أصدرت محكمة تركية يوم الأربعاء الماضي، قرارا يقضي بسجن أكرم إمام
أوغلو لمدة عامين وسبعة أشهر و15 يوما وذلك على خلفية إهانته للهيئة العليا
للانتخابات. وسيحول القرار في حال تأكيده من المحكمة العليا دون قدرة إمام أوغلو
على ممارسة السياسة في توقيت غاية في الأهمية وقبل حوالي ستة أشهر من الانتخابات
العامّة الأكثر أهمّية وتعقيداً في العقدين الماضيين، والتي توصف بالانتخابات
المصيرية في ما يتعلق بالمسار الذي ستسلكه
تركيا مستقبلاً.
ما أن صدر القرار، حتى لقي ردود فعل شاجبة ومستنكرة من قبل
المعارضة التركيّة، تبع ذلك بيانات من قبل الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي
تدين القرار. القرار صدر على خلفية إهانة إمام أوغلو للسلطات العامة متمثلة في
الهيئة العليا للانتخابات. ما أن صدر القرار، حتى تحوّل إلى مصدر لأكبر دعاية
إعلاميّة لإمام أوغلو الذي قام بتوظيفه بشكل ممتاز في خدمة ترشّحه للانتخابات المقبلة.
هناك تفسيران لما جرى. البعض يعتقد أنّ حزب العدالة والتنمية استخدم
القضاء وقام بتوظيفه من أجل إبعاد أكرم إمام عن المشهد، وبذلك يكون قد أقصي عن
التنافس في الانتخابات المقبلة، وتكون المعارضة قد خسرت أقوى أوراقها. تتبنى
المعارضة وأنصارها في الداخل والخارج هذه الرواية، وتدّعي أنّه ما كان من الممكن
للقضاء أن يتّخذ مثل هذا القرار من دون تحريض وتوجيه سياسي، وإنّ مصير القرار هو
الفشل وصعود أكرم إمام أوغلو.
من اللافت أيضاً أنّ المعارضة قامت بتوظيف مشهد قديم لتربط بين ما
جرى وما يجري، حيث استعادت لحظة
الحكم على أردوغان محاولة اغتياله سياسياً عندما
كان في رئاسة بلدية إسطنبول بسبب قصيدة قالها، وكيف أنّ هذه اللحظة الفارقة كانت
بمثابة انطلاقة سياسية لأردوغان، وربطت بين هذه اللحظة وما اعتبرته لحظة إمام أوغلو
الذي يعدّ الحكم القضائي ضده بمثابة انطلاقة سياسية له.
في المقابل، هناك تفسير يقول إنّ ما جرى كان بمثابة انقلاب داخلي بين
أعضاء المعارضة التركية جرى تنفيذه بالتعاون بين أكرم إمام أوغلو وزعيمة حزب
"أيي" المعارض، ميرال أكشينار ضد الزعيم الحالي للمعارضة التركية كمال
كيليتشدار أوغلو. مبّرر هذا الانقلاب موجود ومعلوم من قبل الجميع، فكليتشدار أوغلو
يريد أن يُرشّح نفسه كزعيم للمعارضة ضد أردوغان، لكنّ عدداً من أطراف المعارضة أو
ما يعرف باسم أقطاب الطاولة السداسيّة، يعتقد أنّه لا يجب أن يترشّح لأنّ ترشّحه
سيساعد أردوغان وينتهي بهزيمة، ومن بين هؤلاء ميرال أكشينار التي تريد أن يترشح
إمام أوغلو أو منصور يواش.
هناك تفسير يقول إنّ ما جرى كان بمثابة انقلاب داخلي بين أعضاء المعارضة التركية جرى تنفيذه بالتعاون بين أكرم إمام أوغلو وزعيمة حزب "ايي" المعارض، ميرال أكشينار ضد الزعيم الحالي للمعارضة التركية كمال كيليتشدار أوغلو.
وقد حال هذا الخلاف بين أطراف المعارضة دون إعلانهم اسم مرشّحهم
الموحّد حتى هذه اللحظة، في الوقت الذي ظل فيه كليتشدار أوغلو متمسكاً بقراره.
لكن ما حصل الآن، أعطى اليد العليا لمقترح أكشينار، وشكّل دفعة معنوية وإعلامية
ضخمة ومجانيّة لأكرم إمام أوغلو. وقوف أكشينار إلى جانب إمام أوغلو في التجمّعات
العامّة التي تلت صدور القرار القضائي تدعم نظرية الانقلاب الداخلي، إذ إنّ الوضع
الحالي يدفع بالاتجاه الذي أرادته أكشينار، ويجعل كليتشدار أوغلو في وضع صعب،
ويرفع من حظوظ إمام أوغلو كمرشّح موحّد باسم المعارضة.
منتقدو التفسير الأوّل يرون أنّ أردوغان ليس غبيّاً، وأنّه لم يكن
بحاجة إلى قرار ينهي انقسام المعارضة، ويرفع من أسهم أكرم إمام أوغلو على حساب
السيناريو المثالي الذي يرشّح فيه كليتشدار أوغلو نفسه ويؤدي ترشّحه إلى انقسام
المعارضة. أمّا منتقدو التفسير الثاني، فيعتقدون أنّه ما كان الأمر ليحصل لولا أنّ
القضاء اتخذ القرار في هذا التوقيت الذي يجعل منه قراراً مسيّساً. لكن بغض النظر،
فقد حصل ما حصل، ومن المعلوم أنّ قرار المحكمة ليس نهائياً، بالرغم من مسارعة
المعارضة إلى استغلاله وتوظيفه في حسابات سياسية تتعلّق بالانتخابات المقبلة.
من المفترض أن يتم تسليط
الضوء خلال المرحلة المقبلة على عنصرين أساسيين، الأوّل هو ردّة فعل كليتشدار
أوغلو على هذا الوضع الذي يقوّض من حساباته. من المعروف أن الانتخابات المقبلة
ربما تكون الفرصة الأخيرة لكليتشدار أوغلو لتحقيق حلمه في الوصول إلى السلطة، سيكون
من المثير للاهتمام أن ترى ما إذا كان سيستسلم للوضع الحالي ولصعود أكرم إمام
أوغلو على حسابه، أمّ إنّه لن يُغيّر من موقفه وسيصر على ترشيحه.
في المقابل، فإن من المهم أن نرى كيف سيتعامل حزب العدالة والتنمية مع
هذا الوضع الطارئ، وبالرغم من أنّه من المتوقع ألاّ تصادق المحكمة العليا على
القرار وأن تستبدله ربما بغرامة مالية، فإنّ تبعاته لن يتم تجاوزها ما لم يطرأ شيء
أهم على الساحة الداخلية التركية، كاستفتاء يفوز فيه أنصار الحزب، أو ربما يطرأ تطوّر
سياسي غير متوقّع.