فبراير/ شباط.
وهذا يترك قطر، تلك المملكة الشرق أوسطية التي لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، في وضع متميز. في العام الماضي، بدأ البلد في إنشاء أربع محطات إنتاج وتصدير ضخمة جديدة، وهو الاستثمار الذي من شأنه أن يزيد قدرته بأكثر من الثلث بحلول عام 2026. كما أعلن المسؤولون عن خطط لإنشاء محطتين أخريين في وقت لاحق من هذا العقد.
وبذلك سوف ترتفع قدرة البلد على إنتاج الغاز الطبيعي المسال بما يزيد عن 60 بالمائة ليصل إلى 126 مليون طن بعد سنة واحدة من العشرية.
تتقدم الولايات المتحدة حالياً على قطر بقدر بسيط من حيث القدرة التصديرية، على الرغم من أن الصادرات تضررت خلال الشهور الأخيرة بسبب انفجار وقع في محطة للتصدير في تكساس. يتوقع المحللون أن تعود قدرة التصدير للولايات المتحدة إلى الارتفاع بما يقرب من 40 بالمائة في عام 2026.
يقول شكيب خليل، الرئيس السابق لمنظمة البلدان المصدرة للنفط ووزير الطاقة السابق في الجزائر: "إن قطر في وضع أفضل من أي أحد آخر للاستفادة من الوضع في أوروبا..
وذلك أن منافسي قطر إما أنهم يواجهون عقبات سياسية، مثل إيران وليبيا، أو مثل نيجيريا والجزائر، والتي لا تملك المصادر الكافية لتوريد أحجام إضافية بات السوق بحاجة إليها". تراهن قطر على أنه رغم سعي العالم إلى خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، فإن الطلب على الغاز الطبيعي المسال سوف يستمر في النمو. وذلك لأن كثيراً من الزعماء المنتخبين وخبراء الطاقة يعتقدون بأن الوقود أساسي كبديل عن الفحم وكسند للطاقة التي تولدها الشمس والرياح، والتي قد تظل محدودة لأنها محكومة بالأحوال الجوية.
لم تلبث الولايات المتحدة تدفع باتجاه تحول أسرع نحو الطاقة الخضراء، إلا أن إدارة بايدن توالي قطر. ففي تصريحات في البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني قبل لقائه مع زعيم قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أشار الرئيس بايدن إلى أن البلدين يشتركان في الرغبة في "ضمان الاستقرار في موارد الطاقة العالمية."
وفي الشهر الماضي أقرت الإدارة مبيعات أسلحة بقيمة مليار دولار إلى قطر.
تقول دانيا ثافر، المدير التنفيذي لمنتدى الخليج الدولي، وهو معهد أبحاث مقره واشنطن: "يبدو أن إدارة بايدن تثمن دور قطر في سوق الغاز، وخاصة حين يتعلق الأمر بتزويد أوروبا باحتياجاتها."
تمكنت قطر بفضل الثراء الذي يوفره لها الغاز من استضافة كأس العالم في كرة القدم، كما مكنها من لعب دور الوسيط في العديد من النزاعات في شمال أفريقيا وفي الخليج. وساهمت قناة الجزيرة الفضائية التي تمولها الحكومة القطرية في تعزيز نفوذ البلد، ناهيك عن أنها منحت صوتاً للمعارضين من مختلف أنحاء الشرق الأوسط.
على الرغم من قلق الغرب إزاء سجل قطر في مجال حقوق الإنسان، إلا أن عدداً من كبار الزعماء الأوروبيين، بما في ذلك المستشار الألماني أولاف شولتز ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل، سافروا إلى الدوحة، العاصمة القطرية، هذا العام ضمن جهودهم لضمان الحصول على المزيد من الطاقة.
يقول علي الأنصاري، الناطق باسم السفارة القطرية في واشنطن: "لسوف تستمر قطر في بذل ما في وسعها من أجل مساندة حلفائها في أوروبا..
على الرغم من أن معظم البلدان توقفت عن الاستثمار في التنقيب عن مصادر جديدة للهيدروكربون إلا أن قطر ضاعفت من استثماراتها في قطاع الغاز الطبيعي المسال". يذكر أن صادرات البلد من الطاقة، والتي يعتبر الغاز أهمها على الإطلاق، تضاعفت هذا الصيف مقارنة بما كانت عليه في العام الماضي، حتى وصلت في شهر أغسطس/ آب إلى 9.2 مليار دولار.
وتوشك قطر على تجاوز أرقام إيراداتها السنوية من التصدير والتي حددتها في عام 2013 قبل أن يفضي انتعاش صادرات الغاز في الولايات المتحدة إلى خفض الأسعار.
تقول ليزلي بالتي غوزمان، المدير التنفيذي في غاز فيزتا، المؤسسة البحثية: "تعود عليهم الأزمة بالكثير من المكاسب."
بالإضافة إلى إدارة حقل الغاز الأوفشور المحلي التابع لها، لم تلبث قطر للطاقة، وهي شركة مملوكة للدولة، تتوسع حول العالم من خلال الاستثمار في البرازيل وسورينام وأنغولا وجنوب أفريقيا وفي غيرها.
كما تعمل مع أكسون موبيل في بناد محطة تصدير للغاز الطبيعي المسال في لويزيانا يتوقع أن يبدأ تشغيلها في عام 2024. كما أن قطر للطاقة وإكسون تنتجان الغاز من حقل أمام الساحل المصري، وتقومان كذلك بالتنقيب عن الغاز في قبرص.
بدأت قطر للطاقة مؤخراً محادثات مع توتال للطاقة في فرنسا وإيني في إيطاليا للعمل معاً في المياه اللبنانية، وهو المشروع الذي غدا ممكناً بفضل صفقة ترسيم الحدود البحرية التي أبرمت مؤخراً بين إسرائيل ولبنان.
فقط في الأسابيع القليلة الماضية، وافقت قطر للطاقة على إنشاء مصنع بلاستيك بتكلفة 8.5 مليار دولار في تكساس وذلك بالاشتراك مع شيفرون فيليبس للكيماويات، وتفاوضت علي صفقة لتزويد ألمانيا بالغاز لمدة خمسة عشر عاماً.
تمثل الصفقة مع ألمانيا مكسباً كبيراً لقطر لأن ألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية كانت مترددة في التوقيع على عقود طويلة الأجل كهذه، وذلك خشية أن تظل مقيدة بالوقود الأحفوري لمدة أطول من اللازم، أخذاً بالاعتبار الخطط الطموحة لدى الاتحاد الأوروبي لمعالجة المشاكل الناجمة عن التغير المناخي. ولكن مع تراجع صادرات الغاز عالمياً واحتياجات أوروبا الملحة لتعويض موارد الطاقة الروسية، لربما لم يكن لدى قادة ألمانيا خيار سوى الموافقة على صفقة مع قطر مدتها خمسة عشر عاماً.
يقول جيم كراين، خبر الطاقة في جامعة رايس: "ما كان القطريون ليسمحوا بتبديد فرصة سنحت لهم جراء أزمة الطاقة الأوروبية.
فها هم يبرمون صفقة جديدة طويلة المدى مع ألمانيا بسبب احتياجاتها الماسة."
سوف تورد قطر مليوني طن من الغاز سنوياً، وهذا من شأنه أن يمنح ألمانيا نوعاً من الأمان من حيث احتياجاتها من الطاقة. ومع ذلك لا يشكل الغاز القطري سوي نسبة ضئيلة جداً مما كانت روسيا تزود به ألمانيا، ناهيك عن أن الواردات القطرية لن تبدأ بالوصول إلى ألمانيا حتى عام 2026. في هذه الأثناء تغازل ألمانيا منتجين آخرين، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة.
بالإضافة إلى الصفقة، وقعت قطر مؤخراً عقداً لتوريد الغاز الطبيعي إلى الصين لمدة 27 عاماً – وهي أطول مدة نص عليها عقد من هذا النوع. سوف يضمن العقد، الذي يقضي بتوريد ما يقرب من أربعة ملايين طن من الغاز سنوياً، لقطر سوقاً لتوريد الغاز الإضافي الذي تتوقع إنتاجه بمجرد الانتهاء من إنشاء محطات التصدير الجديدة.
تزود قطر الصين حالياً بربع احتياجاتها من الغاز.
إضافة إلى عدد من الصفقات الأصغر حجماً، سوف يسمح العقد الجديد للصين بخفض اعتمادها على روسيا بشكل ملحوظ.
في تصريح له، قال سعد شريدة الكعبي، وزير الطاقة القطري والمدير التنفيذي لمؤسسة قطر للطاقة، إن الصفقة "سوف تفتح فصلاً جديداً ومثيراً" مع سينوبيك، الشركة المملوكة للدولة في الصين والتي ستشتري الغاز القطري.
كما أن هذه الشراكة الناشئة مع الصين تأتي بمعية بعض المكاسب الجيوسياسية. فهي تمنح قطر مزيداً من الحماية من أي عداوة محتملة من قبل إيران، التي تشترك معها قطر في واحد من أكبر حقول الغاز في العالم. لطالما اعتمدت قطر على القاعدة العسكرية الأمريكية الموجودة قريباً من الدوحة لتوفير الحماية لها. ولكن مع تنامي القلق في أوساط المشرعين داخل الولايات المتحدة تجاه التشابكات الخارجية، يقول الخبراء إن قطر غدت تبحث عن مزيد من وسائل الحماية من أي أخطار قد تشكلها إيران، التي تعتمد على الصين كزبون هام في مجال الطاقة وفي الشراكة الجيوسياسية.
طوال تاريخها، اعتمدت قطر على حماية القوى أجنبية، وفي مراحل مختلفة خضعت للهيمنة البرتغالية حيناً والعثمانية حيناً آخر ثم البريطانية حيناً آخر. ثم ورغم أن ثروتها الغازية وفرت لها مزيداً من الاستقلال والأمن، إلا أن الأخطار مازالت محدقة بها من قبل جيرانها الأقربين.
يقول أليكس مونتون، خبير الغاز في رابيدان للطاقة، وهي مؤسسة للاستشارات: "تكمن مصلحة قطر الكبرى في ضمان الأمن. تدرك قطر جيداً نقطة ضعفها، ومن هنا فهي تجد في الغاز سبيلاً لتعزيز أمنها".